إن المتأمِّل في الواقع الحركي الجهادي للمقاومة الغزاوية الفلسطينية الباسلة ضد العدو الصهيوني الفاشي المتوحش البربري، بعد معركة طوفان الأقصى المباركة، وبعد حرب الاستنزاف الدموية والإبادة الجماعية الفظيعة للكيان الصهيوني على الشعب الغزاوي، يخرج بحقيقة واضحة وضوح القمر في ليلة البدر، وهي أن رجال المقاومة الأبطال والحاضنة الشعبية الغزاوية هم امتداد لجيل صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين يعيشون في زماننا. وما تواتر الكرامات التي صنعها الله تعالى على أيديهم إلا شاهد على هذه الحقيقة.
يكفي أن نذكر أن حرب الاستنزاف التي شنها الكيان الصهيوني المغتصب لمدة سنتين، بكل ما يملك من أحدث التقنيات في العالم، وترسانة للأسلحة جبارة فتاكة قِمة في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتطورة، وجيوش ضخمة متعددة الجنسيات ومختلف تلاوين المرتزقة، فشلوا في تحقيق أهدافهم القذرة في القضاء على المقاومة الباسلة ونزع سلاحها المتواضع مقارنة مع سلاح العدو وتحرير الأسرى وتهجير الغزاويين الأبرار.
ويكفي أن نذكر رجال المقاومة الأبطال الذين دُفنوا تحت الأرض لمدة 20 يوما وخرجوا منها أحياء، وتكرار رؤية الملائكة تحارب إلى جانب المقاومة، وأولئك الذين يهاجمون دبابة العدو الصهيوني المتطورة من مسافة الصفر بصدور عارية فيفجرونها، والكثير من الأحداث الحقيقية الإعجازية. يقول خالد مشعل المسؤول عن شؤون حماس الخارجية: “نُطلق رصاصتين ولكن نرى عشرة قتلى من الأعداء، هذا يُظهر لنا أن الملائكة تقاتل إلى جنبنا.” ويقول خليل الحية القيادي في حماس بعد عامين من الحرب الفتاكة والدموية والمدمِّرة: “غزة تصنع المعجزات وتؤكّد أنها مُحرَّمة على أعدائها.”
هم أمثلة حية لصحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام في عالمنا اليوم؛ حياتهم، وقصصهم البطولية في دحر العدو المجرم الصهيوني، والكرامات التي أظهرها الله على أيديهم خير دليل على منزلتهم من صحابة الجيل الأول الأكابر.
لقد اعتبر الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى جيل الصحابة الأول جيلا فريدا وظاهرة تاريخية يستحيل أن تتكرر في الزمن. يقول في كتاب معالم في الطريق، فصل جيل قرآني فريد: “لقد خرجت هذه الدعوة جيلاً من الناس -جيل الصحابة رضوان الله عليهم- جيلا مميزا في تاريخ الإسلام كله وفي تاريخ البشرية جميعِها، ثم لم تعد تخرج هذا الطراز مرة أخرى”. غير أن الواقع أثبت خلاف ذلك، وغزة الأبية شاهدة على ظهور جيل يشبه جيل الصحابة الأفذاذ.
وللأسف حاول المستشرقون من اليهود والنصارى وتلامذتهم المستغرِبون واللائكيون من بني جلدتنا توظيف هذه النظرية لضرب الإسلام وإدخال الشكوك في نفوس المسلمين؛ فصوَّروا جيل الصحابة رضي الله عنهم ليس فقط كجيل متميز وفريد، بل يستحيل تكراره. وزعموا أن استئناف الحياة الإسلامية في ظل كتاب الله وسنّة رسوله عليه الصلاة والسلام بعد عصر الصحابة ضربٌ من المستحيل يجب ألا تتسامى نحوه الأعناق، وبذلك يطفئون جذوة الأمل في نفوس المسلمين التي ما تزال تواقة إلى ذلك العهد وتحن إليه وتتشوف إلى الحياة الإسلامية على المنهاج النبوي. وهذا نموذج من التضليل والحرب الباردة على الإسلام.
لقد استوعب وفَقِه وخَبَر الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى عند توصيفه جيل الصحابة بالنموذج الخالد، أي أنه نموذج إنساني متكامل روحيا وأخلاقيا مستمر في الزمن لا مجرد نموذج تاريخي، هذا المخطَّط العدائي المشؤوم، حيث يقول رحمه الله تعالى في كتاب الإسلام غدًا، فصل النموذج الخالد: “لا يثبطنا عن هذا من يهذي بأن الجيل الأول فلتة من فلتات التاريخ. كيف ورسولنا الكريم كان يشتاق لإخوته الذين لم يرهم، يفضلهم على أصحابه ويعدل أجر واحد من إخوانه بأجر خمسين من أصحابه!” 1.
عن أبي جمعة حبيب بن سباع قال: “تَغدَّينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقال: يا رسول الله، أحد خير منا، أسلمنا معك، وجاهدنا معك؟ قال: “نعم، قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني” 2.