بين العفو والإعفاء في مغرب الاستثناء

Cover Image for بين العفو والإعفاء في مغرب الاستثناء
نشر بتاريخ

في زمن تصريف الأفعال والأعمال على النحو الذي يتم فيه التلاعب بالمعاني والمباني والخروج عن الأوزان المعهودة والأقيسة المتواضع عليها، تضطرب قواعد فلسفة الجزاء القائمة على أساس الثواب في مقابل الإحسان والعقاب في مقابل الإساءة والتي تقتضيها كل المسؤوليات في كل المجالات، فنجد أنفسنا أمام أخطاء لا يمكن غض الطرف عنها بل لا بد أن يقوم القلم الأحمر بدوره لتصحيح المسار. فالجذر اللغوي (ع – ف) على سبيل المثال لا الحصر أصبح يتلاعب به تلاعبا، فيستعمل في غير سياقاته الدلالية وذلك تبعا للمصالح العليا المعتبرة، فتارة يعتمد عليه في تركيب جملة: عفا الله عما سلف، رغم أن الذي سلف ليس من قبيل مما يعفى عنه عادة، وتارة يستعمل في جملة هي في حقيقتها حملة إعفاءات من المهام رغم أن هذه الجملة ليست ممن يصدر الإعفاء في حقها عادة.

لن نتحدث عن الجملة الأولى فليست مما لا يدرك معناه على الفطن اللبيب، إذ أن الله هو من يملك العفو عن المذنب إن تاب وأناب وأصلح، إلا إذا كنا ممن يؤمن بصكوك الغفران. هذا أولا، والأمر الثاني الذي لا بد من الـتأكيد عليه في هذا المقام هو كون مقترح تعديلها نفسه سبب فيما لحقها من تشوهات، إذ إن الذي أذنب فسرق ونهب ثم عفي عنه، والمسروق والمنهوب حكم عليه بإرجاع ما سرق السارق ونهب الناهب… وهذا هو الشطط بعينه.

أما عن الجملة الثانية – وهي بيت القصيد في هذا المكتوب – فتصحيحها يتطلب حسن قراءة الرسائل المبعوثة، والقراءة الصحيحة تفصح عن دعوة صريحة ومكشوفة للعزوف السياسي، مرقونة على يافطة تحمل شعار: “لا للممارسة السياسية بجبة المعارضة”، رغم أن المعارضة من المكونات الأساسية في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية، أما تلك التي تدعيها فهي دون شك تضيق ذرعا بمن يختلف معها في الرأي والموقف، وهذا لا يصدق عليه إلا مصطلح الاستبداد الذي يمد أذرعه لسلب الحقوق الثابتة في القانون الذي وضعه بنفسه، مستأثرا بتنزيل بنوده على الواقع بشكل يخدم إرادته العلية، مع أن “الذي يكشف الحقائق، ويظهر المخفي، ويفضح الخبايا من الرذائل يسدي للأمة خدمة جليلة، حتى ولو خارج الدائرة، علما من أن المعارض الذي يبسط وجهة نظره من زاوية مختلفة وينتقد ويفرض على الجميع الحيطة والحذر والتدقيق والصدق إنما هو عامل مهم من عمال البناء” [1]. والخدمة التي تقدمها المعارضة الحقيقية هي تحقيق نوع من التوازن المطلوب في المجتمع، إذ تكشف لمن بأيديهم تدبير شؤون العباد أخطاءهم، ومن ثم تكون مصدرا من مصادر تقويم الاعوجاج لفائدة الصالح العام، وعاملا من عوامل الاستقرار خاصة إذا كان النصح الصادق الخالص لمن يهمه الأمر ديدنها.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالاتفاق حاصل على إمكانية تحقيق الوحدة والتعايش في ظل الاختلاف، إذ يستحيل عقلا الإجماع التام على أمر يدخل تحت دائرة الاجتهاد، إذ الاختلاف يعتبر مصدر غنى للأمة وعاملا من عوامل التدافع من أجل تحقيق العدل والكرامة والحرية بكل إحسان للمؤيد والمعارض على حد سواء، بعيدا عن العنف الذي ما رافق أمرا إلا شانه.


[1] عبد السلام ياسين، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، ص 90.