ذة. سعدون: الاستقرار الأسري ينعكس إيجابا على الأبناء وهذه مفاتيحه

Cover Image for ذة. سعدون: الاستقرار الأسري ينعكس إيجابا على الأبناء وهذه مفاتيحه
نشر بتاريخ

في سياق حملة أسرتي جنتي التي تروم الرقي بعلاقاتنا الزوجية ووضعنا الأسري، أجرى موقع الجماعة نت حوارا مع الأستاذة بديعة سعدون، عضو الهيئة العامة للتربية والدعوة لجماعة العدل والإحسان، حول أساس العلاقات الزوجية ومدى تماسك الأسرة، وتأثير ذلك على النشء والأطفال، وكيفية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي التي فرضت نفسها على الأبناء والآباء سواء.

فيما يلي نص الحوار:

ما هي وظيفة الرجل ووظيفة المرأة في الحفاظ على لحمة الأسرة واستقرارها وسعادتها؟ وما مدى تأثير العلاقة بين الأبوين، سلبا أو إيجابا، على أطفالهما؟

خلقنا الله سبحانه أزواجا، يسكن بعضنا إلى بعض بمودة ورحمة، وامتن علينا بنعمة الزوجية، قال تعالى: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ سورة الروم، 21.

آية عظيمة تستحق منا أن نتفكر فيها وفي دلالاتها ومعانيها، فقد خُتمت بقوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، فمن آيات الله المبدع ألا يسكُنَ الرجل ولا تسكنَ المرأة إلا مع نفس تقاسمها الخصوصية الحياتية. وعدولنا عن ذلك معارضة صريحة لمشيئته وفطرته، ومخالفة واضحة لأمره ونهيه، ومن دلالاتها أن بالسكينة والمودة والرحمة يحصل الاستقرار في الأسرة، وبالاستقرار في الأسرة يشيع الاستقرار في المجتمع، ولكي تحصل هذه السكينة وهذه المودة، لابد أن نسمو بعلاقاتنا الزوجية من هوس الدنيا، وفتنة الغفلة عن الله تعالى، إلى حياة طيبة في الدنيا تكون معبرا لحياة طيبة في الآخرة.

ومن أجل ذلك لا بد من:  

1.      صلاح النيات: إن صلاح كل عمل مرتبط بالنية وراجع إليها، فإذا صلحت النية وخلصت لله – جل وعلا – كان العمل صالحًا، وكان جزاء ذلك صحة العمل في الدنيا، والإثابة عليه في الآخرة، قال سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظلمًا وَلَا هَضْمًا (سورة طه آية: 112).

فمن هنا وجب على كل من الزوجين أن يستحضرا أن زواجهما هو:

•        طاعة لأمر الله واتباع لسنة رسوله وإكمال لنصف الدين.

•        إعفاف للنفس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” أي: وقاية. رواه البخاري.

•        للتعاون على البر والتقوى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل وصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء”.

•        لتنشئة ذرية صالحة على حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبناء أسرة متينة متماسكة تكون لبنة أساسا لبناء مجتمع إسلامي قائم بالقسط، فإذا عقد الزوجان قلبيهما على هذه النية: صارت كل لحظة من حياتهما الزوجية عبادة يؤجران عليها.

يقول الإمام المجدد عبد السلام ياسين في كتاب العدل صفحة 285: “طابت حياته وحياتها هنا لِمَا يَتَيَقَّنان من أنها عبورٌ إلى دار البقاء، فيأخذان نصيبَهما من نَعمة الدنيا دون أن يستعجلا ما هو من شأن الآخرة: النعيم المقيم. وباليقين المسبق والجزاء المحقق تطيبُ آخرتهما”.

2.      الدعاء والتضرع إلى الله: طرق بابه سبحانه وتعالى وتفويض الأمر إليه، هو عماد الأمر كله وروحه وأساسه، قال الله تعالى في كتابه العزيز: والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، دعاء وتضرع يتوجه به الزوج الرجل والزوج المرأة إلى خالقهما أن يؤلف بين قلوبهما ويعينهما على صيانة هذه العلاقة وأن يديم نعمة المحبة بينهما، متأكدان من أن قرة العين في الدنيا هي ود وسكينة بين الزوجين ثم ذرية صالحة يذخرانها للآخرة، ولهما يقين كامل أنها عطاء من الله تعالى يكتسب بالدعاء والسعي وجميل التوكل عليه سبحانه.

3.      المعاشرة بالمعروف: تعظيم النية وصلاحها هو الأصل، والتضرع والتبتل إلى الله تعالى هو عماده وروحه. لكن كل هذا لا معنى له إن لم نرع حق الله تعالى ولم نتقه ولم نستحضر أمره ونهيه في علاقتنا الزوجية.

قال عليه الصلاة والسلام: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”. والخيرية هنا تهم الرجل كما المرأة.

 فلا يمكن للحياة الزوجية أن تنعم بالاستقرار في ظروف تنعدم فيها شروط الاستقرار العاطفي والروحي اطمئنانا وعفة ووفاء، أو يسود إحساس بالجفاء والكراهية من جراء تعسف أو استعلاء كل طرف على الآخر.

