د. متوكل: تجربة جبهة دعم فلسطين ومناهضة التطبيع ملهمة لنأتلف في جبهة مواجهة الفساد والاستبداد

Cover Image for د. متوكل: تجربة جبهة دعم فلسطين ومناهضة التطبيع ملهمة لنأتلف في جبهة مواجهة الفساد والاستبداد
نشر بتاريخ

فيما يلي نص كلمة الدكتور عبد الواحد متوكل، رئيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية للمجلس الوطني الثالث للجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع، الذي عقدته يوم الأحد 07 ماي 2023 بالمقر المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تحت شعار: “جميعا مع المقاومة الفلسطينية ومناهضة التطبيع”:

المجلس الوطني الثالث للجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع

المنعقد يوم 07 ماي 2023 بالرباط

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه

السيد المنسق العام، أ. جمال العسري، السادة والسيدات أعضاء المجلس الوطني للجبهة، مع حفظ الألقاب والمهام الموكولة لكل واحد وواحدة، الضيوف الكرام،

السلام عليكم ورحمة الله

إنه لشرف كبير أن أحضر هذه المناسبة التي هي أكبر في رمزيتها من مجرد لقاء تنظيمي لهيئة تأتلف حول هدف معين. أشكر لكم هذه الدعوة، وأثمن عاليا الجهود المبذولة للتصدي للمشروع الصهيوني، وأهنئكم على صمودكم لتجاوز الصعاب المتعددة والمتتالية لصرفكم عن أداء رسالتكم النبيلة، وأواسي من لحقه منكم أذى أثناء قيامه بواجبه تجاه قضية هي من أخطر القضايا التي تواجه الأمة العربية والإسلامية بعد قضية الفساد والاستبداد التي ابتلينا بها. عزاؤنا أنها طريق العزة والكرامة، وفي سبيلها يهون، أو ينبغي أن يهون كل شيء.

ولا يقيم على ضيم يراد به.. إلا الأذلان عير الحي والوتد

أيها السادة والسيدات

إن أهمية التعاون والتنسيق من أجل قضية ذي بال، مثل قضية فلسطين، قضية العرب والمسلمين المركزية، غاية في البداهة، ومع ذلك فقد كانت، وإلى عهد قريب، فكرة تأسيس إطار جامع يتسع لتيارات مختلفة تبدو صعبة المنال. كانت التناقضات في التوجهات والمشارب والتقديرات تعتم على ما ينبغي أن يكون من أولويات المرحلة، وعلى رؤية الأخطار التي أصبحت قريبة منا، هذا فضلا عن السياسات السلطوية التي لا ترحب بأي مبادرة تجمع الناس على مشاريع مشتركة مفيدة.

لكن بفضل الله ثم بفضل عزائم عدد من الخيرين من أبناء وبنات هذا الوطن، تحول ما كان مجرد حلم إلى واقع، وما كان مجرد رغبة إلى حقيقة، ورأت الجبهة النور وخرجت إلى الوجود. وها هي اليوم تعقد مجلسها الوطني الثالث، وقد تحدث عنها، بما اتخذته من مواقف مشرفة، وبما نظمت من أنشطة في كثير من المدن المغربية، دعما لقضية فلسطين ورفضا للتطبيع المشؤوم. نرجو لها المزيد من التوفيق والنجاح.

إننا أيها السادة والسيدات أمام خطر حقيقي، لا يتمثل فقط في الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، وتصاعد جرائمه، وخاصة مع تنامي نفوذ اليمين الصهيوني المتطرف، وإنما المفزع حقا هو هذا التسابق المحموم لأنظمة الفساد والاستبداد للتطبيع مع الغاصب المحتل. لايقتصر الأمر على إقامة علاقات أفقية مع الحكام، فهذه كانت موجودة بصورة أو بأخرى، وإن لم تكن معلنة دائما. لكن الوضع الآن تغير تماما. الآن التطبيع أصبح سياسة رسمية للدولة، توقع الاتفاقيات علنا، وأمام عدسات الكاميرا، وتنظم التظاهرات الثقافية وتستدعى لها شخصيات صهيونية بارزة، وتبرمج مشاريع في عدة مجالات بما فيها المجال الأمني والعسكري، بمعنى أصبحنا أمام أخطبوط سرطاني يتمدد في المجتمع المغربي بسرعة رهيبة. والأخطر في تقديري هو الاختراق المجتمعي الذي يستهدف ترويض المغاربة على القبول بالاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، أو اعتبار ذلك قضية هامشية لاتعنينا، وكذلك القبول بالقتلة والمفسدين بين ظهرانينا في المغرب، ارض المجاهدين والأحرار.

