بناتنا والحجاب |4| سبل إقناع البنات بارتداء الحجاب

Cover Image for بناتنا والحجاب |4| سبل إقناع البنات بارتداء الحجاب
نشر بتاريخ

إن قرار ارتداء الحجاب أو خلعه، هو قرار يخص البنت، وديننا الحنيف ليس مع فرضه بالإكراه على أحد، لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة، 256]. فالله عز وجل أمر المرأة بلباسه، وهو أمر في الدنيا يحاسب عليه يوم القيامة، شأنه شأن كل الأوامر والنواهي التي تطلب منا. لذا وجب عدم الخلط بين أمر الله بالفرائض، وبين أمرنا نحن البشر بها، فالله حين يأمر، كقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب، 36]، فهذا أمر من خالق لمخلوق، واستجابة النفس البشرية لأمر الله تختلف من شخص لآخر، بحسب عزيمته وإرادته، وقدرته على الفعل. والله عز وجل بيّن أن الضعف البشري هي صفة ملازمة لكل بني آدم، منذ أول الخليقة؛ أبونا آدم عليه السلام، قال تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه، 115]،  فكلنا يدور في تنفيذ أوامر الله واجتناب نواهيه، بين العزم والضعف، ومن ذلك رفض ارتداء الحجاب أو خلعه. ويبقى رأس الأمر كله بذل الوالدين الجهد الكافي لإقناع بناتهما بوجوب الحجاب.

الدعاء والتضرع لله

التربية عبادة، والعبادة تتطلب النية الصادقة المتصلة بالله، ما يعين العبد ويوفقه إلى حسن تربية الولد. فعلى الوالدين أن يحذرا أن يعتمدا على نفسيهما وقوة شخصيتهما، وينسيا التوكل على خالقهما. فليس عليهما إلا بذل السبب والتوكل على الله تعالى والتضرع له سبحانه ليصلح ذريتهما، فالواجب عليهما اقتفاء منافع هذه العبادة، والمسارعة إلى الإكثار من الدعاء لأولادهما لحفظهم وحمايتهم، والتوسل إليه سبحانه لهدايتهم، ذلك أن دعوة الوالد لولده مستجابة، قال عليه الصلاة والسلام: “ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده” [رواه ابن ماجة والترمذي].

رعاية الفطرة

الطفل في نشأته السليمة يعبد الله عز وجل، فهو على الاستقامة الفطرية الأولى، ومن هنا كانت الفطرة تحتاج إلى الرعاية الدائمة من طرف الوالدين عبر حفظها بغرس الولاء لله ورسوله في نفوس الأطفال، وكلما كان بكورا، كان أكثر تمكنا من نفوسهم، وكانت أساليبه أشد وقعا وأنفع نتيجة. فإذا “لم تُرضع الأم طفلها الإيمان مع الألبان، ولم يَقُدْ الأب خطى أبنائه الأولى إلى المسجد، ولم تُلَقِّن الأسرة كلمة التوحيد للصبي أوّلَ ما يلْهَجُ بالنطق، ولم يُرَدِّدْ معه الأخ والعم والخال آيات الله في غضاضة العمر، ولم تتعهده بالوصية الإيمانية القَرابة والجوار، فقد فاته إبَّان الحرث” [1].

ثم قد يصيب هذه الفطرة نكبة ورقدة وتشوه بسبب تأثر الطفل بمحيطه، فعلى الوالدين العمل على إحيائها وتقويمها ببث كلمة الحق في ولدهما في الوقت المناسب، بالبساطة المناسبة. وذلك إن فعلا، “وفعلت الأم خاصة، كنزٌ لا يفنى، وبذرة حية لا تلبث بإذن الله أن تترعرع شجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها” [2]. كما تحتاج عملية إحياء الفطرة إلى حوط وتغذية خاصة في وقتنا الحالي الذي يشهد هيمان الأعداد الغثائية من الأطفال والشباب بلا مرب ولا مراقب. فعلينا رجالا ونساء أن تكون الأسرة المسلمة على اتصال واستمداد بالأسرة التربوية التي تحضن الشباب في جماعات. ومن هنا جاء التأكيد على ضرورة العناية بالمحيط التربوي للطفل.

