قالت الأستاذة أمان جرعود، عضوة الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، إن التمسك برفض كل أشكال التقسيم والتجزئة مبدأ راسخ في الوعي الجمعي للمغاربة، وجزء أصيل من عقيدتهم الوطنية التي لا تقبل المزايدة. وأضافت أن هذا الإيمان العميق بوحدة الوطن ينبغي أن يقترن بروح من المسؤولية والوعي وفتح نقاش عمومي هادئ وعقلاني حول سبل إنجاح مقترح الحكم الذاتي، بوصفه مشروعا يستحق دراسة متأنية ونقاشا عميقا يضمن تحويله إلى واقع ينسجم مع تطلعات الدولة والمجتمع في مغرب قوي ومتماسك.
وأكدت المتحدثة أن من بين أبرز الأسئلة التي يجب أن يتناولها هذا النقاش “سؤال الشرط الديمقراطي” الذي يعد حجر الزاوية لأي تجربة حكم ذاتي حقيقية وناجحة؛ فالحكم الذاتي لا يمكن اختزاله في ترتيبات إدارية أو هندسة قانونية، بل هو في جوهره مشروع سياسي متقدم لا يقوم إلا على أرضية ديمقراطية صلبة، ومعناه الحقيقي أن تُمنح الساكنة الحق في تدبير شؤونها بحرية ومسؤولية، ضمن إطار دولة عادلة تضمن المساواة والشفافية والمساءلة، وإلا تحوّل إلى “مجرد شعار يعيد إنتاج التهميش في صورة جديدة“.
وأضافت في تدوينة نشرتها على صفحتها الرسمية أن الديمقراطية ليست مكمّلا في خيار الحكم الذاتي، بل هي “شرط وجوده ومصدر مشروعيته“، فلا يمكن الحديث عن مشاركة حقيقية أو تنمية عادلة أو ثقة متبادلة بين الدولة والمجتمع في غيابها. وقالت إن المغرب، وهو يقدم مقترحه، يضع نفسه أمام امتحان داخلي حاسم يثبت من خلاله للداخل قبل الخارج أن هذا الاختيار نابع من إرادة حقيقية راسخة.
ولفتت جرعود إلى أن نجاح أي نموذج للحكم الذاتي لا يُقاس فقط بحدود ما يتضمنه من ترتيبات قانونية أو مؤسساتية، بل بمدى تجذّره في بيئة سياسية تؤمن بقيم المواطنة، وتكفل سيادة القانون، وتضمن المشاركة الفعلية للمواطنين في تدبير الشأن العام، سواء في المركز أو في الأطراف. وشدّدت على أنه لا يمكن تصور أي تجربة للحكم الذاتي “جزيرة ديمقراطية” معزولة وسط فضاء غير ديمقراطي، لأن الخيار الديمقراطي كل لا يتجزأ، تتساند مكوناته وتتعزز بخيط ناظم ومنطق حاكم، فالثقة السياسية التي تُبنى في الجنوب لن تصمد إن انهارت في الشمال.
وختمت المتحدثة مؤكدة أن المدخل الحقيقي لتحويل مقترح الحكم الذاتي من تسوية سياسية إلى تجربة وطنية جامعة ترسّخ الوحدة في إطار الحرية، وتُجسد رؤية مغربية ناضجة لوطن متماسك، هو المدخل الديمقراطي حيث تُبنى السيادة الوطنية على أساس السيادة الشعبية، وتُترجَم فيه إرادة المواطنين إلى ممارسة فعلية للسلطة في إطار دولة القانون والمؤسسات.