من هنا تتأكد أهمية التصدي للتطبيع، ونشر الوعي بآثاره المدمرة للبلاد والعباد. لايمكن لمن يرتكب الجرائم بكل أنواعها من قتل وتدمير وتهجير للسكان من بيوتهم واقتحامات متكررة للمسجد الأقصى وترويع المصلين والمعتكفين المسالمين، لايمكن لمن يمارسون الظلم والعدوان بحق الأبرياء أن يكونوا أصدقاء وناسا طيبين يأتون إلينا بالمن والسلوى، وبما يفيد بلدنا لتحقيق إقلاع تنموي طال انتظاره.

لا أتصور إنسانا عاقلا يمكن أن يثق بالصهاينة ويصدقهم في وعودهم. ومن يفعل ذلك فإنه إما غاية في السذاجة، بل البله، وإما أنه يعرف جيدا نواياهم الحقيقية، لكن يشاركهم في مؤامراتهم، لقاء وعود بحماية كراسيهم ومصالحهم الخاصة، علما أن الصهاينة لايلتزمون بقرار، ولا يفون بعهد أبدا. والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى.

ولئن كان ميزان القوى لصالح الصهاينة حاليا، فإن ذلك لايرجع إلى فضيلة استثنائية يتمتعون بها، وإنما لطبيعة الوظيفة التي وكلت إليهم، وللدعم السخي واللامحدود الذي يتلقونه من قوى الاستكبار العالمي، ولتآمر العملاء والجبناء في بلادنا العربية والإسلامية. لكن الاستسلام لطغيانهم وتسلطهم جبن وخور، وشرود عن الحقيقة التاريخية التي تؤكد أن للظلم أمدا ينتهي إليه، وأن الحق يعلو في النهاية ولابد.

لانحمل الجبهة أكثر مما تحتمل، ولاننتظر منها أكثر مما هو ممكن، لكن الجهود التي قامت بها للتصدي للتطبيع وتبيان أخطاره، وفضح المطبعين وكشف خطابهم المتهافت، والأنشطة التي نظمتها من أجل المساهمة في الإبقاء على قضية فلسطين حية في قلوب المغاربة وعقولهم، والسند المعنوي الذي مثلته لمن يواجهون آلات القتل والدمار بالليل والنهار في أرض فلسطين، كل ذلك يعتبر إنجازا مهما ينبغي تقديره والاحتفاء به. وما كان ذلك ليتم لو اشتغل كل تيار بمفرده، ولم يضم جهوده إلى جهود تيارات أخرى ليتعاون الجميع للعمل من أجل قضية جامعة وعادلة. فهل احتاج ان أكرر مرة أخرى ما هو معلوم لدى الجميع بأن الاجتماع قوة وجدوى، وأن الفرقة هزيمة وفشل وعذاب؟

لذلك أرجو أن تكون تجربة الجبهة ملهمة ومحفزة للنسج على منوالها للتصدي لجبهة أخرى، باعتبارها المصدر الأساس لكل المصائب والمتاعب التي يعانيها المغاربة، وهي جبهة الفساد والاستبداد، وأن تتمكن نخبنا بمختلف حساسياتهم من الإفلات من أصفاد سياسة فرق تسد، وأن تأتلف على مشروع نضالي من أجل مغرب أفضل، مغرب الحرية والكرامة، والتوزيع العادل للثروة، والحكم الديمقراطي الرشيد.

نرجو وما ذلك على همة الأحرار بعزيز.

شكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

عبدالواحد متوكل