يعيش المواطن المغربي حالة من الضيق المادي، نظرا للزيادة الكبيرة في أسعار المواد المعيشية الأساسية، حيث بلغت الأثمنة مستوى غير مسبوق، ولا يتلاءم مع الحالة الاجتماعية لشريحة واسعة من المجتمع.
ويأتي هذا الغلاء الفاحش، في وقت تعرف فيه الأجور استقرارا، ولا يكفي الدخل الفردي لتغطية الحاجات الأساسية للعيش الكريم لشريحة واسعة من المواطنين ناهيك عمن لا يملكون دخلا، وفي غياب تدخل عاجل من طرف الدولة لحل المشكل بعيدا عن جيوب المغاربة المستضعفين.. ويزيد الوضع سوءا غياب مراقبة الأسواق من أجل حماية المواطنين من المضاربة والاستغلال الجشع لبعض التجار الذين يستغلون المرحلة للتلاعب بالأسعار.
موجة الغلاء هذه أنتجت سخطا عاما لدى المواطنين، فلم يعد يخلو أي تجمع إنساني من الكلام عنها، وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي تعج بمنشورات تستنكرها وتدعو لمقاطعة بعض المنتجات الغذائية، بل وتنتقد سياسة الحكومة في التعامل معها، وتطالب بإسقاط بعض رموزها.
الناشط الحقوقي الدكتور محمد الزهاري أعلن لبوابة العدل والإحسان أن هذه الزيادات أصبحت تمثل “قلقا لكافة المواطنات والمواطنين على السواء، وخاصة وتحديدا الطبقات الفقيرة؛ سواء منها التي تتوفر على دخل محدود جدا، أو التي لا دخل لها، وحتى لما هو مصنف ضمن الطبقة الوسطى”.
وفي تأثير هذا الوضع على المجتمع أوضح الزهاري أننا “أصبحنا اليوم، مع كامل الأسف، نعيش مجتمعا تتسع فيه الهوة ما بين الأغنياء ومالكي الثروة وما بين فقراء يشكلون قاعدة عريضة من هرم المجتمع إذا ما صنفناه إلى فئات اعتمادا على مؤشر الدخل والمعيشة، هذا الاتساع أصبح يشكل قلقا كبيرا ويؤشر على حدوث أزمات اجتماعية في المستقبل، لأننا اليوم قد ندخل مرحلة عدم تمكن فئات عريضة من المجتمع في الحصول على قوتها اليومي، باعتبار أن ولوجها إلى السوق لاقتناء سلع أساسية وخضر أصبح يمثل تحديا كبيرا لهذه الفئة”.
هذا الهجوم على قوت المواطنين وما يمكن أن ينتج عنه من أزمات اجتماعية “يؤكد أن مالكي القرار في هذا البلد لا يفكرون في القاعدة العريضة للسكان من مواطنات ومواطنين، ولا يستحضرون ما يمكن أن ينجم عن هذه الوضعية، ولا يجدون الحلول السريعة اعتمادا على مقدرات ومدخرات وموارد الدولة، بقدر ما يتجهون إلى جيوب من بقي إلى حدود اليوم يقاوم، وهي جيوب الطبقة الوسطى، ومن لهم مداخيل استرزاقية يومية” يقول الزهاري، ويضيف: “هذا النوع من الغياب البارز لمالكي سلط القرار عن إيجاد وصفات اجتماعية لهذه الأزمة بالبحث عن الحلول فيما تختزنه وتكتنزه ثروات الوطن، علما بأن الأرقام التي يتحدث عنها المسؤولون اليوم تجاوزت المائة مليار درهم من مداخيل الفوسفاط، ومداخيل صادرات السيارات التي تجاوزت نفس الرقم، وموارد العمال المهاجرين من العملة الصعبة تجاوزت أيضا نفس الرقم، يسائل ازدواجية خطاب الدولة؛ فهي عندما تخاطب الآخر وتريد أن تجد لنفسها وضعا للمقارنة، تدعي بأنها قوة اقتصادية وقوة اجتماعية، وتقدم هاته الأرقام ذريعة ودليلا على قوتها الاقتصادية والاجتماعية، في حين أنه عندما يتعلق الأمر بالمواطنات والمواطنين فإن الادعاء يكون عكس ذلك؛ كون موارد الدولة ضعيفة جدا وأن هناك أزمات، فتبحث عن مبررات انطلاقا من الوضع الوبائي الذي عاشه العالم -والمغرب منه-، وكذلك ارتفاع أسعار المحروقات بعد انطلاق الحرب الأوكرانية الروسية..”.
وعن المخرج من الأزمة يؤكد الفاعل الحقوقي أن “الأمر اليوم، في اعتقادي الشخصي، يتطلب جرأة سياسية من طرف المسؤولين والسلطات العمومية، كل من موقعه وحسب اختصاصه، لإيجاد حلول سريعة لهذه الأزمة الاجتماعية الاقتصادية الخانقة، التي تنبئ بحدوث احتقان اجتماعي في المستقبل، ولعل العديد من مؤشراتها أصبحا واضحا؛ ارتفاع عدد المتسولين، الذي أضحى يشمل حتى الفئات التي كانت تخجل من أن تمد يدها طلبا للمساعدة والدعم من أجل الحصول على القوت اليومي، ارتفاع عدد العاطلين، قلة الولوج للأسواق من طرف المواطنين الذين يشكلون قاعدة عريضة للتسوق اليومي..”. ويسترسل محذرا: “أمور وأخرى، توقّع على عهد جديد قد يحدث أزمات اجتماعية في المستقبل إذا لم يبادر من يملك سلط القرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في هذا الوطن لاتخاذ الإجراءات اللازمة الوقائية السريعة والآنية لكي تتم تسوية ما يحدث والتصدي له بنوع من الجرأة”.