حوار مع الدكتورة حسناء قطني عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان

Cover Image for حوار مع الدكتورة حسناء قطني عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان
نشر بتاريخ

ليس أجمل من أن نقرب فكر جماعة العدل والإحسان إلى محبيها وأتباعها والمتعاطفين معا، حاورنا هذه المرة الفاضلة الدكتورة حسناء قطني عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان

نرحب بالأخت الكريمة الدكتورة حسناء قطني عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان ضيفة على موقع أخوات الآخرة.

الشكر موصول لموقع أخوات الآخرة على هذه الاستضافة الكريمة.

د حسناء وعيا منا على واقع التحولات الراهنة التي تشهدها أمتنا كيف تقيمين باعتبارك عضو الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان ومن قطاعها النسائي هذه المرحلة؟

تعيش الأمة على إيقاع أحداث وتحولات عناوينها البارزة: اضطراب وانقسام واقتتال، بعدما كانت قد استبشرت خيرا بهبوب رياح ربيع الانعتاق لتفاجأ بدوي صاعقة الانقلاب على إرادة الشعوب، أكيد أن سنة 2011 شكلت منعطفا تاريخيا في حياة الأمة التي عانت شعوبها على مدى عقود خلت ما يكفي من سياسات الظلم والتجهيل والتفقير حتى كادت تسلم بقدرها في أن تعيش أبدا مقهورة ومضطهدة، غير أن القراءة المتأنية والفاحصة للأمور والتي تستحضر دروس التاريخ وعبره، وقبله سنة الله وتدبيره، تجعلنا ننظر إلى كل ما يقع بأنه مخاض أليم وعسير يهيئ لميلاد وانبعاث أمة جديرة بالخيرية الموعودة، وعليه فقد أضحى من أولى مهماتنا ونحن نحمل مشروعا تغييريا إحيائيا، هو بعث الأمل واليقين الدائم في بشارته صلى الله عليه وسلم حتى لا يدب اليأس إلى النفوس فتصاب بالإحباط فتسقط في فخ العنف والاستعجال خاصة وأن وعي الشعوب يتعرض الآن لقصف إعلامي مهول يروج أكثر ما يروج له خطاب التيئيس والترهيب والتخويف من خلال حرب النماذج “الفاشلة”

كيف تنظرن في جماعة العدل والاحسان إلى إمكانية خروج الأمة من هذا النفق المظلم؟

إن معرفة الداء هو نصف الدواء، كما يقال، فواقع حال الأمة اليوم ليس وليد اللحظة وإنما هو نتيجة تراكم قرون من التخلف والانحدار منذ الانقلاب الأول الذي عرفته الأمة والذي تمثل في انتقاض عروة الحكم وتحولها من نظام شوري إلى نظام انفرادي وراثي مسلط سيفه على أعناق العباد

ولقد كان لهذا الحدث تداعياته وانعكاساته على مر تاريخ المسلمين، فشل العقل وانتكست الإرادة وترعرعت الذهنيات الانتظارية والانتهازية وتفشت الأنانيات المستعلية، وطفت على السطح مجددا العصبيات الجاهلية التي تكتوي بنيرانها اليوم عموم الأمة.

في المقابل انزوى العلماء وتخلوا إما طوعا أو كرها عن مسؤولياتهم في النصح والصدع بكلمة الحق، وكان المستفيد الأول والأخير من كل هذا هو الحاكم المستبد، ثم جاء الاستعمار والأمة في أضعف حال فانقض على ثرواتها واستغل خيراتها وتواطأ مع حكامها لعقد صفقة ما سمي تمويها ” بالاستقلال ” والتي بموجبها يضمن لهم الاستكبار شرعية كرسي الحكم في مقابل الحفاظ على مصالحهم الاقتصادية هناك.

لقد انتظرت الأمة أكثر من خمسة عقود وأمهلت حكامها طويلا أملا في تغيير حقيقي لكنها لم تعد قادرة على التحمل أكثر، فخرجت في انتفاضات سلمية تريد إسقاط الاستبداد الذي اعتبرته أصلا لكل داء.

