ذ. معدن: الحصيلة الاجتماعية والنقابية تجعل من 2025 سنة عجفاء.. ونجدد دعوتنا للجبهتين النقابية والاجتماعية

Cover Image for ذ. معدن: الحصيلة الاجتماعية والنقابية تجعل من 2025 سنة عجفاء.. ونجدد دعوتنا للجبهتين النقابية والاجتماعية
نشر بتاريخ

بمناسبة اليوم العالمي للعمال، أجرت بوابة العدل والإحسان حوارا مع الأستاذ محمد معدن عضو المجلس الوطني للقطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان، تطرق للعديد من القضايا المرتبطة بالسياق الاجتماعي والنقابي المحلي والدولي، وحقوق الشغيلة والعمال في ضوء إقرار قوانين وقرارات تمس بهذه الحقوق، وفي ظل صعود متنام للتنسيقيات على حساب النقابات….

فيما يلي نص الحوار:

بداية، ونحن نخلد اليوم العالمي للعمال، كيف ترون التوجهات الدولية لحماية حقوق العمال وتأسيس علاقة سليمة بين العامل والمقاولة والدولة؟

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبي الرحمة وعلى آله وصحبه إخوانه وحزبه.

بدايةً، يسعدني أن أعبّر عن شكري وخالص امتناني لموقعكم الكريم، الذي فتح لنا نافذةً للحوار الهادف ومنبرًا للتعبير بكل صدق وحرية، فشكرا لكم على التزامكم الأصيل بقضايا الناس، وحرصكم على نقل الكلمة الهادفة بروحٍ مهنيةٍ سامية وإنسانيةٍ مؤثرة.

دعني في البداية أن أتقدم بأصدق التهاني لعموم الطبقة العاملة في هذه المناسبة، دون أن أنسى ما تقوم به آلة الكيان الصهيوني بدعم من قوى الاستكبار العالمي من جرائم في حق إخواننا في فلسطين وجبهات الدعم، وما تفعله آلة الاستغلال العالمي في حق الشعوب المستضعفة بقوة السلاح والمال، متحدية بذلك كافة المواثيق والأعراف والمؤسسات الدولية. فتحية لغزة وأهلها ولكل الشرفاء أينما حلوا.

الجواب على سؤالكم يتقاطع مع ما قدمت له، فالأصل أن تنعم الدول والأمم والشعوب بالسلام والتعايش العالمي، والتراحم الإنساني، أو هكذا نرى الأمور، وهذا يقتضي أن تُحترم إرادتها، وتكفل حقوقها في الوجود والسيادة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، وأن يكون الإنسان محور كل السياسات والمشاريع والممارسات… لكن للأسف، في ظل تغول جشع النيوليبرالية واستعلاء السلطوية العالمية والمحلية، وتمدد المقاولات العالمية أمسى العامل مجرد مورد بشري، وطاقة وقوة عضلية وذهنية تباع وتشترى بأبخس الأثمان، من أجل تخفيض كلفة الإنتاج. وتسعى الدولة من جهتها إلى التضيق على الحريات النقابية، واستهداف الالتزامات الاجتماعية للعمال من أجل جلب الاستثمارات الأجنبية للحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية على حساب الوضعية الاجتماعية للشغيلة وعبرها الطبقات الفقيرة والمتوسطة. وحتى ما يُرفَع من شعارات ويصاغ من قوانين أممية، لا تلزم القوى الكبرى نفسها بها، فضلاً عن ضعف آليات التنفيذ والرقابة، خصوصًا في ظل أنظمة استبدادية في كثير من الدول التي تنحاز للسياسات العالمية دون مراعاة مصلحة شعوبها.

فالعلاقة بين العامل والمقاولة والدولة يجب أن تقوم على قاعدة العدل والكرامة الإنسانية باعتبار العامل شريكًا أساسيًا في التنمية المستدامة وهدفا لها، لا على منطق الاستغلال والهيمنة الذي يسِم النموذج الرأسمالي الذي يحوّل العامل إلى مجرد آلة إنتاج وسلعة. كما أن الدولة ينبغي أن تكون راعية وضامنة لهذه الحقوق، ومحافظة على التوازن بين قوة المال والسلطة والعمل، ومنه حماية حق العمل النقابي وتفعيل آليات الحوار الاجتماعي والتفاوض الثلاثي.

