جينات الشيخوخة
اكتشف العلماء مؤخرا الجين الذي له علاقة وطيدة بظهور أمراض الشيخوخة، ولازال بحثهم مركزا على كيفية عمله وتأثيره على جينات أخرى مسئولة عن ترسيب بروتينات تؤدي إلى ظهور بعض أمراض الشيخوخة الشائعة، كألزهايمر والتهاب المفاصل ووهن العظام وأمراض القلب. فلندع فريق البحث ينقب في الجينات البشرية ويحاول فهمها بذهول، و لنلتفت قليلا برحمة إلى هذا الإنسان في كليته، وهو يؤول إلى ضعف بعد قوة وإلى نكوص بعد صعود، وإلى هرم وشيخوخة بعد شباب وفتوة، كيف تتباطأ خطواته وتثقل حركاته، وهو يقترب من المحطة الأخيرة من مشوار حياته، يتغاضى عن هذه التغيرات التدريجية في جسده وذاكرته وقوة احتماله للمرض، حتى يعمه الضعف حين ينخر عظمه الذي كان يستند إلى صلابته، ثم يتربع الشيب جليا في قمة رأسه نذيرا له ولغيره، فيحس بنفسيته تتهاوى كجدار متآكل تحت عوامل الزمن، فلا يملك إلا أن يقول بصوت واهن مستسلم، وقد تسربت الشيخوخة إلى نفسه وقلبه: دعوني وشأني، فقد بلغني الكبر.
طفولة ثانية أم حساسية طبيعية؟
من اللحظة التي ينطق فيها بهذه الكلمات مستسلما لضعفه، وأثرها يكبر في نفسه، فيحس بمشاعر متضاربة من اليأس ونقص الطموح والخوف وعدم الاستقرار وفقدان الثقة بنفسه وبالناس من حوله، فتجده مائلا للعزلة، رافضا للمعارف الجدد، يضم إليه الأبناء والأشخاص المألوفين بغيرة كبرى، يتشبث بهم تشبثه بالحياة، ويرفض التجديد والخروج عن العادة رفضه للموت والخروج من الحياة.
هي أشبه بما أحس وهو يدرج في طفولته الأولى منغلقا في دائرة والديه ورعايتهم، لكنها على كل حال أحاسيس طبيعية يجب فهمها واحتواؤها برفق وسط العائلة والمجتمع حفاظا على المكانة الكبرى التي يحظى بها المسنون في شرعنا الحنون،لا الرمي بهم في دور العجزة على عادة المغربين.
تأمل وحكمة
إنه لمن رحمة الله عز وجل بالإنسان، في هذه المرحلة الحرجة من حياته، وهو اللطيف الخبير سبحانه، أن يخفف من عمل خلاياه العصبية المجهدة المحدودة عدديا -كما يثبت العلماء- فنلاحظ ما نلاحظ من ضعف في ذاكرته القريبة واستعداده لاكتساب المهارات الجديدة، وهو -إن تأملنا في أبعاده- ضعف مريح، ليركز جهده العقلي في التأمل بحكمة في ذاته وإعجاز خلقه متحفزا متهيئا لآخرته. هذا النقص في الذاكرة منسجم مع نفسيته الحساسة الهشة، لكي تغطي ذكرياته الجميلة البعيدة لماضيه الحافل بالإنجازات والعلاقات الطيبة على تفكيره في عجزه الطارئ وضعف جسده وعطالته عن العمل.
الجانب الجسدي: ضعف عام
وهن في العظام والمفاصل والمناعة وكافة الأعضاء، تتراوح حدته من شيخ لآخر,يستوجب -بدون شك- رعاية طبية شاملة دون تهميش أو تعطيل، هي وحدها كفيلة بالتخفيف من وطأة الجسد المنهك على النفس والروح.
منهاج رعاية المسنين
وأخيرا، لا أجد أحكم ولا أشمل من الآية الكريمة أختم بها، تسطر للأبناء وللمجتمع منهاجا حكيما رحيما لرعاية المسنينإما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا.