بناتنا والحجاب |2| تدريب البنات على حب الحجاب

Cover Image for بناتنا والحجاب |2| تدريب البنات على حب الحجاب
نشر بتاريخ

صلاح الأبناء والبنات أمنية الآباء والأمهات، فيا لها من نعمة عظيمة، ومنة كريمة، حين يجود الله عليهم بالصلاح والهداية، يخافون الله، ويلتزمون بفرائضه، ويتخلقون بالأخلاق الكريمة. فالولد الصالح من عمل والديه وسعيهما، لذا وجب التركيز على بناء الولد ونموه وتأهيله وتوعيته، وتقديمه للأمة كحافظ لها، وللقيم كحامٍ لها، وللتغيير كساعٍ فيه. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ أطيَبَ ما أكل الرَّجُل من كسبِه، وإنَّ ولدَه من كسْبِه” [1]؛ أي إن الوالدين يقومان بالدور الأول والأساس في تشكيل شخصية ولدهما، وتكوين أنماط سلوكه وفكره. ومن هنا يأتي أمر الحجاب كقيمة تعبُّدية وأخلاقية تعدُّ مِن أولى ما ينبغي تعليمه وتدريبه للفتاة، خاصة حينما تبدأ تظهر عليها علامات البلوغ. 

ولتحقيـق هـذا الأمر، خطّ لنا الإسلام طريقا قسم فيه أساليب التربية على حسب المراحل العمرية للبنت، الذي تتغير استعداداتها وحاجياتها في كل مرحلة ما، مما يستدعي من الوالدين الوعي التام بكل مرحلة ومتطلباتها. ويجدر بنا هنا الإشارة إلى أن كل مرحلة من مراحل عمر البنت تعتمد على سابقتها استكمالا لما مضى وليست منفصلة بذاتها.

مرحلة الجنين

يعد الإعداد الروحي للبنات من أهم مجالات الوظيفة التربوية للوالدين؛ حيث يتعهد الملَكات الفطرية لديها. ويبدأ هذا الإعداد منذ تكونها في بطن أمها، وذلك بذكر الأدعية التي تحصنها من الشيطان الرجيم عملا بقول الرسول صلى الله عليه “أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَرُزِقَا وَلَدًا لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ” [2].  لذا يجب على الوالدين عدم إغفال الدعاء بشكل عام وسؤاله صلاح الذرية وسلامتها، وكذلك التحدث مع الجنين وإسماعه كلام الله وعبارات الحب، خاصة وأن الأبحاث والتجارب أثبتت استجابة الجنين للمؤثرات الخارجية.

مرحلة الطفولة الأولى

تبدأ هذه المرحلة منذ ولادة الطفل إلى حين بلوغه 6 سنوات، وتنقسم بدورها إلى طورين؛ يمتد الأول من الولادة إلى سن 3 سنوات، والثاني من 3 إلى 6 سنوات. ونقصد بالطور الأول الفترة التالية لمرحلة الحمل مباشرة، وتعتبر أول محيط اجتماعي يحيط بالبنت، إذ يشكّل أول علاقاتها العاطفية مع والديها، وخاصة مع الأم التي تقضي إلى جانبها وقتا طويلا. فهي إذن القاعدة الأساسية في البناء الجسدي والعقلي والاجتماعي للبنت، ولذلك ركّز المنهج الإسلامي على إبداء عناية خاصة بهذه المرحلة، متمثلة بالقيام بالأذان في أذن المولود، إذ إنّ الحكمة منه أن يكون أول ما يسمعه المولود الأذان، الذي يشمل عظمة الله والشهادة بوحدانيته. وكذلك حسن اختيار اسمه، حيث أمر النبي بتحـسين الأسماء فقال: “من ولد له ولد فليحسن اسمه وأدبه” [3].

