بعد وقف إطلاق النار بين إيران والكيان الصهـيوني.. ميزان الربح والخسارة

Cover Image for بعد وقف إطلاق النار بين إيران والكيان الصهـيوني.. ميزان الربح والخسارة
نشر بتاريخ

في تطور يعد الأخطر الذي تشهده المنطقة منذ عقود، تبادلت إيران والكيان الصهيوني الضربات العسكرية المباشرة لأول مرة بشكل جدي وعلني، قبل أن تعلن هدنة مفاجئة رعتها وساطات دولية.

نعرض فيما يلي قراءة مركزة لنتائج المواجهة، على المستويين القريب والاستراتيجي:

الكيان الصهيوني: تفعيل دفاعي هائل لم يستطع تفادي ضربات موجعة جدا

1- الخسائر

– ضحايا وتكلفة اقتصادية: سقط عدد من القتلى وعشرات الجرحى نتيجة الضربات الإيرانية، رغم اعتراض نسبة كبيرة من الصواريخ والمسيرات.

 – تعرض عمق الأراضي المحتلة للهجوم: للمرة الأولى تُقصف مراكز حساسة في تل أبيب وبئر السبع ومطار بن غوريون وحيفا ومناطق أخرى حساسة، مما كشف ثغرات دفاعية قائمة رغم التكنولوجيا المتقدمة.

– قلق داخلي متزايد: الهجمات أعادت للواجهة الانقسام الداخلي حول الأداء السياسي والعسكري لحكومة العدو، وحول الجدوى أصلا من خوض هذه المعركة التي لم تحسم شيئا. فلا هي تأكدت من تدمير البرنامج النووي الإيراني، ولا هي قامت بالردع المطلوب للإيرانيين، وسط توتر مجتمعي يتصاعد منذ شهور.

ما حدث للكيان الصهيوني من قبل إيران يمكن اعتباره بمثابة “طوفان أقصى ثان” بالنظر إلى ما تحقق من إسقاط لهيبة العدو، وعدم نجاحه في تحقيق هدف تغيير النظام أو تدمير كامل للبرنامج النووي الإيراني.

2- المكاسب

– تفوق تقني دفاعي: تصدت القبة الحديدية ومنظومات الدفاع الأخرى لعدد كبير من الهجمات، مما أرسل، رغم الخسائر الفادحة التي سجلتها الصواريخ والمسيرات التي أصابت الهدف، رسالة بأن الكلفة الهجومية باهظة جدا، مقابل الهجمات التي شنها الكيان بالطيران الحربي.

– دعم دولي لرد الفعل: استفاد الكيان الصهيوني من دعم سياسي واضح من الغرب، لا سيما الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا، في ظل غياب تنديد صريح بالغارات على إيران.

3- استراتيجيًا

– رسالة قوة إقليمية: أكدت تل أبيب أنها قادرة على الوصول إلى العمق الإيراني إذا لزم الأمر.

لكن؛ هشاشة الجبهة الداخلية وارتفاع كلفة التصعيد قد تفرض على الكيان إعادة النظر في خياراته المستقبلية، خصوصا في الحروب التي قد يطول أمدها وتؤدي إلى انكشاف واستنزاف واضحين.

إيران: ردود فعل قوية، وردع مفاجئ واضح رغم فداحة الضربة الغادرة الأولى وخسائر أيضا كبيرة في العمران والأرواح

1- الخسائر

– ضحايا في الأرواح وفي القادة، ودمار واسع في مواقع عسكرية ومدنية: استهدف الكيـان الإسرائيلي عدة مقار ومخازن تابعة للحرس الثوري ومواقع تطوير صاروخي، وأوقعت خسائر بشرية وعسكرية وعمرانية معتبرة.

– تدهور اقتصادي متسارع: زاد الضغط الاقتصادي بفعل التوتر وكلفة الرد، خصوصا مع استمرار الحصار الغربي وتهديدات بعقوبات غربية جديدة وعزوف عدد من الشركات الأسيوية عن الاستثمار والتعامل الاقتصادي مع ايران.

– تحديات داخلية تتصاعد: يعاني الشارع الإيراني أصلا من ضغوط اقتصادية وسياسية، قد تتفاقم مع كلفة هذه الحرب، وكلفة التعمير والتعويض.

2- المكاسب

–  كسر “الخطوط الحمراء”: لأول مرة منذ سنوات، نفذت إيران هجوما صاروخيا جديا مباشرا على الكيان الصهيوني، في تطور مفاجئ يعيد صياغة قواعد الاشتباك، وقواعد الردع لصالح إيران، ودعما لمناصريها في المنطقة.

