ذ. عبادي: من مقاصد الزواج “توريث هدي الله سبحانه وتعالى عز وجل لمن بعدنا”

Cover Image for ذ. عبادي: من مقاصد الزواج “توريث هدي الله سبحانه وتعالى عز وجل لمن بعدنا”
نشر بتاريخ

تناول فضيلة الأمين العام لجماعة العدل والإحسان “مقاصد الزواج”، وذلك في كلمة جامعة يوم أمس الأحد 31 دجنبر 2023 أمام الحاضرين في “نصيحة الوفاء”، منطلقا في ذلك من حديث لأبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة”، موضحا أن الحديث ورد في عدة مصادر، وإن كان هناك من يضعفه إلا أن أكثر المحدثين قالوا بصحته.

في مقدمة مقاصد الزواج إرضاء الحبيب صلى الله عليه وسلم بتنفيذ وصيته

الأستاذ محمد عبادي في كلمته بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لرحيل الإمام المجدد عبد السلام ياسين، وقف ضمن هذه المقاصد على ما ذكره العلماء من أن “إرضاء الحبيب صلى الله عليه وسلم بتنفيذ وصيته” يأتي في مقدمة هذه المقاصد، ومعنى ذلك أن الزواج “يكون بنية متابعته صلى الله عليه وسلم وتنفيذ وصيته لضمان الخلود عن طريق إكثار النسل، وعن طريق الذكر الحسن بالنسبة للأولاد من الروح”.

وأشار عبادي إلى أن كفار قريش كانوا يعيبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم موت أولاده الذكور وكانوا يسمونه الأبتر، لذلك رد الله عليهم إن شانئك هو الأبتر، وشدد عبادي على أن الأمة كلها في صحيفته صلى الله عليه وسلم ومن سبق من الأمم السابقة كذلك، لأن الأنبياء قبله كانوا ينوبون عنه في انتظار ظهوره صلى الله عليه وسلم، كما يدخل في صحيفته ورثته من بعده والبشرية كلها.

وفي كلمته المتفاعلة مع موضوع النصيحة “الأسرة الصالحة عماد الأمة القوية”. اعتبر الأستاذ عبادي أن الأولاد يضمنون استمرار الحياة، وذكر الحديث القائل “… أو ولد صالح يدعو له”، معتبرا أن اسم الولد لا ينحصر في الولد المباشر، وإنما يدخل فيه الأحفاد وأحفاد الأحفاد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فيبقى الإنسان وكأنه على قيد الحياة، يصلي ويصوم ويقرأ القرآن.

من فوائد الزواج وكثرة النسل “إمامة الآخرة”

ومن فوائد الزواج وكثرة النسل، يقول عبادي، “إمامة الآخرة”. وأشار في ذلك إلى قول الله تعالى في القرآن “واجعلنا للمتقين إماما”، معتبرا أن طلب النسل يكون من أجل الآخرة، وذكر الآيات يوم ندعو كل أناس بإمامهم، ووألحقنا بهم ذرياتهم

ومما تحدث عنه الأستاذ عبادي في مقاصد الزواج “توريث هدي الله سبحانه وتعالى عز وجل لمن بعدنا”، إذ خلق الله الإنسان على وجه الأرض لتحقيق غايتين، هما العبادة وإعمار الأرض، مصداقا لقوله تعالى: هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ، استعمركم فيها؛ أي جعلكم معمرين أو طلب منكم إعمارها، لأن السين والتاء إذا دخلت على الفعل جعلته للطلب.

فتوريث هدي الله تعالى الأجيالَ الرسالةَ التي جاءت مع سيدنا آدم؛ مهمة توالت مع جميع الأنبياء عليهم السلام إلى يومنا هذا لما فيها من رحمة لخلق الله جميعا، يقول عبادي، ثم يضيف أن الله تعالى خلق الإنسان ليسعده إن تمسك بمنهاج الله وسار على هديه. أما إن انحرف فإن له معيشة ضنكا في الدنيا وعذابا أليما في الآخرة، كما جاء في القرآن في سورة طه.

الأنبياء تخوفوا على أتباعهم من تيار الفساد والإفساد الجارف للأخلاق والقيم

ولفت إلى أن أنبياء الله عليهم السلام حرصوا على هذا النور ليسري في ذريتهم وفي الأمم التي بعثوا فيها، ودعاء سيدنا نوح على قومه ربِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ليس إلا من باب حرصه على أتباعه من المؤمنين مخافةً عليهم من أن يجرفهم تيار الفساد والإفساد الجارف للأخلاق والقيم.

والمستفاد من موقف سيدنا نوح، يضيف عبادي، أنه “على المؤمنين أن يقفوا في وجه هذا التيار حفاظا على آدمية الإنسان وإنسانيته وكرامته حتى لا ينجر ويغتر ويغويه الشيطان كما أغوى الكثيرين”.

وأشار الأستاذ عبادي إلى أن القرآن الكريم ذكر دعوات كثيرة في هذا الباب، منها دعاء سيدنا إبراهيم بأن يسري هذا النور في أولاده وفي عقبه إلى يوم القيامة رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وفي هذا يقول رسولنا عليه الصلاة والسلام: “أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى” عليهم الصلاة والسلام جميعا.

هم الأنبياء هو كيف يحافظون على هذا الإرث الرباني وتبليغه إلى ذريتهم وأممهم

ووقف فضيلة الأمين العام عند قوله تعالى: وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.

