في سياق اليوم العالمي للعمال، والذي يحل يوم فاتح ماي من كل عام، أجرت بوابة العدل والإحسان حوارا مع الأستاذ أحمد الزوين عضو المجلس الوطني للقطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان، وعضو سابق في المجلس الوطني للنقابة الوطنية للفوسفاط –كدش.
الحوار تطرق لعدد من القضايا والملفات التي تهم تحديات الوضع النقابي والاجتماعي القائم، ورؤية القطاع النقابي للجماعة لهذه الملفات.
فيما يلي نص الحوار:
ونحن نخلد اليوم الأممي للعمال الموافق لفاتح ماي 2023، يتجدد السؤال حول الوضع العام للشغيلة المغربية في مختلف القطاعات. كيف تنظرون للشروط التي يعمل في ظلها عمال المغرب؟
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
بداية أتقدم بخالص الشكر لبوابة العدل والإحسان على استضافتها، وأتمنى لكم النجاح والتوفيق. واغتنم فرصة اليوم العالمي للشغل لأتقدم من خلال منبركم بالتهنئة والتقدير إلى كل الطبقة العاملة، وهي تهنئة موصولة إلى كل الفاعلين في الحقل النقابي إطارات نقابية وجمعوية ومناضلين. ولا يفوتني أن أخص بالذكر المرأة العاملة وكذا كل الفئات العمالية الأكثر هشاشة.
عودة إلى سؤالكم حول الوضع العام للشغيلة المغربية، فهو يتسم بالاحتقان بسبب ضعف القدرة الشرائية بسبب غلاء الأسعار وجمود الأجور، وتنكر الدولة لالتزاماتها في اتفاقات سابقة آخرها اتفاق 30 أبريل 2022، وإقدامها بالمقابل على إجراءات خطيرة كلجوئها إلى إصلاح تخريبي جديد لأنظمة التقاعد على حساب جيوب الشغيلة وعرقهم، وتفكيكها لمنظومة التوظيف في القطاع العام بلجوئها إلى المناولة والتشغيل بالعقدة المحددة الأجل المؤسسين للهشاشة وغياب الاستقرار المهني والاجتماعي، والمعرضين ضحايا كثر من الشغيلة للاستغلال.
واستسمحك هنا أن أعرض بعض الأمثلة: كالعمل لأكثر من 12 ساعة في اليوم مع احتساب زمن التنقل من وإلى العمل، واستئساد بعض شركات المناولة على الأجراء ودفعهم للتصديق على وثائق خارجة عن قانون الشغل، كوثيقة شاءت قدرة الله أن أجد مجموعة من عاملات النظافة يصدقن عليها تبرئ المشغل من مستحقاتهن في إنهاء عقد الشغل إن هن أردن توقيع عقود جديدة، وحرمان ملايين العمال من حقهم في الحماية اجتماعية، وهزالة الأجور… وغيرها من الظروف التي تعود بنا لعهود الاستعباد المقنن في غياب مؤسسات رقابية قوية وذات مصداقية.
كما تفضلتم، يكاد يكون الإجماع على أن عموم الشغيلة من عمال وموظفين يقعون تحت ضغط خانق يرجع إلى مستوى المعيشة المتصاعد مقابل مستوى الدخل الجامد. ما أسباب هذا الوضع المتأزم والمستمر منذ زمن غير قريب؟ وكيف تفسرون هذا الغلاء الفاحش غير المتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين؟ وما السبل المعقولة اقتصاديا واجتماعيا للتغلب عليه؟
واقعنا اليوم هو ثمرة تخطيطنا وسلوكنا البارحة، نحن نجني ما زرعته الحكومات السابقة من إخفاقات وفشل، ولا يمكن للأسف تلمس الآثار الاجتماعية لسياسة الدولة في جميع الحكومات، فالفقر وعدد الفقراء في تزايد مطرد، والقدرة الشرائية في تدهور متواصل بسبب ارتفاع معدلات التضخم التي قفزت من 5.9% إلى 10.1%، وجمود الأجور، حتى أمست التنمية حلما بعيد المنال، في ظل استشراء الفساد واحتكار الثروة وتغول اقتصاد الريع وهيمنة من يجمع المال والسلطة أو يستقوي بها على القرار السياسي والاقتصادي.