في هذا السياق، يرى كثيرون أن شيئا اسمه الحقوق والحريات، للعمال وغيرهم، بات ترفا من القول وأكذوبة مفضوحة أمام مذبحة غزة التي تطال العامل والعاطل والرجل والمرأة والطفل… وهي المذبحة الجارية منذ عام ونصف أمام أعين العالم والنظام الدولي وكل الترسانة القانونية والمؤسسات الحقوقية.

 في ظل ما يحدث في غزة منذ أكثر من عام ونصف، تبدو مفاهيم “الحقوق والحريات” وكأنها مجرد شعارات جوفاء حين تُنتهك أبسط الحقوق الإنسانية وأهمها الحق في الحياة والطعام والماء والدواء والوطن، كل ذلك أمام أنظار العالم دون ردع حقيقي أو مساءلة. العامل، العاطل، الرجل، المرأة، الطفل، الكل سواء تحت آلة الحرب، وكأن لا وجود لكل تلك القوانين والمعاهدات التي وُضعت -نظرياً- لحمايتهم. ومن المؤسف والمؤلم أن تتخلى الدول والمؤسسات عن أبسط المبادئ الإنسانية، لتُصافح يد الاحتلال وتغض الطرف عن جرائمه المتواصلة بحق شعب أعزل يُنادي بالحرية والعدالة.

 فالتطبيع، حين يصدر عن جهات تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، يصبح نفاقًا صارخًا وسقوطًا أخلاقيًا مدوّيًا. إن هذه المواقف لا تشرعن الاحتلال فحسب، بل تهدم جسور الثقة مع القيم التي طالما رُفعت شعاراتها في المحافل الدولية.

 وفي خضمّ التحولات السياسية المتسارعة، اختار المغرب -أرض العزة والكرامة- أن يوقّع على اتفاق تطبيع مع الكيان الصهيوني في أواخر عام 2020، تحت مسمى “اتفاق استئناف العلاقات”. خطوةٌ وُصفت حينها بأنها براغماتية، لكن حقيقتها أنها كانت خذلانًا مؤلمًا لتاريخٍ طويل من الدعم الشعبي المغربي الثابت للقضية الفلسطينية. ولقد تطور ورم التطبيع متجاوزا العلاقات الدبلوماسية إلى توقيع اتفاقيات أمنية وعسكرية خطيرة، تُدار تحت مسمى “الشراكة الاستراتيجية” وفتح خطوط تجارية مباشرة للمنتجات الزراعية والالكترونيات، توقيع اتفاقية تعاون اقتصادي، وتسهيل التبادل التجاري، وتأسيس مجلس رجال الأعمال المغربي-الإسرائيلي، والاستثمار في الطاقات، والصناعات، ورحلات جوية مباشرة بين تل أبيب ومدن مغربية، وتوقيع اتفاقيات بين جامعات مغربية (مثل جامعة محمد السادس) وجامعات إسرائيلية (مثل التخنيون)… نحن أمام حرب جديدة، حرب على الذاكرة، والقيم، وعلى تاريخ الشعوب الطامحة للحرية.

فتحية اعتزاز وإكبار لأبناء الشعب المغربي الأبي، ولكل الهيئات المناهضة للتطبيع، الذين وقفوا بكل قوة ضد محاولات التطبيع مع الاحتلال الصهيوني. وتحية فخر واعتزاز للعمال الشرفاء الذين امتنعوا عن شحن السفن المحمّلة بقطاع الغيار العسكري في طنجة والدار البيضاء، والتي تُستخدم في دعم الاحتلال، الرافضين المشاركة في أي شكل من أشكال الدعم للظلم. لكن كل هذه الجرائم لا تصوغ التخلي عن النضال الاجتماعي والاقتصادي في وجه الاستغلال والاستبداد والفساد، بل على الحركة العمالية والنقابية أن تناضل من أجل الحرية لفلسطين باعتبارها أيقونة الصمود البطولي لإرادة شعب محتل في وجه آلة الاستعمار والاستكبار العالمية الداعم للصهيونية.