أما الطور الثاني فهو مرحلة ما قبل التمییز من المنظور التربوي الإسلامي؛ وتعد هذه المرحلة نقطة الارتكاز التي تكتسب البنت من خلالها جملة من المبادئ والخبرات التي تشكل نواة أولى لمنطلقات سلوكية تالية. وتتطلب هذه المرحلة من الوالدين إبداء عناية خاصة في تربية ابنتهما وإعدادها من خلال التعليم والتدريب، حيث يتعين على الوالدين مواصلة تعليم وتدريب ابنتهما بحسب ما تقتضيه مراحل نموها، وتتم عملية التعلم من خلال التوجيه المباشر بتبيان الحقائق لها، وترتيب المعلومات والمعارف لديها، ومن خلال التلقين بنقل المعارف لها عن طريق الحوار بما يتناسب وقدراتها على الفهم والاستيعاب والتجاوب. ومن الشواهد على ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: “قال رسول الله: أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هلْ يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟ قالوا: لا يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ، قالَ: فَذلكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بهِنَّ الخَطَايَا” [4].

أما عملية التدريب فتتم عبر تعويد البنت القيام بأعمال حتى تصبح عادة متأصلة في سلوكها. في هذا العمر يكون تقليد الكبار من الأمور المفضلة لدى الطفل، لذا فإن تخصيص خمار بلون تفضله الطفلة وتختاره بنفسها لترتديه حين تصحب والدتها إلى المسجد للصلاة، أو حين تريد تقليد أمها فتصلي معها أو بمفردها، يكون بمثابة تمهيد لحب ارتدائه فيما بعد. ومن الأفضل أن تقوم الأم بتفصيل ملابس الحجاب للدمية المفضلة لدى ابنتها، تكون ذات ألوان زاهية مزركشة تنتقيها الطفلة، وتقوم بتغييرها للدمية بنفسها. ومن المفيد أن تشاركها الأم في اللعب بها وانتقاء غطاء الرأس المناسب للون الجلباب الذي ترتديه الدمية، وفي تلك الأثناء تتحدث الأم إلى الدمية قائلة ـ مثلاً ـ ‘كم هو الحجاب جميل عليك! أرجو أن تكوني معنا في الجنة إن شاء الله، لأنك تطيعي ربك وتحبي حجابك، فالجنة مليئة بالأشياء الجميلة ومنها اللعب.. فمن خلال اللعب يمكن أن يتعلم الطفل أكثر وبشكل أيسر مما يتعلم بالتلقين أو الكلام المباشر.

مرحلة الطفولة الثانية

تمتد المرحلة الثانية من الطفولة، من 6 إلى 12 سنة، وتسمى في الفقه الإسلامي بمرحلة التمييز، ولها أهمية كبيرة؛ ففيها نقطة التحول، وفيها تبدأ حياة الجد والاستعداد. في هذه المرحلة ‘يرقى فكر الطفلة وتتنوع خبراتها، وتنمو قدراتها، وتتحول إلى طاقة إيمانية مستعدة لتقبل أوامر ربها، وتنفيذها أكثر من أي مرحلة أخرى في حياتها الماضية والمستقبلية؛ فإذا وجهت الطفلة الوجهة السليمة نحو الإيمان والخير، اندفعت إليهما في تعلق وشوق. لذا فإن دور الوالدين في هذه الفترة أن يستغلا هذا التطور الإيماني في نفسها، وأن يعملا على تقوية عقيدتها بالله. ولتلبية حاجيات هذه التغيرات وجب على الوالدين الاستمرار في تطبيق أسلوب التعليم والتدريب، بالإضافة إلى اعتمادهما أسلوب المكافأة لترسيخ قيمة الحجاب لدى طفلتهما. والمكافأة يمكن أن تكون متعددة الصور والأشكال، فإما أن تكون في غاية البساطة كأن لا تتجاوز المدح بكلمات طيبة ومشجعة، وإما أن تكون في صورة هدية عينية، أو حتى تلبية لرغبة معينة.

مرحلة المراهقة

المراهقة مرحلة من أخطر المراحل التي يمر بها الطفل ضمن أطواره المختلفة التي تتسم بالتجدد المستمر، وتحدث فيها مجموعة من التغيرات الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية. الفتيات في هذا العمر من 14 إلى 18 سنة ينتقلن من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الأنوثة، تلك المرحلة التي تمد شخصية الفتاة بفسيولوجية الأنوثة، والتي تكمن في بلوغها، وبروز شكل الأنثى في جسدها، وتتجه الفتاة بالفطرة إلى إبراز زينتها؛ سواء في عملية النظافة، أو الكلام، أو التفكير وطرقه، أو ارتداء الملابس، والنظر في المرآة، وإبراز الجمال والمفاتن، وتقليد النساء المشهورات، والاحتفاظ بصور ورسومات المشاهير اجتماعيا ووطنيا وفنيا ودينيا، أمر يروق لفتيات هذا العمر بالفطرة، وتطوره وتشكل خطاه المنظومة التربوية الأسرية.

