د. منار: الوثيقة السياسية اتّسَمت بالوضوح والجِدّة وانطلقت من صدقٍ وغيرةٍ على قضايا الوطن

Cover Image for د. منار: الوثيقة السياسية اتّسَمت بالوضوح والجِدّة وانطلقت من صدقٍ وغيرةٍ على قضايا الوطن
نشر بتاريخ

اعتبر الدكتور محمد منار باسك أهمّ خصائص الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان، التي أعلنت عنها في بداية فبراير الماضي (6 فبراير 2024)، هو الوضوح الذي حرصت الجماعة على أن يحضر في كل فقرات الوثيقة؛ سواء في المقدمات التأصيلية التعريفية بالجماعة أو في المقترحات العملية التفصيلية في المحاور الثلاثة التي تطرّقت لها الوثيقة.

وفي هذا الصّدد أكّد عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية أن الوثيقة قدّمَت الجماعة على أنها “حركة إسلامية مغربيةُ الأصل والمنشأ، وتشتغل في المغرب، وأعضاؤها مغربيات ومغاربة، وهدفها الأول أن يحصل تغيير في البلاد لما هو أفضل ولما هو أحسن لكل المغاربة بغضّ النظر عن توجهاتهم وأفكارهم وانتماءاتهم السياسية”. مشيرا أن الجماعة لا تقدم نفسها حزبا سياسيا همّه فقط الجانب السياسي، مستدعيا شعار “العدل والإحسان” ليؤكد أن العمل السياسي جزء من اهتمام الجماعة الذي يجسده الجزء الأول من الشعار وهو “العدل”، والجزء الأهم في نظره في مشروع الجماعة هو الشق الثاني في الشعار وهو “الإحسان”، مُبرزا أنه لا تغيير يجرى ما لم يكون مبنيا على بناء الإنسان تربية وأخلاقا وقيما.

وأشار القيادي في العدل والإحسان في حواره مع “إذاعة كاب راديو” وموقع “لكم”، الذي أدارته الأستاذة سارة الموساوي وشارك في تنشيطه الإعلامي والباحث الدكتور نور الدين لشهب والصحفي الأستاذ عبد الله أفتات، أن الوثيقة السياسية كانت إفرازا داخليا يُعبّر عن حيوية النقاش الذي تعيشه الجماعة، حيث خضعت لنقاش قاعدي وعبر مختلف المؤسسات التخصصية والمؤسسات الأخرى بشكل تشاوري، ليُتوّج هذا التداول الحي بمصادقة المجلس القطري للدائرة السياسية للجماعة على الصيغة النهائية للوثيقة في أكتوبر 2023م.

ولم يفته أن يؤكد أن الوثيقة السياسية، تعقيبا على سؤال علاقتها بالإرث النظري للإمام المؤسس عبد السلام ياسين رحمه الله، لم تكن قطعا قطيعة مع ذلك الإرث بل كان هذا الأخير المُنطلق بما هو أساسي وتأسيسي. وقد ذهب المتحدِّث إلى القول أن من صميم هذا الإرث دعوة الإمام نفسه في كتبه ومختلف إنتاجاته إلى عدم تصنيم فكره، وبالمقابل حثَّ على الاجتهاد والتطوير وأجرأة هذا المشروع بما تقتضيه كل مرحلة.

بل إن أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية أبرز أن الإمام نفسه اتّسم بهذا النّفَس الاجتهادي في مكتوباته بين الكتب الأولى واللاحقة. وقد استدعى حضور الثوابت التصورية في شقيها الإحساني والعدلي في الوثيقة السياسية للتأكيد على موقعها في التصور الكلي لمشروع الجماعة والتصور السياسي، وبالمقابل أكدّ أن الوثيقة حملت جديدا مهما وهو الانتقال من الحديث عن المداخل العامة إلى الاقتراحات التفصيلية العملية للتغيير التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون إعادة إنتاج ما هو موجود بشكل نمطي كما ذهبت إلى ذلك بعض التعليقات، التي وصفها القيادي في الجماعة أنها لا تريد بذل مجهود بسيط للاطلاع على الوثيقة وتبيان جِدّتها وجديدها. ملفتا أن ما يُحسب للجماعة أن مقترحاتها دائما سواء في الوثيقة أو غيرها تنطلق من مسألتين اعتبرهما منار أساسيتين وهما: الصدق والغيرة على الوطن ومستقبله، والسلمية في الطرح والبحث عن الشراكة والتوافق لبناء دولة مغربية تسع جميع مواطنيها.

