ذ. السلماوي: النظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي التربية الوطنية مرفوض منهجية وشكلا ومضمونا

Cover Image for ذ. السلماوي: النظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي التربية الوطنية مرفوض منهجية وشكلا ومضمونا
نشر بتاريخ

في سياق التوتر الذي يعرفه الجسم التعليمي، بسبب ما بات يعرف بالنظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية والتعليم، والذي واجهته الشغيلة التعليمية من رجال ونساء التعليم بالرفض والاحتجاج والإضراب عن العمل.

لفهم أكثر للموضوع، أسبابه وتداعياته، ولماذا رفضته أسرة التعليم، وموقف قطاع التربية والتعليم بجماعة العدل والإحسان مما يجري. نجري هذا الحوار مع الأستاذ مصطفى السلماوي نائب مسؤول قطاع التربية والتعليم في القطاع النقابي للجماعة. هذا نصّه:

– ما هو موقف قطاع التربية والتعليم من النظام الأساسي الخاص بموظفي التربية والتعليم والذي أثار هذه الموجة من الغضب؟

بداية أود أن أشكر بوّابة العدل والإحسان على هذه الفرصة التي أتاحتها لنا لنتواصل مع المغاربة عامة، والمهتمين بالشأن التعليمي في بلادنا خاصة، وكل الأحرار من نساء ورجال التعليم في بلدنا الحبيب، الذين يحترقون كالشمع ليضيئوا وينوروا عقول وقلوب فلذات أكبادنا، مُضحّين بالغالي والنفيس في سبيل رسالتهم النبيلة هاته، وقبل ذلك لا بد من الترحم على شهداء غزة الذين يقدمون للأمة الإسلامية أعظم الملاحم في الصمود والجهاد والثبات في وجه همجية الصهيوني الغاصب المحتل ومؤيديه الغربيين أمام تواطؤ الحكام المطبعين.

أما بخصوص سؤالكم، فإننا في المكتب الوطني لقطاع التربية والتعليم، وانطلاقا من قناعتنا الثابتة بمحورية المدرس في المنظومة التربوية التعليمية، وبناء على مواقفنا الثابتة القاضية بالاصطفاف مع نساء التعليم ورجاله من أجل تحسين أوضاعهم المادية والمعنوية، وتوفير شروط محفزة على أداء مهامهم النبيلة، ودعم نضالاتهم العادلة والمشروعة، نعتبر النظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية مرفوض منهجية وشكلا ومضمونا، لأنه نظام أساسي غير تشاركي ولا موحد ولا منصف ولا محفز، ونطالب بإرجاعه إلى طاولة الحوار من أجل إنصاف كل المتضررين منه، والاستجابة لمطالبهم، ومن أجل تحسين دخلهم بإقرار زيادة مستحقة في أجورهم.

إن الظروف التي رافقت خروج هذا النظام الأساسي نعتبرها استخفافا بجميع نساء ورجال التربية والتعليم وممثليهم النقابيين، وعودة إلى منطق الاستبداد بالرأي والقرار، وهذا بطبيعة الحال خلّف غضبا عارما في صفوف كل مكونات الجسم التعليمي، دفعهم إلى تصعيد الاحتجاجات عبر التكتل في تنسيقيات فئوية، آخذين زمام المبادرة النضالية بعد خيبة أملهم في أداء نقاباتهم طوال الفترة السابقة.

أما من حيث المضمون، فقد جاء النظام الأساسي بصفر درهم، وبالعديد من المقتضيات الملغومة والمرفوضة لا يسمح المجال بحصرها هنا، وحسبنا التذكير ببعضها على سبيل المثال: عدم إدماج المتعاقدين في سلك الوظيفة العمومية، وإضافة مهام جديدة خصوصا لهيئة التدريس وجعلها إجبارية دون تعويض، والتنصيص على عقوبات تأديبية جديدة دون ضمانات واضحة، وهو ما يفتح المجال للتعسف والشطط الذي كان العشرات من أطر القطاع ضحية له خلال السنوات السابقة، حيث تم إصدار قرارات الإعفاء من المهام دون تبرير. أما بعض الفئات التي خصها ببعض التعويضات الجزئية، كفئة الإدارة التربوية مثلا، فإن جلها كان عن أداء المهام وليس عن الإطار، إضافة إلى فئة أساتذة الثانوي التأهيلي الذين لم يستفيدوا البتة، وأطر الدعم التربوي ودكاترة القطاع، والأثر الرجعي لبعض الفئات كالمقصيين من خارج السلم وغيرهم… وفي هذا الإطار لا بد من التأكيد على أننا في قطاع التربية والتعليم نعتبر أسرة التربية والتعليم بكل فئاتها أسرة واحدة مهما تعددت المواقع والمهام والمسؤوليات، ولا ينبغي الانجرار وراء خطابات التفرقة، التي تسعى إلى تشتيت شمل هذه الأسرة الكريمة.

– كيف تقرؤون الاحتجاجات التي تخوضها الشغيلة التعليمية في إطار تنسيقياتها، والتي تغطي كل التراب الوطني؟

 بدءا نحن نعتبر الاحتجاج والنضال حقا مشروعا ما دامت المطالب عادلة ومشروعة، ولقد عبرنا في بياناتنا وفي الميدان عن داعمنا لنضالات التنسيقيات التعليمية، وألححنا على ضرورة تجميع وتنسيق الجهود في اتجاه تقوية جبهة النضال، كما دعونا النقابات إلى تحمل مسؤوليتها النضالية في هذه المرحلة الدقيقة. وإذا سألتني عن سر قوة الاحتجاجات العارمة التي تخوضها الشغيلة التعليمية في إطار تنسيقياتها، والتي تغطي كل التراب الوطني، فإنها رد فعل طبيعي يأتي بعدما دبّ اليأس إلى نفوس هذه الشغيلة بعد انتظار طويل لأكثر من 20 سنة، وبعدما رأوا بأم أعينهم التفاف الدولة على مطالبهم، وعدم التزامها بتنفيذ العديد من  الاتفاقيات مع النقابات، كاتفاق 26 أبريل 2011 مثلا، وتنكيلها بفوج الكرامة، حيث تم ترسيب العشرات منهم، واستهداف نضالات تنسيقية المفروض عليهم التعاقد بالقرارات التأديبية، خاصة في معركة “مسار” في الموسم الدراسي المنصرم، ناهيك عن الاعتداءات الجسدية والاعتقالات والمحاكمات …

وقد سبق لنا في قطاع التربية والتعليم أن حذرنا من هذا الاحتقان في بيان أصدرناه في فبراير الماضي. ومن ثم فإن هذه الاحتجاجات إن دلت على شيء فإنما تدل على أن صبر نساء ورجال التعليم قد نفد، ولم يعد بإمكانهم تحمل أكثر من هذه الإهانة والحط من الكرامة، حتى أصبحوا مضرب الأمثال في الاستهزاء والتنكيل بهم كلما خرجوا للمطالبة بأبسط حقوقهم مقارنة مع باقي فئات المجتمع. وما زاد من هذا الاحتقان غير المسبوق، ومن هذه النسبة العالية في صفوف المضربين، والتي فاقت كل التوقعات في إضرابات أكتوبر 2023، ومن منسوب الاحتقان، ذلك التدخل العنيف لقوات الأمن في اليوم العالمي للمدرس بالعاصمة الرباط، الذي وافق 05 أكتوبر 2023، وهو ما جعل الشغيلة التعليمية تنخرط في حراك اللارجعة.

أضف إلى ذلك، أن سخط هذه الشغيلة زاد تأزما عندما رأت بأم أعينها أن جميع الحوارات القطاعية حققت لممثليها زيادات مُرضية ومريحة، كما هو الحال بالنسبة لموظفي المحافظة العقارية (زيادة 2000 درهم)، الصحافة (زيادة 2000 درهم)، التعليم العالي (زيادة 3000 درهم) والأطباء ( زيادة 4000 درهم)، المهندسين (ما بين 2700 و8000 درهم)؛ إلا قطاع موظفي التربية الوطنية الذي كلما طالب ممثلوه بتحسين أوضاعهم المادية، فإن المسؤولين والقيّمين عليه يتذرعون بالأزمة المالية الخانقة والظرفية الاقتصادية التي لا تسمح، كما أن المسؤولين يطالبون رجال ونساء التعليم نتيجة لادعائهم هذا، بتغليب المصلحة الوطنية واحتساب الأجر والثواب عند الله تعالى، وفي أحسن الظروف القبول بشهادات تقديرية رمزية اعترافا بتضحياتهم -كما هو متضمن في القانون الأساسي- فضلا عن تصريحات الوزير حول تحسين دخل الأساتذة عبر الزيادة في تعويضات تصحيح أوراق الامتحان.

– ما هو اقتراحكم للخروج من هذه الأزمة، علما أن ثمن التأخر في الحل يمتد ليشمل سبعة ملايين تلميذ وتلميذة؟

منطلق الأمر هو توفر إرادة سياسية حقيقية لطي هذا الملف بما يحفظ كرامة نساء ورجال التعليم، ويستجيب لمطالبهم، والتعامل مع القطاع بما يستحق من أولوية باعتباره قضية أمة، وليست قضية الوزير فلان أو علان، وليس مجالا للمزايدات السياسية. ويأتي في مقدمة المطالب تحسين الشروط المهنية بكل تفاصيلها ليتمكن أطر التربية والتعليم من القيام بالرسالة التربوية على أحسن وجه، وتحسين ظروف العيش والرفع من الدخل، الذي يعد مطلبا مستحقا لا محيد عنه نظرا للسياق الواقعي الذي يتسم بالتضخم وغلاء الأسعار.

ومن جهة ثانية، لابد للدولة من أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في استرجاع شرط الثقة لتهدئة أجواء الاحتقان في المؤسسات التعليمية حتى تعود إلى القيام بمهامها الاستراتيجية بشكل سلس. كما عليها أن تُعجّل بالتعاطي الإيجابي مع مطالب الحراك التعليمي عبر العودة الإيجابية والعاجلة إلى طاولة الحوار بمسؤولية وصدق وشفافية لبناء تشاركي لنظام أساسي موحد ومنصف ومحفز بحق، حفاظا على زمن تمدرس حوالي سبعة ملايين تلميذ وتلميذة لا ذنب لهم سوى أن المسؤولين عوض أن يكافئوا ويكرموا مدرّسيهم على المجهودات التي يبذلونها في سبيل التعليم والتربية، يمسون بكرامتهم، ويزيدون في عنتهم ومعاناتهم، ويستهترون بنضالاتهم، ويستهزئون بهم في المؤسسات التشريعية الرسمية، ويتهكمون على مدخولهم المالي، فهل هناك تهكم أكثر من هذا التهكم؟! ختاما، أحيي عاليا نضالات نساء ورجال التعليم، وأشكر لكم هذه الفرصة التي منحتمونا إياها للتواصل.