–  تعزيز محور المقاومة: تلقت طهران دعما معنويا وشعبيا في العالمين العربي والإسلامي، وظهرت في صورة الدولة التي لا تقف صامتة أمام العدوان.

3- استراتيجيًا

– إعادة تموضع في معادلة الردع: أظهرت إيران أنها مستعدة للدخول في مواجهة مباشرة رغم الأخطار المحتملة، مما يرفع من سقف تأثيرها في أي مفاوضات مقبلة، خصوصًا بشأن الملف النووي الذي لا يبدو أن الضربات قد نالت منه جديا.

لكن؛ الخسائر البنيوية والاختراقات الأمنية في القدرات والتعرض المباشر للقصف، يكشف الحاجة لإعادة تقييم جاهزيتها الدفاعية والاستخباراتية والعسكرية.

وفي الخلاصة وبميزان الربح والخسارة: يبدو للوهلة الأولى صعبا تحديد المنتصر من المنهزم في حرب يملك فيها الطرفان قوة هجوم وردع جوية شبه متكافئة (الصواريخ البالستيية مقابل الطيران الحربي) ولم تكن فيها مواجهات برية مباشرة، لكن بالرجوع لأهداف الحرب يمكن الحكم على النتائج:

– الأهداف الإسرائيلية كانت: تدمير البرنامج النووي، وتدمير بنية عسكرية وعمرانية مهمة وإحداث ارتباك استراتيجي بضربة أولية استباقية واسعة ومؤلمة استهدفت قيادات وكفاءات علمية وازنة، واستنزاف القوة الصاروخية الإيرانية بالقبة الحديدية المنتشى بها، ثم، تبعا لذلك، جر إيران للاستسلام.

– ماذا تحقق من ذلك؟

رغم الخسائر الفادحة لإيران في القيادات وفي العمران، يمكن الجزم أن الأهداف التي رسمها العدو الصهيوني لم تتحقق.

لكن الذي ترسم في نهاية الحرب هي قوة ردع إيرانية وانكشاف إسرائيلي في قبته الحديدية وفي سوء تقديره للقوة العسكرية الإيرانية، وفي ضعف التحمل عند المستوطنين.

إن ما جرى بين إيران والكيان الصهيوني لم يكن إلا فصلا من صراع طويل بين الأمة الإسلامية والصهاينة المحتلين للأرض المباركة تعاد فيه، بين الفينة والأخرى، رسم خرائط التأثير في المنطقة المحيطة بفلسطين المحتلة.

– أسباب التصعيد لا تزال قائمة:

إن وقف إطلاق النار قد أسدل الستار عن مرحلة من هذا الصراع، ومهما بدا مساهما لتخفيف التوتر، فإن أسباب التصعيد لا تزال قائمة: الاحتلال الإسرائيلي وطبيعته الإجرامية والتوسعية الغادرة. واستمرار ملفات مفتوحة في المنطقة، من البرنامج النووي الإيراني إلى النفوذ في سوريا ولبنان، ومن الضغوط الغربية إلى الانقسام السياسي داخل الكيان الصهيوني.

– التأثير على العدوان في غزة:

يبدو أن المسارين منفصلان، لكن ما تعرض له الكيان الإسرائيلي في هذه الحرب مع إيران من دمار وخسائر بشرية غير مسبوقة، وما يعاني منه تبعا لعدوانه الجاري على غزة منذ 7 أكتوبر 2023، من استنزاف وخسائر أيضا في الجنود والآليات ومن سمعة ملطخة لدى الرأي العام الدولي، ومن توتر داخلي… قد يدفعه كل ذلك إلى التعجيل بإيقاف الحرب على غزة. لكن عنجهية نتنياهو المعروفة ومصيره الشخصي المرتبط بحساب ما بعد إيقاف العدوان على غزة، والدعم الأمريكي المفتوح قد يدفعه إلى الاستمرار في العدوان على غزة لأجل غير واضح لا له ولا لغيره.

لكن صمود المقاومة بإذن الله وصمود المدنيين وتشبثهم المذهل بأرضهم وباحتضان المقاومة، لن يجعل أيام الإجرام الصهيوني في غزة إلا معدودة، رغم الأثمان الباهظة المستمرة في الأرواح وفي العمران وفي مقومات الحياة بالقطاع. لكنه طريق التحرير الوحيد ضد عدو محتل متغطرس غادر.

ولله عاقبة الأمور.

قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ۖ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا [الإسراء: 51] صدق الله العظيم.

والحمد لله رب العالمين.