ذ. بناجح: حين تفسد الانتخابات تصبح المقاطعة أرقى أشكال المشاركة

Cover Image for ذ. بناجح: حين تفسد الانتخابات تصبح المقاطعة أرقى أشكال المشاركة
نشر بتاريخ

في تدوينة تناولت جدوى المشاركة الانتخابية، أكد الأستاذ حسن بناجح أن المشاركة السياسية ليست مرادفا للتصويت، ولا المقاطعة تعني الانسحاب من الشأن العام، موضحا أن جوهر المشاركة هو التأثير في القرار السياسي وأن يكون لصوت المواطن أثر في توجيه السلطة ورسم السياسات العامة.

وقال عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان إن الانتخابات حين تكون وسيلة حقيقية لتحقيق هذا التأثير تصبح المشاركة واجبا ومسؤولية، لكنه أضاف أنه حين تُفرَّغ العملية الانتخابية من مضمونها، ويُحسم القرار في دوائر لا تخضع لإرادة الشعب، فإن المقاطعة الواعية تصبح هي الموقف السياسي الأصدق والأكثر تأثيرا. وشدد على أن المقاطعة في هذه الحالة ليست فعلا سلبيا، بل فعل مقاومة مدني يجرد الفساد من الشرعية، مبرزا أنه كلما ازدادت نسب المقاطعة، تآكل الغطاء التمثيلي للسلطة، وانكشف زيف الحديث عن “التفويض الشعبي”.

واعتبر أن المشاركة في انتخاباتٍ صورية ليست سوى مساهمة مباشرة في إعادة تدوير الشرعية وتجميل واقع معطوب لا يصلحه الصندوق ما دامت الإرادة الشعبية مصادرة، لافتا إلى أن الانتخابات وسيلة لاختبار الإرادة الشعبية؛ فإذا غاب الاختيار الحر، ضاعت وظيفتها الأصلية، وصارت المشاركة فيها مشاركة في الوهم لا في القرار. وأكد أن المقاطعة ليست نقيضا للمشاركة، بل أحد وجوهها الواعية حين يُفسد الاستبداد العملية الانتخابية وحين تُختطف المؤسسات، موضحا أن الموقف الحقيقي ليس أن نشارك أو لا نشارك، بل أن نؤثر ونحاسب ونرفض التزييف، وحين لا يكون لصندوق الانتخاب أثر فإن الانسحاب منه يصبح هو الأثر. 

وفي سياق تفاعلات التدوينة، نقل المتحدث تعليقا جاء فيه أن “المقاطعة تخدم الفساد أكثر مما تخدم الديمقراطية… لماذا لا تشاركون وبذلك يتسنى لكم التغيير من داخل المؤسسة التشريعية”. وردّ بناجح موضحا الفرق بين الأماني والواقع، ومؤكدا أن الواقع أثبت أن المشاركة في ظل الشروط السياسية والقانونية القائمة تجعل أي طرف سياسي أمام خيارين لا ثالث لهما، وكلاهما مرّ:

الحالة الأولى: أن يتم تقزيم حجمه التمثيلي عمدا عبر هندسة انتخابية محسوبة، فيتحول وجوده إلى مجرد ديكور وشاهد زور على عملية لا تمتّ للنزاهة ولا للتداول الحقيقي للسلطة بصلة، فيُستعمل لتزيين المشهد وإيهام الناس بوجود تعددية ومنافسة.

الحالة الثانية: أن يُسمح له بالتصدر النسبي، لكن بموجب القانون الانتخابي المفصَّل على المقاس لن يستطيع تشكيل أغلبية تمكنه من تطبيق برنامجه، فيُجبَر حينها على التحالف مع من كان يحمّلهم مسؤولية الفساد والتخلف، فيصبح شريكا فيما كان يندد به بالأمس، وتضيع كل الوعود ويُمنح الفساد شرعية جديدة باسم المشاركة.

وأضاف أنه حتى لو تجاوزنا هاتين الحالتين فإن الواقع يصطدم بسلطوية مطلقة تجعل كل المؤسسات المنتخبة محدودة الصلاحية أو معدومة الفاعلية لأن القرار الحقيقي يوجد خارجها، إذ تبقى السلطات الفعلية بيد غير المنتخبين، بدءا من صلاحيات الحكم الواسعة للملك والمجالس المعينة مركزيا التي تمثل الحكومة الحقيقية، مرورا بجهاز الولاة والعمال والباشوات والقياد الذين يمتلكون الكلمة الفصل في التدبير الجهوي والمحلي، بينما تُترك المجالس المنتخبة في الهامش لتتحمل مسؤولية فشل سياسات لا تملك قرارها.

وأشار الفاعل الحقوقي والسياسي إلى أننا لسنا أمام فرضيات بل تجارب معيشة ومعروفة تابعها المغاربة منذ 1998 مع انطلاق تجارب ما يسمى “المشاركة الإصلاحية من الداخل”، وشاهد الجميع كيف انتهت إلى تطبيع مع الاستبداد، وتبرير لسياساته، بدل تغييره أو حتى الحد من تغوله. وختم مؤكدا أن المقاطعة ليست انسحابا ولا سلبية، بل موقف وعي ومسؤولية يرفض تزكية العبث ويُبقي المعركة مفتوحة من خارج اللعبة المغشوشة.