إصلاح البيئة الأسرية

تلعب البيئة الأسرية دورا حاسما في تربية البنات بخلاف تربية الأولاد، وهذا بحكم ارتباط البنات أكثر بالأسرة، ومن هذا المنطلق فإن التفاعلات الأسرية لها بصمة لا يستهان بها في تكوين شخصية البنت، بل إن بصمة الأم أكثر تأثيرا عن غيرها من أفراد الأسرة لالتصاق البنت بأمها سلوكيا ووجدانيا. إذن فالأسرة هي البيئة الأولى التي تنشأ فيها الفتاة، وهي التي وكل إليها تعزيز القيم الإيجابية في نفسها وعقلها، وهذا الأمر يمكن أن يتم من خلال التنويه والإشارة المباشرة وغير المباشرة للحجاب وميزاته وفضائله بحسب ما تفهمه الفتاة وتعقله. لذا وجب على الوالدين انتهاز الأوقات التي تكون فيها ابنتهما مستعدة لتقبل المعلومة أو الموعظة، وتجنب الأوقات التي تكون فيها مشغولة، فينبغي اغتنام الأوقات التي يكون اهتمامها فيها حاضرا وقلبها منتبها. كما يجب عليهما التدرج في إعطاء البنت التوجيهات، وعدم دفعها إلى القضايا دفعة واحدة، وكقاعدة عامة، فإن التربية تكون فعالة إذا تدرجت من الملاحظة ثم إلى تلقين الأساسيات ثم التدريب ثم التطبيق.

وأيضا وجب على الوالدين عدم التركيز بصورة مباشرة على منعطفات السلوكيات السلبية للبنت، وهذا يشمل تجنب النقد اللاذع والمراقبة الدائمة التي تشعرها بخرق خصوصيتها. بل إن تعزيز الصفات الجميلة يهيئ نفسية البنت إلى تقبل النقد البناء، والانخراط الإيجابي مع الواقع المحيط. وتلعب الأم الدور الكبير مع ابنتها، إذ وجب عليها بدأ الحوار المفتوح في كل ما يخصها، مع الانتباه لضرورة ترك مجال لخصوصيتها الشخصية، وترك الحرية لها في ترتيبها واقتناء الأشياء التي تشبع دافع الفضول لديها، وبالتالي ندعم خصوصيتها وهويتها الشخصية التي تساعدها في ترسيخ جوانب الإبداع في حياتها.  إذ لا يمكن الوصول إلى نتائج تربوية جيدة، وقيم راسخة في نفس الفتاة، تكون موجهة لسلوكها، أينما كانت حتى مع عدم وجود الأهل أو المربين، إلا من خلال العمل على تكوين قناعة داخلية تدفع الفتاة نحو الامتثال لأمر الحجاب، وهذا الأمر لا يتم بالإكراه والقسوة والإملاء، بل قد يكون لهذه الأساليب مفعول عكسي لا تحمد عقباه.

فقه الواقع

العصر الذي تعيش فيه بناتنا يختلف تماما عن العصر الذي عشنا فيه على مستوى القيم والمفاهيم. فالتربية اليوم ليست للتكيف مع ما هو قائم فحسب بل يجب أن تكون تربية متغيرة متجددة قادرة على احتواء الجديد والاستفادة منه لتحقيق غاياتها. وهذا الاحتواء يفرض علينا دقة في فهم الواقع وفي تحديد حاجيات بناتنا. فظاهرة الحجاب العصري مثلا، الّذي لا تنطبق عليه المعايير الشّرعيّة؛ من لبس الثّياب الضيّقة والمثيرة إلى وضع المكياج على الوجه، يرى الكثيرون فيها إساءة إلى الحجاب الشرعي، لكن إن وضعنا هذه المسألة في ميزان العصر وتحدياته المتراكمة، نستطيع حينئذ فهم بواعث تفشي هذه الظاهرة. إذ الملاحظ أن الإعلام وبحثه عن الأرباح المادية ومن خلفه منادو التحرر، قد وظفوا غاياتهم من خلال وصف الحجاب بأنه مبتذل، وأن المرأة التي تلتزم به لا تعي مفاهيم التحضر، ليروجوا بعد ذلك لبضاعتهم وأفكارهم، التي تدعو إلى التمتع بمباهج الحياة وفق ثقافة استهلاكية تبحث عن الرفاهيات المادية.

ورغم كل هذا، نسجل لصاحبات الحجاب العصري أنهن يحافظن على نية الحجاب، ولو أرادت الكثيرات منهن، لكان باستطاعتهن اختيار العكس، ولكن تمسكهن بالحجاب دليل على أنهن لا يرفضنه نهائيا، وإنما يعملن على إعادة تشكيله بما يتطابق مع الشكل العصري الذي يردن الظهور به، فليكن تعاطينا معهنّ تعاطي الاستيعاب، ولنوجه لهن النّصائح، ولكن بالأسلوب الصحيح الذي يوصل الفكرة ويبين الخطأ دون أذية أو إساءة.


[1] عبد السلام ياسين، كتاب العدل: الإسلاميون والحكم، ص 493.
[2] نفسه، ص 299.