في السياق المغربي، ما الملامح الاجتماعية والسياسية الرئيسة التي يجري فيها تخليد فاتح ماي هذا العام؟

إن الحصيلة الاجتماعية والنقابية السيئة خلال هذه السنة 2025، تجعل منها سنة عجفاء قاحلة، ففيها تم إقبار الحوار الاجتماعي الذي لم ينعقد إلا قبل يومين للمصافحة، بل تجاوزت الحكومة النقابات تجاوز خطيرا حين فرضت إدماج CNOPS و CNSS، وحين مررت مستقوية بأغلبيتها البرلمانية قانون تكبيل الإضراب، وفيها ضربت الحق في الإضراب ومعه الحق في العمل النقابي، وفيها تم إغلاق أبواب الحوار في العديد من القطاعات المهنية والعمالية وتم تجميد العديد من الملفات الفئوية والقطاعية المجمدة منذ عقود، وزادت الدولة من وتيرة تفويت الخدمات الحساسة للقطاع الخاص تحت مسمى التمويلات المبتكرة وتوسيع تجربة الشراكة عام-خاص، وخلالها أصرت الحكومة على عدم حل مشكل لاسمير الذي يستفيد منه رئيس الحكومة ونفسه وشركات المحروقات معه، رغم الضرر البليغ الذي يتحمله الشعب الفقير المسكين من هذا الإصرار. وفيه ارتفعت نسبة البطالة والفقر. وتسعى الحكومة جاهدة إلى تمرير إصلاحات مخربة لأنظمة التقاعد على حساب الشغيلة وغيرها… ناهيك عن تدهور القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع الأسعار وتهاوي المخططات الملونة الخضراء والزرقاء … كل ذلك، يزيد من حجم الاحتقان الاجتماعي.

صحيح، هناك أموال طائلة تنفق على مشاريع الواجهة بدون طائل، وهناك إجراءات استعجالية تنتهج كتوزيع المساعدات المالية المباشرة على الأسر لكنها لا تسد جوعا، ناهيك عن الاختلالات الكبرى التي تعتريها مقابل ترسيخ ثقافة التسول، وتضييع فرص تنمية حقيقية وإغراق البلد في مزيد من المديونية. ولابد من أن أؤكد على أن هذه الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الخانقة يواكبها غياب واضح للنقابات.

في هذا العام تم إقرار قانون الإضراب، وصدر في الجريدة الرسمية أواسط الشهر المنصرم بعد إقراره من قبل المحكمة الدستورية. هلا ذكّرتم القراء والمتابعين بموقفكم منه؟ وما أهم الاختلالات التي سجلتموها عليه؟

سن قانون الإضراب جريمة حقوقية في حق الشعب المغربي عموما، والشغيلة والحركة النقابية المغربية  على وجه الخصوص،’ ولقد عبر القطاع النقابي في ورقة أصدرها قبل المصادقة على القانون عن رفضه للقانون؛ سياقا لأنه جاء في وضع محتقن ومتأزم اجتماعيا واقتصاديا لا يمثل قانون الإضراب فيه أولوية إلا لأصحاب الهاجس الأمني التحكمي، ومنهجية لأنه جاء بمبادرة انفرادية وفوقية وخارج طاولة الحوار، وشكلا لأنه تم المصادقة عليه ضد القوانين الدولية الحامية للحق في الإضراب والعمل النقابي وبشكل انتقائي، ومضمونا لأن مواده جاءت لتكبل الحق في ممارسة الإضراب، وتقيده، وتفرغ الحق الدستوري من معناه عوض تنظيمه بهاجس حقوقي. وهذا أكده بيان فاتح ماي لهذه السنة.

هل معنى هذا أن حقوق العامل ودور النقابة باتا في خبر كان؟

الطبيعة تأبى الفراغ كما يقال، فبالرغم من القيود التي فرضها القانون، يمكن للنقابات أن تقوم بأدوار أساسية في التأثير على تطبيقه؛ بالدفاع عن الحريات النقابية كأداة أساسية للعمال للمطالبة بحقوقهم، والنضال من أجل تعديله أو إلغاء بعض بنود القانون التي تفرض قيودًا شديدة، وإشراك الرأي العام بالتعبئة ضد القيود المفروضة على الإضراب، من خلال حملات إعلامية وندوات قانونية واعتماد التفاوض مع الحكومة لتعديل البنود “المكبلّة” أو “المفرطة في التشدد”. مع تعزيز العمل النقابي خارج إطار الإضراب بالتركيز على أساليب نضالية بديلة بالضغط من خلال المفاوضات الجماعية مع الحكومة وأرباب العمل، والاحتجاجات السلمية مثل المسيرات والاعتصامات التي لا تكون بشكل تقليدي إضرابًا عن العمل، لكنها تظل وسيلة للضغط. والمطالبة بتعديل السياسات على المدى الطويل عبر التفاعل مع البرلمان والحكومة لمناقشة الإصلاحات.

