د. زهاري: المغرب يعيش ردة حقوقية على جميع المستويات

Cover Image for د. زهاري: المغرب يعيش ردة حقوقية على جميع المستويات
نشر بتاريخ

أجرى موقع الجماعة نت حوارا مع الدكتور محمد زهاري، الحقوقي البارز والرئيس السابق للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، حول الوضع الحقوقي والمشهد السياسي في المغرب.

تطرق الحوار للاختلالات الأساسية التي تعتري المشهدين الحقوقي والسياسي، وتساءل عن طبيعة خروقات السلطة اتجاه المجتمع هل في الممارسة أم لها أصل في النص أيضا، ووقف عند حجم هذه الخروقات أترتقي لتكون “منهجا رسميا” أم إنها لا تعدو أن تكون “سلوكيات جزئية”، ولم يغفل الحوار النظر في سلوك السلطة بالقياس لما تقرره المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.

وعرج الحوار أيضا على ملفي الريف والعدل والإحسان، وحاول بيان مهام الحركة الحقوقية والقوى السياسية الطامحة إلى التغيير… وغيرها من القضايا الهامة.

فإلى نص الحوار:

في مفتتح هذا الحوار أستاذ، ما المعالم الكبرى للوضع الحقوقي والسياسي في المغرب؟

وضع حقوقي يعرف ردة وتراجعات على مستوى الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو أمر تتضمنه تقارير المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية.

في الشأن الحقوقي، ومن منطلق نضالكم ومتابعتكم، ما الاختلالات الأساسية التي تعتري المشهد الحقوقي؟

على رأس هذه الاختلالات عدم تطبيق مقتضيات الدستور كأسمى قانون في البلاد، وكذا مضامين القوانين المنظمة للحق في تأسيس الجمعيات والتجمعات العمومية، وقانون الصحافة والنشر ونصوص قانونية أخرى لها علاقة بالسياسات العمومية المرتبطة بقضايا حقوق الإنسان والحريات العامة. فكثيرا ما تلجأ السلطات إلى إعمال آليات التعليمات بعيدا عن مقتضيات القانون الذي يبدو أنها (المقتضيات) لم تعد تسعفها.

هل يقف الأمر عند حدود ما هو واقعي يرتبط بالعسف الذي تبديه مؤسسات الدولة أم يتجاوز الأمر إلى ما هو تشريعي قانوني؟

أكيد أن الأمر يجمع بين الإثنين، فالواقع يؤكد استمرار ارتفاع وتيرة التجاوزات والخروقات والاعتداء على الحقوق والحريات، وفي نفس الوقت هناك مجموعة من التشريعات التي أصبحت متجاوزة وأحيانا متناقضة مع مقتضيات الدستور الجديد على علته وقصوره في الإجابة عن العديد من الإشكاليات الحقوقية الموجودة في الساحة.

وفق هذا التشخيص، هل ترقى تلكم الخروقات الحقوقية إلى الحد الذي تشكل فيه “منهجا رسميا” أم إنها لا تعدو أن تكون “سلوكيات جزئية” تعرفها سائر الدول؟

حسب نوع الخروقات، فهناك ما أصبح اليوم سلوكا ممنهجا يقصد منه تطويع المواطنين وجعلهم خاضعين لسياسة الأمر الواقع والانخراط في جوقة المشيدين بالسياسات العمومية المتبعة في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة، وهذا توجه انخرط فيه القضاء مع كامل الأسف تحت يافطة الردع العام، والزج بالعديد من المعارضين، وكتاب الرأي والنشطاء الحقوقيين والسياسيين والنقابيين داخل السجون، وهناك مقابل هذا اعتداء على الحقوق والحريات تنفرد به الدولة عن باقي بلدان المعمور منها مثلا حرمان مواطنين مغاربة من حقهم في السكن بتشميع منازلهم، وإقفالها ظلما وعدوانا في غياب أحكام قضائية تأذن بذلك، بل إن الأمر وصل أحيانا إلى اتخاذ قرارات إدارية جائرة بهدم البعض منها انتقاما من هؤلاء المواطنين، ومن  توجههم الفكري والسياسي المعارض، وأخص بالذكر هنا نشطاء جماعة العدل والإحسان.  