ويمكن إذا أردت التفصيل أن نتحدث عن غياب الرقابة على الأسواق، وتعدد الوسطاء، وإعطاء أولوية للتصدير خاصة للمواد الأساسية، والاحتكار، والرفع من كلفة النقل عبر إغلاق لاسامير واستيراد النفط المكرر، كل هذا سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار باستمرار في كل المناسبات التي يقبل فيها المغاربة على الأسواق للتزود بالمواد والحاجيات التي تلبي مستلزمات هاته المناسبات. لذلك على مؤسسات الدولة أن تشدد الرقابة على سلسلة التسويق من الإنتاج إلى الأسواق والمتاجر (تقليص الوسطاء) ومحاربة الاحتكار وسن قوانين تمنع أو تحد من تصدير المواد الأساسية كما تفعل الدول التي تحترم مواطنيها، كما يجب تقديم دعم حقيقي للمنتجين الصغار لمواجهة تنافسية المنتجات الأجنبية. ومن جهة أخرى علينا كمجتمع أن لا ننجر وراء الدعايات التي تجعل من المناسبات خاصة الدينية منها مناسبة للاستهلاك والاستهلاك فقط، فكل المناسبات تعتبر برمزيتها سواء كانت دينية أو وطنية فالدعاية التي تباشرها شركات القروض الصغرى وشركات المنتجات تحيد عن القصد الأسمى لهذه المناسبات.
ثم عود علي بدء، لابد من تغيير حقيقي شجاع يقطع مع الاستبداد ويحارب الفساد ليتسنى لبلدنا استنبات التنمية في أرضنا، تنمية يسهم الجميع في بنائها ويستفيد الجميع من ثمارها عدلا وكرامة.
هل فعلا الوضع الاقتصادي الدولي المأزوم والذي يلقي بظلاله على سائر الدول هو المتسبب الرئيس في الوضع الاجتماعي الصعب الذي يعيشه الشعب المغربي؟
صحيح أن الأزمات (الأوبئة، الحروب، الكوارث الطبيعية…) لها انعكاس سلبي على الأوضاع المعيشية للشعوب، لكن لا يمكن أن تكون مشجبا لتبرير التردي والتراجع. المشكل عندنا بنيوي، متعلق بالبنية الاستبدادية للسلطة، وبتمكن الفساد، وتعاقب السياسات العمومية الفاشلة لعقود، ولا تخطئ العين المتتبعة مؤشرات التقارير الدولية والمحلية حول الوضعية الاقتصادية والاجتماعية في البلد والتي باتت لازمة لوصف كارثية الوضع وسوء مآلاته. ثم إن الدول الديموقراطية المتميزة بشفافية حكامتها، وقوة مؤسساتها، وربط المسؤولية فيها بالمحاسبة استطاعت أن تتعامل مع هذه الصدمات وتجاوزها باتخاذ قرارات شجاعة لدعم المواطنين وعدم تركهم عزلا لمواجهة تقلبات الاقتصاد العالمي.
ولولا التضامن الاجتماعي العائلي لكانت وضعيتنا أصعب بكثير من الآن.
تتحدث النقابات عن غياب إرادة حقيقية لدى الدولة لمباشرة حوار اجتماعي حقيقي، بالمقابل يكاد يقع الإجماع على التراجع الكبير للنقابات لا من حيث دورها ولا من حيث تأثيرها في أوساط العمال ولدى عموم المغاربة. إلى ماذا يرجع هذا الواقع؟
أشكرك على هذا السؤال الجيد. دعني بداية أؤكد على غياب الإرادة لدى المخزن لإحداث تغيير حقيقي، وفي غيابه لا مدخل إلى إحداثه إلا بترجيح موازين القوى لصالح الإرادة الشعبية ومؤسساتها الجماهيرية، ومنها النقابية. والمخزن يعي هذا التحدي لذلك فقد بنى مقاربته اتجاه الفعل النقابي قوامها الإصرار على القمع والتضييق، وشراء الذمم، واستراتيجية فرق تسد. لكن من جهة أخرى تشكو النقابات من غياب الديمقراطية الداخلية، الأمر الذي ساهم في تفتت الجسم النقابي وتمزيقه لنصل إلى ما يربو عن 40 إطارا نقابيا، كما أن تفييئ المطالب حد من قوة الزخم الجماهيري للنضال، ولا يمكن القفز على ظاهرة عزوف الشغيلة عن الانخراط الفعلي العملي داخل المؤسسات النقابية، واقتصارها على التصويت في انتخابات المأجورين والتي تعرف بدورها تدني نسبة مشاركة.