لكن هل كانت الشعوب واعية بطبيعة التغيير الذي تحتاجه؟ هل هو تغيير سياسي يختزل في التحرر من أنظمة تسلطية أم تغيير مجتمعي شامل لا يمثل فيه سقوط الأنظمة إلا مقدمة لمسار من اللازم أن يأخذ وقته الكافي خصوصا وأن هكذا تغيير سيلقى مقاومة من الداخل، الدولة العميقة، ومن الخارج، الاستكبار العالمي.

إذا كنتم داخل جماعة العدل والإحسان تنظرون إلى التغيير كمدخل من مداخل الارتقاء وتجاوز الملمات التي حلت بالأمة، كيف تعرفونه استنادا إلى الفكر المنهاجي الذي أثل له الامام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله؟ وماهي شروطه؟ والمعيقات التي تحول دون ذلك؟

إن نظرة الإمام المجدد الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله للتغيير تستند في أساسها على قانون التغيير القرآني، يقول الحق سبحانه: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم بمعنى أن تغيير الواقع في مستوياته المتعددة السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية هو مرتبط بل ومتوقف على تغيير ما بالنفس، أو بتعبير آخر توزين العامل الذاتي. يقول رحمه الله: وكل تغيير في السياسة والاقتصاد فإنما هو تبع لهذا التغيير الكلي الجوهري للإنسان ونفسيته وعقيدته وأخلاقه وإرادته)[1] لقد حرص الإمام رحمه الله على أن يؤكد بأن التربية بمفهومها الشمولي هي الأس والأساس في نجاح أي حركة تغييرية لأن أي تغيير عميق يحتاج إلى بذل الجهد في إعادة تأهيل المجتمع للانتقال به من حالة فقدان الثقة والعزوف والسلبية إلى حالة التفاعل الإيجابي والمشاركة، ومن الذهنية المطلبية إلى ذهنية الواجب والمسؤولية، وكل هذا يتطلب تدرجا وأناة ورفقا يقول رحمه الله: أفقنا التغيير العميق الذي لا يمكن أن تبنيه وتقوده بعون الله إلا حركة مباشرة متواصلة “ويضيف رحمه الله” مهمتنا أن نكوّن ونعيد التكوين، أن نصبر ونصابر ونعلّم، لأن تغيير الذهنيات والمواقف مشروط بالتدرج)[2]

ما هو دور المرأة في سيرورة التغيير؟ وهل من وظائف منوطة بها في هذه العملية؟

تتبوأ المرأة مكانة محورية في المشروع التغييري الذي يقترحه الإمام رحمه الله على الأمة متأسيا في ذلك بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ كانت حاضرة في قلب الأمة النابض آنذاك ” المسجد ” وهي إشارة قوية للدور الأساسي والريادي الذي يمكن أن تقوم به المرأة في صناعة المستقبل.

حتما لا أحد يجادل الآن في أن المرأة وفي ظل التحولات الراهنة كانت في طليعة الأحداث، بل هي صانعتها كما كان هو حالها دائما في كل حركة تغيرية شهدها التاريخ قديما وحديثا، فمن منا سينسى مشاهد زحف النساء في المسيرات والاعتصامات وفي الميادين جنبا إلى جنب الشباب والرجال، ومن هنا لا بد من التأكيد والإشارة إلى أن المرأة التي تحدت وتتحدى الاستبداد وواجهت وتواجه القمع والتنكيل، قادرة على لعب أدوار قيادية في إعادة بناء المجتمع من خلال واجهات عمل متعددة بدءا من تأهيل النشء تربية وتعليما وتكوينا، وصولا إلى المشاركة المباشرة في العملية السياسية والشأن العام خصوصا في المراحل التأسيسية والمحطات الأولى الحاسمة في بناء وترسيخ المجتمع الذي ننشده.

سعدنا بهذا اللقاء سيدتي الفاضلة، ونرجو ألا يكون آخر الوصل.

[1] سنة الله ص: 88

[2] الإسلام والحداثة ص: 324