هذه معلومات هامة عن تلك المرحلة، وعلى جميع الآباء والأمهات الوعي بها ومعرفتها جيدًا، لذلك يجب عليهم إعداد بناتهم للمستقبل بمحبة وحكمة، بعيدا عن القسوة والعنف وأساليب القهر والقمع، فأسلوب التربية لابد أن ينبني على فهم هذه الخصائص واستيعابها من خلال الاحتضان، بمصاحبة البنت لكسب ثقتها وحبها، ومن خلال الاستمرار في إغداق الحب اللامشروط عليها عن طريق إظهاره لها من خلال التعابير الشفوية واللمسات الحانية. كما يجب على الوالدين توقع الأخطاء من ابنتهما، لذا وجب عليهما اعتماد أسلوب الاحتواء، بنهي ابنتهما عن الفعل الخاطئ وتحذيرها من عواقبه أو التجاهل أو التأنيب.. من غير شتم أو لعن أو تحقير.

إن الفتاة تمر بتغيرات عاطفية تتزامن مع تغيرات جسدية، وهذا إعلان أن هذه الفتاة لم تعد طفلة تلهو وتلعب؛ بل هي فتاة ناضجة تستعد للقيام بأدوارها؛ لذا يجب على الوالدين مراعاة هذه المرحلة والتعامل معها بحكمة ورفق. وأكثر ما يجب مراعاته هو البناء النفسي لها، الذي يستلزم توفير ثلاث حاجات نفسية أساسية تسهم في توافق البنت وفعاليتها النفسية، وهي:

1. الحاجة إلى الانتماء: تتمثل في حاجة البنت إلى الشعور بالأمن الناتج عن الارتباط بالآخرين، والشعور أنها جزء من مجموعة، ولذلك نجد اهتمامها بجماعات الأقران وتكوين الصداقات، لذا وجب على الوالدين فسح المجال أمامها لتكوين الصداقات مع التوجيه والإرشاد.

2. الحاجة إلى الاستقلال: حيث تحتاج البنت الشعور بالحرية في القول والفعل، ولذلك تسعى إلى التخلص من رباط التعلق الطفلي بوالديها وترغب في تكوين شخصيتها المستقلة، ولا بد أن يتم هذا الفطام النفسي من جانب الوالدين أيضا، بفسح المجال أمامها لتحمل المسؤولية، وذلك بالإيمان بقدراتها.

3. الحاجة إلى الثقة: لينمو لديها الشعور بالمسؤولية، وتقدير الذات وإدراك دورها وأهميتها، مما يضفي على شخصيتها التكامل، لذا وجب على الوالدين فسح المجال أمامها لتحمل المسؤولية، وذلك بالإيمان بقدرتها على المشاركة في اتخاذ القرارات، فيؤخذ برأيها، وتوكل لها مهام تؤديها.

تفهم واستيعاب هذه الحاجات يحتم على الوالدين تغيير خطابهما مع ابنتها، بالارتقاء من صيغة الأوامر إلى صيغة الإشراك والتفاوض، لأن الأوامر غالبا ما ستقابلها بالعناد والعصيان؛ لأنها تعتقد بأنها تقيد حريتها، وتضيق عليها في ملبسها وفي شكلها، وبالتالي لن يكون لهذه النصائح، في مثل تلك السن، أي وقع على الفتاة، إلا إذا كانت من بيت تربت فيه على الأخلاق والقيم الإسلامية الصحيحة. فقضية التزام بناتنا بارتداء الحجاب قضية استعداد نفسي منها لتلقي أمر ربها بتقدير وإجلال، بل بحب وغيرة، بل بنصرة وتمكين.


[1] رواه أحمد والتِّرْمذي.
[2] صحيح البخاري.
[3] أخرجه البيهقي.
[4]  صحيح مسلم.