في هذا السياق، صدر قبل أيام عن محكمة الاستئناف بالبيضاء الحكم الاستئنافي المؤيد للحكم الابتدائي القاضي بمئات السنين في حق 43 شابا من معتقلي الريف والصحفي حميد المهداوي. كيف تقرأون هذا الحكم القاسي؟ وما دلالاته الحقوقية والسياسية؟

أظن أن موقفي كان واضحا منذ الأول، يعني منذ حملة الاعتقالات والمحاكمات، فالأمر هنا يتعلق بمتابعات ظالمة وانتقامية، انخرط فيها القضاء لتصفية الحسابات مع من تعتبرهم الدولة معارضين يجب تطويعهم كما أشرت إلى ذلك سابقا. هذا الملف في نظري بدا بخلفية سياسية، ويجب أن يحل في إطار سياسي بعيدا عن إقحام القضاء فيه. نفس الأمر ينطبق على المحاكمة السريالية للصحفي حميد المهدوي، الذي تم الزج به ضمن الملف برمته، وتمت محاكمته تعسفا على خلفية حراك الريف، رغم أن غرفة الجنايات الابتدائية باستئنافية الدار البيضاء فصلت ملفه عن باقي المعتقلين ثلاثة أيام قبل النطق بالحكم. لكن غرفة الجنايات الاستئنافية أعادت الملف من جديد وأدرجته ضمن مجموع ملفات الحراك. باختصار فالصحفي حميد المهدوي يؤدي ثمن مواقفه وتصريحاته ومضمون عمله الصحفي المهني المتميز.

هذا الحكم ليس استثناء، سواء بالنظر لأحكام أخرى صدرت في ذات قضية الريف أو فيما عرف بحراك جرادة أو غيرهما. لماذا تتعاطى الدولة بهذا الشكل (القمع والاعتقال والمحاكمات والسجون) مع شباب يمارس حقا دستوريا وهو الاحتجاج وبمستوى عال من المسؤولية والسلمية؟

هذا الأمر في اعتقادي الشخصي يدخل في سياق جديد يهدف بسط سياسة “الردع العام” بتوظيف واضح للقضاء في تنزيل هذه السياسية، بتخويف المواطنين والزج بالأصوات المعارضة داخل السجون، حتى تتم فرملة الاحتجاجات، وكتم الأصوات المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وفضح الفساد والتصدي للاستبداد.

في 19 مارس الماضي ألغى المقرر الأممي الخاص باستقلال القضاة والمحامين زيارة إلى المغرب بسبب “عدم توفير الضمانات اللازمة للقيام بمهمته”، في حدث قُرأ على أنه تضييق وتقييد من السلطة على عمله بما يعرقله عن الاطلاع على حقيقة الوضع. ما دلالات هذا الخبر/الحدث؟

الدلالة الكبرى هي أن الدولة تتخوف من الكشف عن حقيقة ملفات تورط فيها القضاء الذي ساير فيها الأجهزة الأمنية، وما تضمنته المحاضر بعيدا عن شروط وضمانات المحاكمة العادلة.

من الملفات الحقوقية العالقة في المغرب، ملف العدل والإحسان بتفاصيل قضاياه الكثيرة. من بين آخرها قضية أطر الجماعة المعفيين من عدد من الوزارات وهياكل الدولة وملف البيوت المشمعة. كيف تنظرون لتعاطي الدولة مع هاذين الملفين وسائر قضايا الجماعة؟

عنوان هذه السياسة المتبعة والمنتهجة تجاه نشطاء جماعة العدل والإحسان هو استعراض الدولة لعضلاتها، باللجوء إلى اتخاذ قرارات والقيام بأعمال منافية للقانون، وتحاول جاهدة أن تجد لها تبريرات في بعض النصوص التي لم تعد تسعفها كما أشرت إلى ذلك سابقا.

العهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية وكذا الاقتصادية والاجتماعية يكفلان من جهة أن يكون للشعب رأي في طبيعة النظام السياسي وحرية في الرأي والتعبير، ومن جهة ثانية حق في العيش الكريم ومستوى جيد من الصحة والتعليم والسكن… كيف ترى تعاطي الدولة المغربية مع هذه المواثيق الحقوقية التي صادقت عليها؟

الدولة تتعاطى دائما مع الترسانة الحقوقية الدولية سواء تعلق الأمر بالآليات التعاقدية المرتبطة بالاتفاقيات أو بالمساطر الخاصة (المقررين الخاصين- فرق العمل) أو آلية الاستعراض الدوري الشامل بنوع من البحث عن كسب نقط الامتياز أو التنقيط الإيجابي بالإشادة بالسياسات العمومية المرتبطة بحقوق الإنسان، لكن عندما يكون الوضع غير ذلك، أي عندما تنتقد هذه الآليات أو تسجل ملاحظات ختامية تعري عن حقيقة الوضع الحقوقي الهش بالبلاد، ترتفع أصوات المسؤولين بالتنديد بمضامين هذه الملاحظات والتقارير، واتهامها بغياب الموضوعية والحياد، حيث يعلو خطاب المظلومية.

