حقوق المرأة في الإسلام

Cover Image for حقوق المرأة في الإسلام
نشر بتاريخ

مبدأ تقسيم الوظائف بين المتخصصين مبدأ فطري وعقلاني. أي معمل لا يطبق هذا المبدأ يغلق أبوابه سريعا لأن الإنتاجية تهبط، ويفقد المعمل فرصه في السوق. وأي مؤسسة لا تدرب متخصصين فنيين يمارسون مهنتهم بكفاءة وخبرة، وإداريين مهمتهم الإشراف، تكون مؤسسة بلهاء متخلفة سرعان ما تفلس.

لكن داعيات «تحرير المرأة» ودعاته ينكرون هذا المبدأ ويأبون إلا أن يكون للمرأة مثل ما للرجل كتِفا على كتف، تزاحمه هي في مجالاته إن كان هو لم تجهزه فطرته وخِلقته الجسدية النفسية ليزاحمها في مجال تخصصها الفطري. ينكرن مبدأ التخصص، وضرورة التكامل، وإمكانية حياة منسجمة على نمط غير النمط الصراعي بين الرجل والمرأة، ذلك الصراع الذي يؤول بالمرأة إلى أن تصبح بعد نضال مرير دمية معبودة مكدودة.

(..)

ينكرن على العموم ما جاءت به الشريعة، ويكرهن على الخصوص أن تكون للرجل «درجة». يجب محو هذه الكلمة من القرآن وإبطالها أَنْ طبقها الرجال تطبيقا تعسفيا. إن القافلة التي يقودها أمير السفر، ويحبسها، ويوقت مواعيد سفرها، قد يكون من المسافرين فيها علماء وفاضلات ممن لهم ولهن من جوانب التفوق ما ليس للأمير. لكن لا يستغني أحد عن الأمير لخبرته واستعداده.

إن إصلاح ما أفسده التطبيق، وما أهدره الرجل من حقوق المرأة، وما تخلت هي عنه من حقوقها جهلا منها بحقوقها أو نكوصا عن «المغالبة» والمطالبة، لا يمكن بتغيير ما هو ثابت من أحكام الشرع. الناس انحرفوا عن الشرع، فيجب أن يرجعوا هم إلى الاستقامة على الشرع، رَغَباً ورَهبا. رغَباً أساسا بتربية الناس وتتويبهم وتحبيب الدين إليهم. وهذا واجب الدعوة. وهذا واجب المؤمنات وحق بنات جنسهن عليهن الأول. بعد هذا الترغيب، والبعدية هنا اعتبارية، يأتي سلطان الحكومة يَحوط حديقة الإيمان التي غرستها وسقتها وتتعهدها الدعوة بسياج مَهيب من المنع والعقاب والجزاء والثواب.

إن الشريعة الإسلامية ليست منظومة قانونية تعاقدية تُفرض على الناس بمقتضى سلطة الحكم. لذلك فمهمة الدعوة والتربية دائمة. الدعوة وهداية الناس وتعليمهم والتأثير فيهم بالقدوة ونموذجية البيئة الإيمانية هي وحدها تقلب وِجهة الناس ليسلموا وجوههم لله متقيدين بأخلاق الإسلام، ناهضين بأعباء ما أوجبه الله، سباقين إلى إعطاء كل ذي حق حقه من العباد. أستغفر الله. إنما يهدي القلوبَ الرب الخالق سبحانه. وهداية التعليم والقدوة سبب لا بد منه.

وجود حقل تربوي تتلاقح فيه الأغراس، وتنعقد فيه ثمار خشية الله من أزهار الإيمان بالله. وجود فضاء صحي تستشفي فيه الأنفس المريضة. وجود بيئة سليمة تعم سلامتها الواردين، ويحمل السلامة من فَسَحاتها الصادرون. وجود مجالس الإيمان والذكر والقرآن والتوبة والخشوع، فيها يعقد المؤمن وتعقد المؤمنة مع ربها عز وجل عقدا أن تكون له أمة وأن يكون هو له عبدا. من هذا العقد تنبثق الحقوق والواجبات.

في أرضية الإيمان، وتربة الخشية من الله، وبمخصبات حبه وحب رسوله، وفي جو العطاء في سبيل الله الممطر، تُسْتنبت أغراس الطاعات. في هذه البيئة ووفاء للعقد مع الله يتولى المؤمن الفرد والمؤمنة قوامتهما على نفسيهما. يبادران إلى الطيب الصالح من قول وعمل، ويَعافان الخبيث. وما الطيب الحسن إلا ما حسنه الشرع، ولا القبيح إلا ما قبحه.

في البيئة الطيبة المثالية يندمج ما هو مُتنافر في عالم الناس، يجتمع ما هو مشتت. في العقلية التصْنيفية التي انتهت من الخوض في مسألة الإنسان ما هو بعد أن صنفته قردا، تجد الحقوق مفصولة عن الواجبات، والسياسة مفصولة عن الدين، والأخلاق أمرا خاصا لا مجال له في الشؤون العامة.

في الذهنية الرعَوية الموروثة في بلادنا عن قرون التخلف تجد مقاصد رسمها الشرع لكن لا طالب لها. تجد علما غزيرا مقلدا يحول بين الناس وبين مصدر الهدي من كتاب الله وسنة رسوله. تجد علما بلا إرادة. تجد إرادة بلا علم.

ويخيم على موقع المعركة بين الحق والباطل ظل الفاتكين يصيحون بدين العصر: الديمقراطية وحقوق الإنسان. حقوق المرأة، يوم المرأة، سنة المرأة، مؤتمرات المرأة، نضال المرأة. المرأة الأنثى. ولا تسألي عن معناكِ ومن أين جئتِ وإلى أين تذهبين.

جئتِ حقا وتذهبين! كلا بل جِيءَ بك ولم تستشاري، ويُذهب بك متى وأين وكيف لا تدرين.

والإسلام يناديك إلى الإيمان، ويخبركِ بالمعنى والمآل، ويبصركِ بحقوقكِ في الدنيا لتطلبيها وتجندي بنات جنسك المسلمات، وتجاهدي المارقين والمارقات.

ما على المرأة المسلمة جهاد في الساحات الدموية إلا أن يكون النفير العام عندما يطأ الأعداء الحمى. وهم في العصر الحاضر وطِئوه واحتلوه زمانا بجسومهم حتى باضوا وفرخوا. فالنفير عام لجهاد تتقدم فيه المؤمنات ولا يتأخرن. جهاد آلته العلم وسلاحه الحكمة، لا الخناجر. فإنما تقتل الخناجر أفراداً يخلفهم من الطغاة احتياطي صُنع هناك ويصنع.

إنه جهاد مزدوج: حقوقكِ التي كفلها الشرع تنتزعينها من تعسف الرجل، وتتقدمين في العلم لكيلا يحتكر هو الاجتهاد ويميلَ به إلى سوء استعمال «درجته». ثم واجباتك في صد العدوان على الدين مما يليك.

(..)

عبد السلام ياسين، كتاب “تنوير المومنات”، ج 1، ص 181 – 184 على موسوعة سراج.