وعن سؤال نوع النظام السياسي الذي تقترحه الجماعة، أكّد الدكتور منار أن الوثيقة السياسية ركّزت على جوهر النظام السياسي الذي أرادته أن يكون ديمقراطيا بكل ما يحمله الوصف من معنى سواء بسواء فيما يتعلق بدستوره الديمقراطي شكلا ومضمونا، أو فصل السلط، أو على مستوى الحريات والحقوق والمؤسسات المنبثقة عن انتخابات حرة ونزيهة، دون التقوقع، بحسبه، عند الأشكال التي تبقى رهينة السياقات التي تصاحب عملية الانتقال الديمقراطي، مُستشهدا بالتجربة الإسبانية في هذا الباب.

وبخصوص السؤال القديم الجديد حول تأسيس العدل والإحسان للحزب السياسي، جدّد عضو الأمانة العامة للجماعة أن هذا السؤال يجب أن يُطرح على من يمنع الجماعة من حقوق أبسط من حق الحزب السياسي من قبيل حق التنظيم، مشيرا أن الجماعة ليس لها أدنى مشكل في تأسيس حزب سياسي بمقوماته الأساسية وفي مقدمتها أن يكون وسيلة لممارسة السلطة لا مجرد وسيلة للاقتراب منها قصد الاستفادة من الريع السياسي والاقتصار على ما سماه توابع الحزب السياسي ومقتضياته التي أُريد لها أن تكون هي الوظائف الحصرية للحزب السياسي في المغرب.

وفي تعقيبه على نقاش الدستور الديمقراطي الذي تقترحه الجماعة أبرز الدكتور منار أن الوثيقة السياسية للجماعة اقترحت في المقام الأول في طريقة وضعه ما يُسمّى في الفقه الدستوري “الجمعية التأسيسية غير السيادية” التي تمنح للشعب السيادة مرتين؛ مرة عند انتخاب الجمعية التأسيسية التي تقترح مسودة الدستور، والمرة الثانية عند الاستفتاء على تلك المسودة، مؤكدا أن الجماعة لا يمكن أن تقبل بأي طريقة غير ديمقراطية في وضع الدستور.

وأفاد ذات القيادي أن المقصود في الوثيقة السياسية للعدل والإحسان بالدولة العصرية هو دولة المؤسسات ذات السلط الحقيقية. أما الدولة المدنية تعني في تصور الجماعة دولة غير بوليسية وعسكرية، وألا تكون أيضا دولة تيوقراطية التي تعني بها وثيقة الجماعة دولة مُتسلّطة باسم الدين، سواء أ كان هذا التسلُّط باسم شخص أو حزب أو جماعة أو طائفة أو قبيلة على حد تعبيره. مُنبّها أن وسم المدنية لا يعني إزالة الدين من الشأن العام كما تتصوره بعض القراءات، وقد عزّر كلامه بتجارب دستورية عصرية، تجعل لكل نظام سياسي مرجعية دينية ومنظومة قيمية تهم كل مجتمع تتأسس عليهما الأنظمة السياسية العصرية.

وفي الشق الاقتصادي والاجتماعي أشار منار أن مقترحات الجماعة اتسمت بالعقلانية والوسطية في الطرح بعيدا عن التنابز السياسي والشعوبية في الخطاب، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية وارتباطاتها بالنظام المالي الدولي، مؤكدا أن الوثيقة السياسية للجماعة ربطت بشكل وثيق بين التنميتين الاقتصادية والاجتماعية اللتين لا يمكن فصلهما عن بعضهما، ومدخل الاثنتين متعلق في نظره بالمدخل السياسي.

وختم القيادي في الجماعة حواره هذا بالتأكيد على خيار الوحدة والتوافق الذي برز بشكل كبير في الوثيقة السياسية أثناء تدبير قضايا الوطن الاستراتيجية؛ مثل قضايا الصحراء المغربية والأمازيغية وغيرهما بعيدا عن المتاجرة بهذه القضايا بحثا عن مال الريع السياسي.