بداية الحكاية وإرهاصات التأسيس.. الأستاذ أرسلان يعرّفنا على ولادة “العدل والإحسان”

Cover Image for بداية الحكاية وإرهاصات التأسيس.. الأستاذ أرسلان يعرّفنا على ولادة “العدل والإحسان”
نشر بتاريخ

نشرت بوابة العدل والإحسان، في إطار احتفاليات الجماعة بالذكرى الأربعين لتأسيسها، حوارا مرئيا مع الأستاذ فتح الله أرسلان؛ عضو مجلس إرشاد الجماعة ونائب أمينها العام والناطق الرسمي باسمها، مساء أمس الأحد 30 أكتوبر 2022، يعدّ الأول في سلسلة من الحوارات التعريفية بالجماعة منذ التأسيس إلى اليوم، والتي تعتزم البوابة إجراءها مع ثلة من المؤسسين، استقاء للخبر من نبعه.

تخليد “التأسيس”.. مناسبة لغايات متعددة

وكان أوّل ما تطرق له الأستاذ أرسلان في الحوار الذي أجراه معه الإعلامي محمد الإبراهيمي، أذيع على صفحة قناة الشاهد على الفيسبوك، أهداف هذا الاحتفاء، حيث اعتبره “مناسبة طيبة للوقوف مع ما أنجزته الجماعة طيلة هذه السنوات لتثمين الإيجابيات ومراجعة السلبيات”، وهذا دأب كل “عمل راشد”، إذ “يجب أن تكون له مناسبات للمراجعة والنظر في مستقبل العمل”.

وهو أيضا، يضيف، مناسبة لإطلاع الأجيال الملتحقة، التي قد تغيب عنها بدايات تأسيس الجماعة ومسارها والأحداث التي وقعت والمواقف التي اتخذت، على تاريخ الجماعة ومفاصلها الأساس.

بالإضافة إلى التماس التواصل مع مكونات المجتمع، التي عاينت عمل الجماعة كمكون للمشهد المغربي مدة من الزمن غير يسيرة، استقراء لرأيها. كل ذلك من أجل تقييم تجربة الجماعة سواء بأعين أعضائها أو بأعين من يتقاسمون معهم العمل لخير الوطن.

هذا كانت البداية

واستهل الحوار، الذي نقف في هذا التقرير مع جزئه الأول، بالتأريخ للجماعة قبل بدايتها رسميا، وبالتحديد عندما انبرى رجل خبر عن قرب مدى التردي الذي كانت تعاني منه البلد، والذي تجلى في مظاهر البعد عن الإسلام وعن الحكم الراشد والحقوق الدنيا التي يجب أن يتمتع بها الإنسان.. فآثر إرسال رسالة سماها “الإسلام أو الطوفان” إلى ملك المغرب آنذاك الحسن الثاني رحمه الله، واقترح عليه ما اقترح من التوبة العمرية وأمور أخرى. وكانت النتيجة، يوضح الأستاذ أرسلان، أنه اعتقل مدة ثلاث سنوات ونصف بين مستشفى المجانين ومستشفى الأمراض الصدرية.

بعد خروجه من المعتقل، فكر الأستاذ عبد السلام ياسين في النزول إلى الساحة والمبادرة إلى العمل، وكان يؤمن بأن كل قطر يجب أن تكون فيه جماعة واحدة، لا جماعات متعددة، لذلك بدأ الاتصال بالجماعات وبالشخصيات الإسلامية الذين يتحركون في المجتمع بغية تجميع الجهود وتوحيدها في إطار، استمر ذلك حوالي سنة ونصف، لكن مع الأسف باءت المحاولة بالفشل، يخبر الأستاذ أرسلان، ويرجع أسباب ذلك لكون الظروف لم تكن قد نضجت بعد.

وتأسست “أسرة الجماعة”

ظهر إذن أن الواقع لا يسعف، فلم يبق أمام الإمام والثلة التي كانت معه إلا أن يؤسسوا، بعد التوكل على الله، هذه الجماعة.

“دخلنا المعترك وما زلنا نؤمن بأن أيدينا لابد أن تبقى مفتوحة لكل الكفاءات من أجل التعاون والتنسيق، لا القطيعة أو التدابر أو التطاحن، لذلك اتخذنا كإسم: “أسرة الجماعة”. لم نتحدث عن جماعة، بل اعتبرنا أنفسنا أسرة ضمن هذه الأسر”، يحكي أحد رجالات الجماعة الذين حضروا هذا التأسيس، الأستاذ فتح الله أرسلان.