فيستجيب الرجل لنداء الله عز وجل وعاشروهن بالمعروف ويعاشر المرأة التي هي تحت عصمته بالمعروف، خلقا ومعاملة. وتمتثل المرأة لقوله سبحانه وتعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، فهي أيضا مكلفة بصون العشرة ورعاية العلاقة من أن تعصف بها رياح الفتنة والهوى، دأبهما أن يشتغل كل واحد منهما بما عليه دون الاشتغال بما له.

4.      سعادة الجسد: يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم وغيره: “يصبح على كل سلامى أحدكم صدقة: فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى”، وفي رواية: “وبضعة أهله صدقة”، وفي رواية: “وفي بضع أحدكم صدقة”. نتعجب كما تعجب الصحابة رضوان الله عليهم ونقول: أيقضي أحدنا وطره ويكون له بها صدقة؟ ويأتي جوابه صلى الله عليه: “نعم. أرأيت إن وضعها في حرام أكان عليه بها وزر؟”.

سعادة هي للجسد وعمل صالح مأجور يناله  الزوجان إن التزما  الآداب والضوابط التي أخبرتنا بها السنة المطهرة.

فتحقيق المودة والرحمة اللذان هما أساس العلاقة الزوجية المثالية يتم كذلك عبر السلوك البشري الجسدي، “فيسعد الجسم الذكر بالجسم الأنثى”، “ويكون الجسم معبرا للمودة والرحمة ومعبرا عنهما” تنوير المؤمنات في جزئه الأول.

تلك إذن بعض الأسس التي بها -بعد توفيق الله عز وجل-  يتحقق الاستقرار الأسري، فتقوم الأسرة الصالحة المتماسكة المتوازنة القادرة على الاندماج الاجتماعي، أسرة تكون محضنا سليما  لتنشئة ذرية صالحة هي رزق في الدنيا وذخر الآخرة.

يرى العامة من الناس أن تربية الأطفال مهمة منوطة بالمرأة أولا ثم بالرجل ثانيا، نظرا لكثرة انشغاله خارج البيت، ما مدى صحة هذه النظرة؟

روى مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له”.

فمن منطلق  هذا التوجيه النبوي يتجلى واضحا أن الولد الصالح من عمل الإنسان أبا كان أو أما، فهما مسؤولان معا على سلامة فطرته ورعاية جسده وعن تربيته على محاسن الأخلاق ومحامدها. يقول الإمام الغزالي رحمه الله في الإحياء: «اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها. والصبي أمانة عند والديْه. وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذَجَةٌ (أي سليمة صافية بريئة) خالية من كل نقش وصورة. وهو قابل لكل ما نُقِش، ومائل إِلى كل ما يُمال به إليه. فإن عُوِّد الخير وعُلِّمَهُ نشأ عليه، وسعِد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدِّبٍ».

مسؤولية هي إذن مشتركة بين الزوجين؛ أساسها التعاون والتكامل في الأدوار، وقوامها المحبة والحكمة والرحمة المؤدبة.

غزت وسائل التواصل البيوت حتى ألهت جميع الأفراد، صغيرها وكبيرها، فما مدى تأثير هذه الوسائل على درجة البعد والبرود في العلاقات الأسرية؟

لا شك أن التحولات الكبرى التي يشهدها عالم اليوم في زمن العولمة تؤثر بشكل عميق على كافة مناحي الحياة ومظاهرها، فلقد أصبحت تشكل وسائل التواصل الاجتماعي باختلافها وتنوعها متغيراً اجتماعيا وثقافياً مهماً في حياة الفرد والمجتمع، بما لها من أدوار ايجابية  في تشكيل الوعي وتبادل الخبرات  والتقريب بين الناس والأصدقاء والأقارب عبر الزمان والمكان.

لكن الولوج المفرط لفضاءات التواصل الاجتماعي قد يصبح  وبالا على أسرنا إن أصبحت العلاقات الافتراضية بديلا عن العلاقات الاجتماعية والعاطفية  الواقعية، وإن أصبحت هذه الفضاءات مرتعا لتقاسم الهموم والمشاكل وتبادل الأحلام والعواطف، لأن ذلك من شأنه أن يقوي الرابطة بين الفرد وهذه الفضاءات، وأن يمنعه من الاستغناء عنها نازحا بذلك إلى الانعزال داخل البيت والشعور الدائم بالقلق والاضطراب والتوتر مما يضعف فرص التفاعل بينه وبين باقي أفراد الأسرة. هذا ناهيك عما هو أخطر، وهو انشغال الآباء والأمهات بوسائل التواصل مقصرين بذلك في واجباتهم تجاه أبنائهم وبناتهم في التربية والبناء المتين، مما يربك الأدوار الاجتماعية لا محالة، لذلك لابد أن يكون للأبوين دور محوري متكامل في التربية على ترشيد استعمال وسائل التواصل الاجتماعي والاستفادة من محاسنها.