د. الجباري يعرض المخاطر التي تتهدد الأسرة المسلمة وسبل تحصينها

Cover Image for د. الجباري يعرض المخاطر التي تتهدد الأسرة المسلمة وسبل تحصينها
نشر بتاريخ

تطرّق الدكتور عبد الله الجباري، الباحث في الدراسات الإسلامية، إلى عدد من المخاطر التي تتهدّد الأسرة المسلمة وطرح في المقابل سبلا لتحصينها، عارض ثلاث نقاط من كل محور.

وفي عرضه الذي حمل عنوان “الأسرة المسلمة وسبل التحصين”، ضمن فعاليات ندوة “مؤسسة الأسرة والتماسك الاجتماعي: التحديات والرهانات” التي نظمتها جماعة العدل والإحسان صبيحة اليوم الأحد ضمن فعاليات تخليد الذكرى الحادية عشرة لرحيل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، شدّد على أن ما يهدّد الأسرة في صميمها مبني على برامج وتخطيط وليس عملا عفويا.

التهديد الأول الذي عرضه الجباري هو التهديد الأجنبي الوافد من الخارج، وهو تهديد قوي ومدعوم، ضاربا نماذج له مثل الاتفاقيات الدولية التي لها قوتها القانونية، والعولمة في شقيها الثقافي والاقتصادي، والدعم الموجه من العالم الغربي عبر عدد من المؤسسات المالية، والسينما والرسم والمسرح، والمنظمات غير المدنية ك”التجمعات المدنية المناهضة للإنجاب”… كل ذلك يحمل مخاطر كبرى على الأسرة، يقول.

وضمن ذات النقطة، عرض نوعا آخر من المخاطر وهي المفاهيم الوافدة، والتي تحمل معها حمولة فكرية خطيرة؛ مثل الجنس قبل الزواج، والشذوذ الجنسي، والقول بأن الإنجاب لم يعد مقصدا من الزواج، ومفهوم الأمهات الوحيدات… كل ذلك، يؤكد الباحث في الدراسات الإسلامية، يشكل مخاطر تم الإعداد والتهييء لها مسبقا، مُعزّزا طرحه هذا بما يصطلح عليه بالحروب الثقافية التي تعتبر العائلة هي أرض المعركة، والتي تروم تقديم تعريف جديد للعائلة والنساء والمسألة الجنسية.

أما النوع الثاني من المخاطر بحسب الجباري، فهو خطر ذاتي، وذلك حين يعمد بعض الباحثين إلى مقاربة وضع الأسرة من خلال المقاربة القانونية الصرفة، عادّا ذلك أمرا خطيرا، لأن الأسرة، يقول، ليست شركة، محذرا من أن ينبني الزواج على منطق الشركة ضاربا مثالا دالا على ذلك حين يُحضر الرجل والمرأة لحظة الارتباط عقد الزواج مقرونا بعقد الممتلكات.

مؤكدا من جديد أنه لا يمكن لأي قانون أن يحل لنا مشاكل الحضانة والطلاق مثلا، إذ لا يمكن الاكتفاء بالمقاربة القانونية.

أما الخطر الثالث فهو الاستلاب الغربي، وهو خطر من الداخل حين يتبنى أبناء الداخل والدار ثقافة الآخر، ويدافعون عنها باسم القيم الكونية التي هي في الحقيقة قيم غربية. معتبرا ذلك انسلاخا عن الذات وذوبانا في الآخر.

وضرب الجباري مثالا على بعض النخب التي تختار هذا المنهج، كعبد الله العروي الذي دعا إلى اعتماد الوصية الإجبارية لتكون حلا لمشاكل الإرث، ومحمد الساسي الذي استغرب واستنكر أن تكون الغاية من الزواج الإحصان والعفاف! معلّقا على أن الحضارة الغربية عملت مساكنة في أذهان النخب العربية.

أمام هذه المخاطر الثلاثة، استدعى المتحدّث ثلاثة مقترحات باعتبارها سبلا للتحصين:

الأول: هو التحصين الشرعي، فنحن -يقول الدكتور الجباري- أبناء هوية إسلامية نفتخر ونعتز بها، وهذا الاعتزاز ينبغي أن يتأسس على تكوين شرعي وليس مجرّد كلام. تكوين يفترض أن تقوم به مؤسسة المدرسة والمسجد وغير ذلك.

وتحدّث في هذا السياق عن واجب الحركة الإسلامية في القيام بالتكوين الشرعي لأبنائها ولمنتسبيها، فإذا تخلت عن التأطير الشرعي تكون أخلّت بواحد من أهم واجباتها. ثم استدعى أيضا واجب العلماء في الاجتهاد، وتجاوز تكرار المقولات السابقة واجتهادات السلف، والاجتهاد في حل مشاكل العصر… وضرب مثالا على ذلك بالمرأة التي تتعرض للطلاق وكي لا تُرمى إلى الشارع، يرجع العلماء إلى الماضي واجتهاد الكد والسعاية، ولكن هذا كان مناسبا في مكانه وزمانه حين كانت لدينا القبيلة أما اليوم فلدينا الدولة الحديثة، منوها إلى أن الاجتهاد ينبغي أن يمضي في اتجاه تحميل الدولة مسؤولية اتجاه المرأة والطفل في مثل هذه الحالات.

أما التحصين الثاني فهو التحصين الثقافي، عبر تعزيز الهوية العربية الإسلامية الأمازيغية المغربية، والافتخار بالأسرة. وعدّ أن الأسرة نقطة قوة للمسلمين، مقابل الحديث المتزايد عن أفول الغرب والذي لا يقصد به الناحية التكنولوجية والصناعية بل الأفول بسبب الإجهاض والكحول والمخدرات وضرب الأسرة وموت الأسرة.

وكي ينجح هذا التحصين، يرى الجباري ضرورة أن تكون له عدة آليات ووسائل، مثل الفن والمسرح والشعر، بل وحتى الرياضة يمكنها أن تساهم في تقليص ومحاربة الإسلاموفوبيا وتقديم صورة راقية عن مؤسسة الأسرة. ودعا أيضا إلى إنشاء الفكر الخاص بالمسلمين، ونقد الفكر الغربي ومحاصرة الانبهار.

خاتما هذا العنصر بالحث على تجنب التعامل مع التراث بنوع من التقديس، ومواجهة الحاضر باجتهادات معاصرة.

ثم ختم بالتحصين الثالث القيمي، وأشار هنا إلى أن الأسرة في القرآن مبنية على القيم، وعالج المشاكل بالتربية وليس بالقانون. فالقرآن لم يسمّ الزواج بالعقد وإنما بالميثاق الغليظ المبني على المودة والرحمة والسكن، والتشريعات المرتبطة بالأسرة محاطة بالقيم، ففي الصداق مثلا قال تعالى “وآتوا النساء صدقاتهن نحلة” والنحلة هي الإعطاء بدون عوض أي الإكرام، إذ إن الزواج مبني على المكارمة. وحتى في الطلاق وحل ميثاق الزوجية عند الضرورة قال تعالى “فأمسكوهن بمعروف” و”لا تمكسوهن ضرار لتعتدوا” وبالتالي عدم الاعتداء والجنوح إلى التراضي بالمعروف.

فالأسرة، يشدد الجباري، محاطة بالقيم، وجفاف الأسرة من القيم فشل منذ البداية، هذا دون الانتقاص من قيمة القانون، يقول خاتما.