واعتبر عبادي أن الوصية هنا في هذه الآية هي من أجل هذا الإرث الروحي، والنور الرباني الإلهي. وصى بنيه وذريته كذلك في إطار تسلسل الوصية. إذ كان همهم كيف يحافظون على هذا الإرث وتبليغه إلى ذريتهم وأممهم.

وتابع عبادي موضحا أن سيدنا زكرياء أيضا لما شعر بدنو أجله، دعا الله تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ فأي تركة يريد أن يخلفها لأبنائه؟ يتساءل عبادي فيقول: “خشي على النور الذي في قلبه أن يضيع ولا يجد من يحمله بعده، فدعا الله واستجاب دعاءه”.

هناك أوصاف من اتصف بها استجاب الله دعاءه

وفي قراءته لهذه الآيات، كشف الأستاذ عبادي ما هنالك من مواصفات وقال إن “من اتصف بها استجاب الله تعالى دعاءه وأصلح له أهله وذريته”، وهي ثلاثة أوصاف جمعتها الآيات القرآنية إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ.

وعلى هذا المنوال سار حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو على رأس الأنبياء، وقال عبادي إنه بث النور في أمته. ولما كانت الدعوة ما تزال ضعيفة في غزوة بدر، خاف على هذه الثلة من المؤمنين أن يهلكوا فيضيع نور الله عز وجل فدعا ربه وقال: “اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض بعد اليوم”، ورق لحاله سيدنا أبو بكر الصديق وقال له: “كفاك مناشدتك ربك إن الله مستجيب لك دعاءك”.

وتابع يقول: “فهو دعا الله تعالى ليحفظ المؤمنين حتى يحملوا معه مشعل النور للآخرين فاستجاب الله دعاءه”، ولما جاءه ملك الجبال وعرض عليه أن يطبق الأخشبين على ثقيف عندما عاملوه معاملة قاسية وآذوه إذاية شديدة قال: “أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله” وعلق عبادي بقوله: “لقد طمع في النُّطَف التي لم تخلق بعد”، موضحا أن الأمر كان كذلك فيما بعد، وكل هذا من الحرص على أن يسري هذا النور في البشرية لتعيش السعادة دنيا وآخرة.

تعالوا لنتعلم دروسا في تربية الأولاد على يد سيدنا لقمان الحكيم عليه السلام 

واستجلى فضيلة الأمين العام دروسا من قصة سيدنا لقمان الحكيم عليه السلام في تربيته لابنه، لكـي “نتعلم على يديه درسا في التربية” من خلال وصاياه له. وهي وصايا لنا من منطلق كيف نربي وما هي الأسس التي ينبغي أن ننشئ عليها الذرية.

وأول هذه الدروس يقول عبادي هي العقيدة يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ والظلم هو ضع الشيء في غير محله. كما أن من هذه الوصايا الصلاة يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاة وقد تجاوز حديثه عن الصلاة إلى إقامتها وذلك يعني أداءها على حقيقتها. وفي قوله تعالى وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ تساءل المتحدث “ما علاقة الطفل الصغير بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟” قبل أن يوضح أن من تربية الآولاد أن نعلمهم منذ نعومة أظفارهم حتى يشبوا على محاربة الظلم وعلى تحمل أعباء الجهاد وإصلاح المجتمع، وهذه تربية الأنبياء والصالحين.

وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ من شأن ما سبق من الأمر والنهي، يقول عبادي، أن يجر على الإنسان نقمة المجتمع، فلا بد من التحمل، وهذه تربية على عزائم الأمور وليس على الرخص، وتابع: “ثم ينصحه أن يتصف بمكارم الأخلاق وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ تكبرا أو ترفعا أو سخرية واستهزاء وإعراضا عن الخلق. تواضعْ لخلق الله، ولا تمِل بوجهك عنهم، أو تعبس في وجوههم.

أما قوله تعالى: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ فقد قال فيه الأستاذ عبادي: “ولا تمشي متعجرفا متكبرا مزهوا بنفسك وبما تملك، اعتدل في سيرك في طلب وجه الله عز وجل، وفي عملك، لماذا؟ لأنك لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا“كما في سورة الإسراء.

إذا لم يهب الإنسان نفسه أولا لله فكيف يهب أولاده؟

وخص الأستاذ عبادي امرأة عمران بالحديث وهي التي وهبت جنينها الذي شعرت به يتحرك في أحشائها لله تعالى عز وجل، وأودعته عنده رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إن أنت السميع العليم، واعتبر أن المستفاد من فعلها “أن الإنسان إذا لم يهب نفسه هو لله فكيف يهب أولاده”.

وتبعا لذلك جاء قول الله تعالى فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ومعنى ذلك، يقول، أن الذي يتقن التربية هو الحق سبحانه وتعالى وحده، أو من رباه الله سبحانه تعالى أو من تربى على يد من رباه الله تعالى وهم الأنبياء، لأنه هو من يستحق اسم “المربي”.

فنحن لله وأولادنا لله، يقول عبادي، مشددا على أن الهدف من إنجاب الأولاد لا ينبغي أن يكون من أجل ملء الفراغ والبيوت بالضجيج والحركة أو التباهي بهم والافتخار بهم على غيرنا أو لتوريثهم الأملاك. وتابع: “فإذا أعطى الإنسان أولاده لله فهو يتولاهم كما فعلت سيدتنا مريم عليها السلام، فأنببتها ربها بالنبات الحسن، ومن استودع الله تعالى وديعة فليكن مطمئنا على وديعته لأن الله تعالى لا تضيع ودائعه”.