خدمة المرأة في بيتها أيام العيد

Cover Image for خدمة المرأة في بيتها أيام العيد
نشر بتاريخ

في أيام العيد المباركات، حيث إهراق الدم وتقديم القرابين لله عز وجل، يزداد ضغط الأعمال المنزلية أكثر فأكثر، وتنشغل المرأة خصوصا بخدمة أسرتها الصغيرة، وحتى الكبيرة، فتضاعف الجهود وتبذل وسعها في تحقيق التوازن بين العبادات ومتطلبات البيت والزوج والأبناء، وتصبر وتصابر لتوفير جو مريح وسعيد يليق بعظمة هذه الأيام المباركة ومكانتها عند الله تعالى. ولكن هناك من النساء من تشتكي من هذا الوضع، وتتذمر من كثرة أشغال البيت في غياب أية مساعدة ممن يعيشون معها، بل قد نجد من يفضلن شراء الكبد واللحم ويتركن إحياء هذه السنة المؤكدة مع قدرتهم المادية، ولا يضحون، هربا من الأعمال المرافقة لذبح الأضحية، فيحرمون الأجر والفرح بفضل الله ورحمته.

فما هو فضل الخدمة؟

وما هي المفاتيح المساعدة على أداء هذه المهمة بنجاح؟

مفهوم الخدمة

الخدمة هي تقديم المساعدة والدعم وتوفير عنايةٍ لجهةٍ مُحدّدة، أو لعموم الناس، وهو عمل جليل فيه بذل وعطاء ونكران للذات، والمرأة الصالحة رمز الخدمة، فهي الزوجة المعطاء والأم الحنون وربة البيت الكريمة المضيافة الصادقة التي تبتغى رضى الله دائما وأبدا، والزوج والأبناء الرحيمون هم الذين يقدمون يد المساعدة و يتعاونون في أعباء أشغال البيت، كل حسب ظروفه وقدراته، وكيف لا و قد جاء في كتاب الله قوله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة: 2)، والنظافة وإطعام الطعام من أعمال البر المأمور بها.

فضل الخدمة

لا ريب أن للخدمة فضل عظيم في ديننا الحنيف، فقد روى الترمذي من حديث سعد -رضي الله عنه- وقال: غريب، ورمز السيوطي له بالصحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله طَيِّبٌ يحب الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جَوَادٌ يحب الجُود؛ فنظفوا أَفْنِيَتَكُمْ، ولا تَشَبَّهُوا باليهود” 1، قال الصنعاني: الفناء هو المتسع من الأرض أمام الدار، وإذا أمر بتنظيف ما يتصل بالدار، فبالأولى الدار، وأولى منها صاحب الدار، وإذا علم هذا، فمن نظفت بيتها تريد فعل ما يحبه الله، وفعل ما هو من خصال المؤمنين وترك التشبه بالكافرين؛ فهي مأجورة ولا شك..

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس) 2.

وفي رواية من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! أيُّ الناس أحبُّ إلى الله؟ فقال: أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة، أحبُّ إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة، شهرا…) 3.

يتضح لنا من هذه الأحاديث النبوية الشريفة أهمية ومكانة الخدمة؛ من تنظيف وطبخ وكنس وطرد جوع ومساعدة للناس.. ففيها النفع الكبير، والخير العميم، ورفع الدرجات من العلي العظيم، ومن باب أولى أن يكون هذا العمل داخل بيوتنا، ومع أزواجنا وأبنائنا وضيوفنا.

مفاتيح تمكن المرأة من تسيير وتدبير الأعمال المنزلية

اتفق جمهور العلماء على أن خدمة المرأة في بيتها هو عمل تطوعي ولا يجب عليها، لكن لا خلاف أن فضله عظيم وأجره كبير، فالمرأة المؤمنة التي تخدم في بيتها وتستفرغ وسعها في ذلك على قدر طاقتها ابتغاء وجه الله تعالى تدخل على الله تعالى من أوسع الأبواب، وزوجها أيضا عليه أن يساعدها حسب ظروفه، بل وحتى الأبناء عليهم أن يساهموا في أعمال البيت من تنظيف وتنظيم وترتيب.. ويد الله مع الجماعة، ومن لديه المال الكافي يستعين بخادمة، ويساعدها أيضا، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والإسلام دين رحمة.

فعن الأسود بن يزيد: “سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في البيت؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا سمع الأذان خرج” 4.

قال المهلب: هذا من فعله عليه السلام على سبيل التواضع وليسن لأمته ذلك، فمن السنة أن يمتهن الإنسان نفسه في بيته فيما يحتاج إليه من أمر دنياه وما يعينه على ذلك.

وهذه بعض الأمور المساعدة على أداء هذه المهمة بنجاح وقبول من الله عز وجل:

– تجديد النية قبل وأثناء وبعد القيام بأعمال البيت، مهما كانت بسيطة، لقوله صلى الله عليه وسلم: “الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ، ولِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، ومَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إلَيْه” 5.