آمن المؤسسون الجدد بمجموعة من الأهداف وضعوها اعتمادا على ما عايشوا من تموجات الهيئات والأشخاص العاملين للإسلام، حيث كانت تترك معظمها الجانب التربوي الإحساني السلوكي، وكل ما يخص العلاقة بالله سبحانه وتعالى، وهو ما يمثل روح الإسلام ولبه، وتعده أمرا شخصيا منوطا بالأفراد، يتعلق بالتصوف والزوايا والشيوخ.. في حين “اعتبرنا نحن أنه جانب أساسي، وأننا سنقدم فيه إجابات عملية، خصوصا في وقت أصبح شباب الحركة الإسلامية يشتكي من الخواء الروحي، وأصبحت المشكلة طافية على السطح” يعلن أرسلان وهو يبسط ما كانوا يعتبرونه إضافة نوعية في المشهد التغييري ودافعا لإنشاء هذه التجربة.

الجانب العدلي -أيضا- وموقف الإسلام منه، والدفاع عن حقوق المستضعفين، مجال كانت الحركة الإسلامية “بصفة عامة تتعامل معه بشيء من السطحية، فكانت هناك شعارات ترفع، لكن على مستوى الميدان والتخطيط والبرمجة قليل من الجماعات من كانت فاعلة في هذا المضمار، واعتبرنا نحن أن هذه المسألة من لب عملنا وأنه دين من الدين، وهو من الأمور التي يمكن أن نقدمها”.

لاءات ثلاث ومنهاج واضح

وبيّن صاحب الإمام خلال مسيرة طويلة من التأسيس والتطور، جوابا حول سؤال عن كون الكثير من القوى الإسلامية كانت تنهج منهج السرية للحفاظ على تواجدها في المشهد السياسي، في ظروف غلبت عليها سمة القمع الشديد والتنكيل والاعتقالات، وهي الفترة التي سماها الحقوقيون بفترة “الجمر والرصاص”، أن الجماعة اتبعت منذ بداية تأسيسها السبل القانونية، ونبذت السرية.

ويذكر الأستاذ أرسلان “في هذه الفترة، حينما فكرنا أن ننشر فكرنا وأن نؤسس الجمعية، كانوا يسموننا “الانفضاحيين”.. لأن السرية كانت جاثمة على الحركة الإسلامية سواء في المغرب أو خارجه”.

ويزيد مفصلا: “في تلك الفترة، في الحوارات التي دارت بين الجماعات، في محاولات التنسيق أو غيرها، كانت مسألة السرية والجهرية من أول النقط التي تطرح للنقاش. وكنا نقول لهؤلاء الناس: نطرح أولا ماذا نريد أن نفعل؛ برامجنا وكل ما نريد القيام به، ثم ننظر بعدها إن كانت هذه الأمور تحتاج إلى الكتمان أم أنها أمور عادية معروفة فنعلن عنها، ولكنهم كانوا يرفضون بشكل تام هذا النهج”.

غير أن الإمام ومن معه كانوا يؤمنون بأن “السرية ظلام وصبيانية، فالحكام كانوا يعلمون كل شيء عن هذه التنظيمات، وكان من صالح الأنظمة أن تعمل هذه التنظيمات في سرية ليسهل أن تلحق بها أي تهمة تريد، وكان الناس سيصدقونهم لأنهم لا يعرفون هذه الحركات” يكشف المتحدث.

عمد المؤسسون إذن إلى طرح منهاج الجماعة وتصورها ومشروعها حتى يعرفه الجميع، وحتى ينضم من يشاء على علم ومعرفة، فتم السعي “إلى تأسيس إطار شرعي هو “جمعية الجماعة” ثم رفضت فسميناها “جمعية الجماعة الخيرية”..

وكان من المبادئ التي أعلنت عنها الجماعة آنذاك أنها: حركة مغربية وطنية، تنبذ السرية وتنبذ التعامل مع أي أطراف خارجية. يروي عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان: “استبقنا الأمر حتى لا تجرؤ السلطة على أن تلفق لنا أي تهمة. اعتبرنا أن هذا الوضوح شيء مهم، له ثمن، لكن ثمنه أهم من أن نظل في ردهات السرية”.

حرصت الجماعة أن تحافظ على استقلاليتها، فهي “جماعة قطرية بمنهاج محلي قطري، وضعه أناس يعيشون في هذا القطر، مشروعها واضح، عملها داخل المغرب مع مختلف شرائح المجتمع”. ورفعت لاءاتها الثلاث (لا للسرية، لا للعنف، لا للتعامل مع الخارج) التي من ضمنها عدم التبعية لأي جهة خارجية؛ دولة كانت أو تنظيما أو شخصا.