خواطر حول ذكرى المولد الشريف

Cover Image for خواطر حول ذكرى المولد الشريف
نشر بتاريخ

تحل بنا هذه السنة الذكرى الغالية، ذكرى مولد خير البرية شفيعنا وحبيبنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأمتنا تعيش ظروفا عصيبة، تجعلنا في مسيس الحاجة للتزود من المعين النبوي الثري، والاستقواء بإحياء سنته والتمسك بجنابه الشريف لمغالبة هذه الظروف وتجاوزها:

§         فبلادنا الحبيبة تعيش تحت وقع الزلزال القوي الذي تعرضت له عدة مناطق حول الحوز، وخلف الآلاف من المتضررين، رحم الله الموتى وتقبلهم من الشهداء، وعجل بشفاء الجرحى، وتعويض المتضررين، كما أن هذه الفاجعة غير المسبوقة كشفت اللثام عن سياسية الإقصاء والتهميش التي تعانيها أجزاء واسعة من بلدنا المنكوب أصلا بالسياسات غير الرشيدة للحاكمين….

§          وأحبابنا في ليبيا الشقيقة يعيشون هم أيضا تحت وطأة الفيضانات الكبيرة التي ضربت شرق البلاد، وخلفت هي الأخرى عشرات الآلاف من الضحايا، وكشفت عن مرارة الانشقاق الذي ابتلي به الشعب الليبي بين حكومتين، همهما خدمة أجندات قوى إقليمية ودولية تسعى للاستئثار بثروات البلاد ومقدراته، وتتاجر بمآسي العباد والبلاد…

§          وأشقاؤنا في فلسطين الإباء والصمود يصطلون بنار إرهاب الكيان الصهيوني الغاشم، الذي توفر له كثير من أنظمتنا الدعم والتأييد، وتتسابق للتطبيع معه ضدا على إرادة شعوبنا الرافضة لهذا الكيان الغاصب….

§         وأهلنا في السودان المعروفون بطيبوبتهم الفطرية ابتلوا هم أيضا باقتتال الجنرالات الذي حصد مئات من الأرواح البريئة، ودمر البنيات التحتية الضعيفة أصلا، وهجر الملايين من أراضيهم…

§          وإخواننا في مصر وتونس الشقيقتين يرزحون تحت نير أنظمة انقلابية دكتاتورية تحظى بالدعم السخي إقليميا ودوليا. وتسيم الشرفاء كل أصناف الظلم والبغي، تغييبا لهم في السجون والمنافي ورميا إياهم بأنكر التهم…

§         وإخواننا في يمن الحكمة والسعد يلملمون جراحهم إثر حرب ضروس زادتهم معاناة إلى معاناة الفرقة والاختلاف، وأوارها لما ينطفىء رغم الهدنة…

§         وإخواننا في سوريا لم يجتازوا بعد فتنة طغيان النظام الحاكم وداعميه من الداخل والخارج، ويدفعون ثمنا غاليا من أمنهم ووحدة بلادهم واستقرارهم…

§         وإخواننا في العراق، لم يخرجوا من المآزق اللامتناهية التي زجت بهم فيها الغطرسة الأمريكية، ويتعرضون لاستنزاف مستمر لثرواتهم…

بودي لو أتوقف عن سرد هذه المآسي التي ابتليت بها أمتنا تحت وطأة الأنظمة المستبدة التي تسلطت عليها، لكن اللائحة طويلة، وإلى الله المشتكى…

في سياق هذه المآسي النوعية، وغيرها كثير، التي تكتوي بها أمتنا، تحل بنا ذكرى مولد شفيعنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه الله لنا بما نحن أحوج ما نكون إليه حاليا من أخلاق الرحمة والوحدة والأخوة والتضامن والتعاون والتنادي بالمعروف والتناهي عن المنكر.

 ولعل أكبر معروف، وهو دواؤنا من هذه الأدواء، بعد توحيد الله تعالى هو الاعتصام بحبله سبحانه وتعالى، ونبذ كل دعوات الفرقة، والسعي الحثيث والجماعي لتحكيم دينه في كل شؤوننا، والتعاون على البر والتقوى، وبذل الوسع في التخفيف من وطأة المآسي على المنكوبين، قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[المائدة: 2]، وقال صلى الله عليه وسلم: “مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ. مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى…”

ولعل أكبر منكر سبب لنا هذه المهاوي هو هذه الأنظمة التي استبدت بأمورنا وزرعت فينا كل أصناف الهوان والذل والتبعية والتخلف، واستأثرت بخيرات أمتنا ومكنت أعداءنا منها، وحولتنا إلى ما أنذرنا حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم من الوقوع فيه في قوله: “يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها، قيل: يا رسولَ اللهِ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ؟ قال لا، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم؛ فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ! وما الوهْنُ؟ قال: حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ” (صحيح أبي داود، رواه ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم)  

نحتفل بالذكرى الشريفة لنزداد وفاء للحقوق المصطفوية، محبة له وتشبتا بجنابه الشريف، وسعيا لإحياء سنته قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (سورة آل عمران، الآية: 31)، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه: من أهله، وماله، والناس أجمعين”. وفي لفظ: “من ولده، ووالده، والناس أجمعين”.

لا شك أن وفاءنا بهذه الحقوق ستوفر لنا بلا شك المنهاج السليم والأكيد لاسترداد مجدنا، ولنكون كما وصفنا ربنا الكريم كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ (آل عمران، 110)، ولتتجسد فينا معاني الأخوة والوحدة والتلاحم.

ونحمد الله تعالى أن هذه المعاني الإنسانية السنية بقيت حية في شعوبنا، رغم محاولات التجريف والتمييع والتفسيق التي غدت سياسة رسمية عند جل الحاكمين، وقد تابع الجميع صورا رائعة ومعبرة عن هذه المعاني في زلزال الحوز وفي فيضانات ليبيا، مما يؤكد أن المنهاج النبوي الذي نتذكره ونحتفي به بهذه المناسبة حي فينا، ومؤصل في وجدان شعوبنا، رغم مكر الحاكمين، ورغم كيد الكائدين، وهو يحتاج فقط لمن يشجع ويحفز وينسق الجهود، ويحول هذه المبادرات الرائعة إلى خطة عملية، وهذه مهمة قوى الممانعة والبناء في أمتنا، وفقها الله في ذلك.