– الاستعانة بالله، والإكثار من قول “لا حول ولا قوة إلا بالله”، وفيها تجرد من حولنا وقوتنا، واستمطار لعون الله تعالى، وأيضا تطبيق الوصية النبوية بالتسبيح قبل النوم: “سبحان الله 33 مرة، والحمد لله 33 مرة، والله أكبر  34 مرة”، يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: “لما شكت فاطمة الزهراء رضي الله عنها إلى أبيها سوء الحال من معاناة الرحى وجلب الماء حتى مجلت اليد وأثر حبل القربة في النحر الشريف واغبرت الثياب من الكنس لم يسعفها بخادم، و لا سأل عليا عليه السلام نفقة خادم، وهو كرم الله وجهه كان من أفقر المهاجرين. إنما علمها وعلمه التسبيح، وقال لها: اتقي الله يا فاطمة، وأدي فريضة ربك، واعملي عمل أهلك” رواه الشيخان والترمذي وأبو داود عن علي بن طالب رضي الله عنه” 6.

–  ترك المن وعدم انتظار الجزاء من أي مخلوق.

– تعاون أهل البيت في الخدمة، فالزوجة لا تستطيع وحدها القيام بجميع الأشغال، خصوصا إذا كانت متعبة أو مريضة، فالمطلوب عمل الفريق كله بقيادة ربة البيت، يقول الإمام المجدد رحمه الله: “من يستطيع أن يخجل الأزواج الأنانيين، خاصة في عصرنا والمرأة موزعة الأوقات مكدودة؟ في البوادي شظف العيش، وجلب الماء، والأشغال الزراعية زيادة على مهنة البيت. وفي مدن الإسمنت والسكنى المتأزمة، والقساوة، تعاني المرأة موظفة أو عاملة كادحة أو مثقلة بالذرية عناء مضاعفا. من يقرأ على الرجال سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وفي مهنة أهله حتى تذوب الأنانيات، وحتى يعتبر المؤمن أنه شرف عظيم له وسنة تكمل دينه أن يضع يده في شؤون البيت ليساعد؟ لكن من نقصت قيمته عند نفسه وفي حقيقة الأمر ينتفخ في البيت ويهين الزوج في البيت” 7.

– وضع خطة عملية، والبدء بالأعمال الضرورية والمستعجلة ثم الأقل أهمية، وهكذا يمكننا تأجيل بعض أعمال البيت لوقت لاحق، إذا كان الوقت لا يسمح والضرورة غير ملحة.

– استعمال أسلوب المدح والثناء فيما بيننا، وخصوصا لربة البيت، تقديرا لكل مجهود وخدمة، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه سيدنا أبو هريرة: “لا يَشْكُرُ اللهَ مَن لا يَشْكُرُ الناسَ” 8.

 ولا ننسى الأصل، وهو الحفاظ على الجو الإيماني الأسري المفعم بالاحترام والحب والتقدير والرحمة والنظام والنظافة والتعاون داخل أسرنا.

أختم كلامي بقوله صلى الله عليه وسلم: “يومُ عرفةَ ويومُ النَّحرِ وأيَّامُ التَّشريقِ عيدُنا أهلَ الإسلامِ، وهي أيَّامُ أكلٍ وشربٍ” 9.

فيومُ عَرَفَةَ ويومُ النَّحْرِ وأيَّامُ التَّشريقِ، هي أيَّامُ عِيدٍ للمسلمينَ في مَشارِقِ الأرضِ ومغاربِها، يَفْرَحونَ بفضل الله وبنِعْمةِ الإسلامِ وتوفيق الله عز وجل، ويَتمَتَّعونَ بالأكلِ والشُّربِ فيها كما أَمَرَهم ربُّهم، فحري بنا أن نعظم هذه الأيام المباركة، ونفرح بها أشد الفرح، وندخل السرور على أزواجنا وأبنائنا وضيوفنا وجيراننا والمساكين والمحتاجين؛ نطعم الطعام، ونقدم الحلوى، ونتصدق ونهدي من أضحيتنا، ونكثر من ذكر الله ومن التكبير والتهليل والتحميد، ونحمد الله تعالى أن رزقنا من فضله ووفقنا لإحياء سنة نبيه والتقرب إليه سبحانه بالفرض والنفل، ونسأله تعالى القبول والسداد والإخلاص.


[1] أخرجه الترمذي في “سننه” (2799)، وأبو يعلى في “مسنده” (791)، والبزار في “مسنده” (1114)، من طريق أبي عامر العقدي.
[2] رواه الطبراني في المعجم الأوسط، 6/58.
[3] رواه الطبراني في “المعجم الكبير” (13646)، و”المعجم الأوسط” (6026)، و”المعجم الصغير” (861).
[4] رواه البخاري في صحيحه، باب خدمة الرجال في أهله، حديث رقم: 5363.
[5] أخرجه البخاري في صحيحه (حديث رقم: 54)، ومسلم في صحيحه (حديث رقم: 1907) باختلاف يسير.
[6] عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج 1، ط 2، ص: 127.
[7] المصدر نفسه، ص: 126.
[8] أخرجه أبو داود في صحيحه الصفحة: 4811.
[9] أخرجه أبو داود (2419)، والترمذي (773)، والنسائي (3004) واللفظ لهم، وأحمد (17379) باختلاف يسير.