أمام رواياتكم التي تقدم واقعا كالحا تبرز روايات وقراءات أخرى ترى أن الوضع الحقوقي في المغرب يتقدم؛ انطلاقا من دستور توسع في الحقوق والحريات وخصص بابا كاملا لها، ومرورا عبر طي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة التي تميزت بالقتل والاختفاء القسري والسجون، وليس انتهاء باحترام حق التظاهر والاحتجاج الذي تشهده البلاد في أكثر مدنها دون أن تتدخل السلطة إلا في الحدود الضيقة وعند الضرورة. ما رأيك؟

لا أحد يمكن أن ينكر أن هناك بعض المكتسبات ومنها طبعا جزء مما ذكرته في سؤالكم، لكن ما يؤسف له هو الردة والتراجعات الخطيرة التي أجهزت على البعض من هذه المكتسبات، وتهدد الجزء الباقي إذا ما تم الاستمرار في السياسة المنتهجة حاليا خاصة بعد مرور عاصفة الربيع المغربي.

في ظل هذا الواقع الحقوقي الذي تفضلت ببيان أعطابه، ما تقييمك لتعاطي الحركة الحقوقية معه؟ وكيف لها أن تكون أكثر فاعلية في التصدي لزحف السلطوية على الحقوق بل وتتقدم في ربح وتحصين حقوق المجتمع المغربي؟

أظن أن الحركة الحقوقية الجادة تقاوم هذا الوضع، وتحاول جاهدة التصدي لمسلسل الانتهاكات والتجاوزات والاعتداء على الحقوق والحريات، علما أن هناك إصرارا واضحا من طرف السلطات على إضعافها، والحد من وتيرة عملها، والجميع يتذكر جواب وزير الداخلية الأسبق محمد حصاد الذي اتهم الجمعيات الحقوقية بالتخوين، واعتبرها كيانات تعمل تحت يافطة حقوقية تعيق الدولة من فرض سياسة معينة مبنية أساسا على المقاربة الأمنية.

دكتور زهاري، وباعتبارك باحثا في القانون العام ومتابعا الشأن السياسي، ما قراءتك للمشهد السياسي المغربي في ظل “الدستور الجديد” وفي ضوء مطالب الحراك المغربي منذ 2011؟

هي جزء من الكل فلا يمكن الحديث عن احترام حقوق الإنسان في بلد لم يحسم بعد اختياره الديمقراطي، الذي تحترم فيه السلطة اختيارات الشعب وعلى رأسها اختيار من يمثلون المواطنين بطرق ديمقراطية سليمة بعيدا عن التدخل والتوجيه.

البعض يرى أن الطريق الذي يسلكه المغرب، رغم المآخذ السياسية، يبقى طريقا آمنا عن القلاقل والحروب والانقسامات الأهلية والتقتيل الذي تشهده العديد من الدول العربية، وبالتالي فانتقاداتكم وعدد من القوى لا تعدو أن تكون طوباوية حالمة لا تراعي السياقات وطبائع المجال السياسي وإكراهاته؟

وأنا أقول أن هذا الأمر يدخل ضمن الفزاعات التي تحاول السلطات بها شرعنة الظلم والاستبداد، بتخويف المواطنين، والمساهمة في التضليل بدعوى أن دعاة الحق، والمطالبين بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية هم أعداء وخصوم للاستقرار. الأمن المجتمعي والاستقرار يعم في البيئات التي تحتضن العدل، ويتمتع فيها المواطن بحقوقه غير القابلة للتجزيء، وتصان فيها كرامته، ويشعر أن هناك احتراما لإرادة الشعب واحتراما اختياراته.

أمام واقع سياسي وحقوقي مختل، ما المطلوب من القوى الطامحة إلى تغيير يفضي إلى تعديل الميزان ليعتدل لصالح المجتمع على حساب السلطوية؟

الاستمرار في النضال السلمي الحضاري، وفضح ناهبي المال العام، والتصدي للفساد والظلم والاستبداد.