يلاحظ في السنوات الأخيرة ميول متزايد لدى المواطنين المتضررين في قطاعات ومناطق متعددة نحو التنسيقيات على حساب النقابات. كيف تقرأون ذلك؟ وكيف للنقابات أن تستعيد عافيتها؟

أولاً: أسباب ميل المواطنين نحو التنسيقيات بدل النقابات بفقدان الثقة في النقابات التقليدية، فكثير من المواطنين يرون أن النقابات أصبحت متماهية مع السلطة أو تسعى لمصالح قياداتها أكثر من الدفاع عن قواعدها. والدولة مسؤولة عن ذلك باستهدافها لمؤسسات الوساطة واختراقها وإضعافها. كما أن النقابات تتحمل جزءا غير يسر من المسؤولية من خلال الجمود التنظيمي، وضعف الديموقراطية والشفافية، فغالباً ما تتسم النقابات بهياكل بيروقراطية معقدة تجعل اتخاذ القرار بطيئاً ومقيداً، في حين أن التنسيقيات أكثر مرونة وسرعة في التعبير عن مطالب الفئات المتضررة.

وتنشأ التنسيقيات عادة حول مطالب قطاعية أو فئوية محددة، مما يجعلها أكثر قدرة على تمثيل معاناة معينة بدقة مقارنة بالنقابات التي تغطي قطاعات عريضة. وتوظف التنسيقيات شبكات التواصل الاجتماعي بشكل مكثف للتعبئة، مما يجعلها قريبة من الناس وسريعة الانتشار مقارنة بالنقابات التقليدية. كما أنها حققت ما عجزت عن تحقيقه النقابات وهو التحرر من القيود السياسية والبيروقراطية وكذا توحيد نضالات مختلف النقابات في الفئة. فكيف يمكن للنقابات استعادة عافيتها؟

استرجاع الثقة يتطلب الرفع من الشفافية والديموقراطية والنضالية بوضع آليات واضحة لاتخاذ القرارات وتقييمه، ومحاسبة قياداتها على مواقفها التفاوضية أمام قواعدها، وتجديد الهياكل والانفتاح على الشباب وإدماج الطاقات، مع الانفتاح الإيجابي على كل المبادرات في دينامية تفاعلية متجددة وبممارسة صلاحيات هيآتها الاستشارية والتقريرية في تؤدة وصبر والتزام. وتوحيد نضالاتها في جبهة نقابية موحدة وقوية.

على ذكر الجبهة النقابية، تكررون في خطابكم الدعوة إلى جبهة نقابية موحدة لمواجهة الزحف المتواصل على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للعمال وعموم المغاربة. أين وصلت دعوتكم؟ وهل مازلتم ترون صلاحها أم تتّجهون نحو خيارات أخرى؟

 بالتأكيد، خيار الجبهة هو خيار استراتيجي اقترحناه على الفاعلين النقابيين منذ مدة ليست بالقصيرة، وما زلنا نرى ملحاحيته وراهنيته. يتعلق الأمر بتحالف بين القوى النقابية المختلفة التي تؤمن بالمطالب الاجتماعية للشغيلة على أرضية رؤية موحدة وملف مطلب موحد، من أجل الدفاع عن حقوق العمال والتصدي للسياسات التي تهدد مصالحهم. وتركز على التضامن النقابي في مواجهة السياسات الاقتصادية غير العادلة. وذلك بالمشاركة الفاعلة في الإضرابات والاحتجاجات العامة للمطالبة بتحسين أوضاع العمال وحمايتهم من السياسات الحكومية غير العادلة؛ كما أن الجبهة النقابية أكثر توعية وتأطيرا وتعبئة للجماهير.

 أكثر من ذلك، دعونا إلى أن تكون هذه الجبهة نواة لجبهة اجتماعية أوسع، تكون قادرة على الدفاع عن حقوق العمال والمساهمة في حماية السيادة الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية في المغرب عبر تحقيق التعبئة المجتمعية الواسعة القادرة على ترجيح موازين القوى لفائدة التغيير، وإقامة العدل والحرية واحترام الحقوق وكرامة الانسان. وفي هذه السنة جدد القطاع النقابي في بيان فاتح ماي دعوته لجميع المنظمات النقابية والقوى المناضلة إلى تشكيل هتين الجبهتين النقابية والاجتماعية. بل اعتبره شعارا لبيان هذه السنة: النضال الوحدوي واجب لا اختيار لرفع الظلم وتحقيق العدالة الاجتماعية وإسقاط التطبيع.