ماذا تقترحون لتجاوز هذا الوضع؟
إن الخروج من أزمة العمل النقابي يتطلب الكثير من الجهود والمقومات والشروط وإلا فلن تنجح كل المبادرات التي تروم تخليقه وتقويته، أولها فك ارتباط القرار النقابي بالقرار الحزبي (لا أقول فك الارتباط مع السياسي فالسياسة من صميم الفعل النقابي)، والتجرد في صياغة المطالب والدفاع عنها من منطق المصلحة العامة وليس من منطق الولاءات أو المصلحة الفردية، واعتبار النضال النقابي رافدا مجتمعيا للتأسيس لدولة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، لذا على الفئات العمالية باختلافاتها الاجتماعية والسياسية الانخراط الجاد داخل الفعل النقابي والسعي لتوحيد جهود الصادقين من أبناء هذا الوطن لمواجهة تغول السلطة والرأسمال، وما فتئنا ندعو إلى ميثاق نقابي جامع لجهود الإطارات النقابية، وموحد لمبادراتها النضالية. وهنا أستغل الفرصة للإشارة إلى فشل النقابات في تدبير اختلافاتها تحت قبة البرلمان لمواجهة الإصلاح السابق للصندوق المغربي للتقاعد، والوضعية نفسها نعايشها اليوم أمام المخطط الثاني للتخريب القادم بثالوثه الملعون “اعمل اكثر، وساهم أكثر، واستفد أقل”. قلت التداعي لميثاق يؤسس لجمع الجهود وتوحيدها، ولابد من دمقرطة التدبير التنظيمي للنقابات، ودمقرطة القرار داخلها. دون هذه الشروط وغيرها سيبقى السياط في يد السيد فيما المستضعفون يبحثون عن ملاذ آمن للبحث عن رغيف أسود.
كيف تقوّمون أداء القطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان؟ ما طبيعة الأعمال التي يقوم بها والمشاريع التي يشتغل عليها؟
القطاع النقابي هو مؤسسة داخلية تسعى للمساهمة وفق المتاح والممكن في دعم الفعل النقابي، من خلال برامج التأطير والتكوين للمنتسبين له ومن خلال متابعة عمل الممارسين النقابيين العاملين في إطاراتهم النقابية القطاعية والمهنية. وهو منذ التأسيس في تطور إيجابي من خلال توسع قاعدته، وتنوع أنشطته الداخلية وإسهاماته الخارجية، رغم ما تعانيه الجماعة من حصار وتضييق وقمع. ويكفي أن نذكر هنا بقضية المرسبين والمعفيين وغيرها من وسائل الاضطهاد التي تمارس السلطة ضد الجماعة.
هل من خطوات عملية واضحة تقترحونها للنهوض بالوضع النقابي العام في البلد بما يعود نفعا على العمال والشغيلة وخدمة للوضع الاجتماعي والسياسي العام؟
نحن داخل القطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان، ومنذ تأسيسه أواخر تسعينيات القرن الماضي، ما فتئنا ندعو ونطالب الطيف النقابي بتأسيس جبهة نقابية موحدة ومناضلة، وسيبقى هذا ديدننا إلى أن يتحقق، وكلنا أمل في شرفاء وفضلاء هذا البلد وإطاراته النقابية في العمل على تحقيق ذلك حتى تعيش الشغيلة المغربية عيشا كريما مساهمة في بناء صرح مجتمع الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.