الوثيقة السياسية العدل والإحسان.. إطلالة على أهم الأفكار

Cover Image for الوثيقة السياسية العدل والإحسان.. إطلالة على أهم الأفكار
نشر بتاريخ

قدّمت الأمانةُ العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، وهي المؤسسة المتخصصة أنشأت بداية عام 1998 للتصدي للشأن العام، “الوثيقةَ السياسيةَ” للجماعة في خطوة سياسية مهمة من فاعل مجتمعي وسياسي لا يفتأ يدعو الجميع، ويَمُدّ يدَ الحوار للجميع، -“رغم القمع والتضييق والشيطنة التي مارستها السلطة على الجماعة على مدى عشرات السنين” كما عبرت بذلك الوثيقة- من أجل القضايا الجوهرية للوطن، مُقدِّمة تشخيصا دقيقا وجريئا لمكامن الخلل، ومُستشرِفة ومُقترحة مدخلات للإصلاح والتغيير.

وقد جاءت هذه الوثيقة على امتداد قرابة المائتي صفحة، توزعت بين تقديم سياقي ومحور تمهيدي تأصيلي للمنطلقات والأفق، وثلاثة محاور تفصيلية في ثلاثة عنوان دالّة اشتملت على 777 إجراء ومقترحا عمليا.

وسنحاول في هذه الورقة استعراض أهم ملامح هذه الوثيقة الهامة في مختلف أبعادها الشكلية والجوهرية.

مقدمات في السياقات والدواعي والمقاصد والخصائص

1.   قراءة في أزمنة الوثيقة

اختارت قيادة الجماعة أن يكون الإعلان عن الوثيقة السياسية يوم الثلاثاء 6 فبراير 2024 في ندوة صحفية، تضمنت فقرات وأرضيات ثم تجاوبٌ مع أسئلة الصحفيين وعموم الحاضرات والحاضرين. وهي ندوة معلن عنها مسبقا في مؤشر على الاستمرار في خيار التواصل المباشر الذي مضت فيه الجماعة رغم ضيق /تضييق الفضاءات وشحّ الوسائل والإمكانيات.

ويأتي هذا الإعلان بعد أزيد من ثلاثة أشهر من المصادقة على الوثيقة في الدورة الخامسة والعشرين للمجلس القطري للدائرة السياسية للجماعة الذي انعقد يومي 21 و22 أكتوبر 2023. وبعد أزيد من أربع سنوات من الإعداد المتواصل للوثيقة من قبل مؤسسات الجماعة، ومكاتب الدراسات والخبرة، وأطر الجماعة التخصصية والميدانية.

هذا من حيث زمن الإعلان وزمن الإعداد، أما زمن المفعول فقد صرّحت الأمانة العامة للدائرة السياسية في ذات الندوة أن الوثيقة السياسية تغطي مقترحاتُها زمنا مستقبليا يقارب العقد من الزمن مما يجعلها وثيقة تأطيرية هامة للعمل السياسي للجماعة خلال هذا المدى القريب.

2.   سياقات متداخلة

ميّزت الوثيقة بين عدة أنواع من السياقات التي وسمت صدورها في هذا التوقيت:

·      سياق داخلي: هو سياق تراكمي جاءت فيه الوثيقة السياسية استمرارا لنهج الجماعة الثابت في نشدان الخير للوطن والمواطنين، والحضور الفاعل في قضايا الوطن، وتكثيف الجهود وتوحيدها، وفتح مسارات قابلة للتحقق إيقافا للنزيف الحاصل في حاضر الوطن ومقدراته وزمن تنميته، والتأسيس لمستقبل الكرامة والحرية والعدالة.

·      سياق وطني: تميّز باستمرار تغول السلطوية في المغرب، وتمادي الحاكمين في إهدار كرامة المغاربة ومصادرة حقوقهم بمختلف أصنافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتردي الأوضاع المعيشية وتفشي الفساد، وانحلال الأخلاق، وإفلاس السياسات المتّبعة. وهذا نذير انحباس ومؤشر انهيار وتصدع شامل للنظام الاجتماعي لا قدر الله.

·      سياق دولي: يعيش فيه المنتظم الدولي تقاطبا حادّا بين قوى الاستكبار العالمي، وعجزا أمميا عن ضمان السلم العالمي، والكرامة الآدمية، والمساواة العرقية والثقافية في العالم. وبالمقابل تعاظمت الغطرسة الصهيونية وتغولها في بلاد المسلمين ومنها بلدنا المغرب.

3.   دواعي الإصدار ومقصده

لخّصت الوثيقة دواعي إصدار الوثيقة في ثلاثية مُعبِّرة وهي:

·      المسؤولية أمام الله عزّ وجلّ.

·      القيام بالواجب تجاه وطننا.

·      الوضوح.

أما المقصد فالوثيقة لا تدّعي أن تكون هي العصا السحرية لمشاكل البلد المعقدة، بل هي ترمي أن تكون خطوة على طريق الإنقاذ إلى جانب باقي مبادرات الفضلاء والغيورين لتجنيب بلادنا مختلف الأخطار المحدقة بها.

4.   شروط التنفيذ السليم

يقتضي تنفيذ مقترحات الوثيقة السياسية توفر جملة من الشروط لعل من أهمها حسب الوثيقة نفسها بعد التوفيق الإلهي:

·      توفر الإدارة السياسية الحقيقية للخروج بالبلد من مآزقه ووضعه فوق السكة الصحيحة للإصلاح والتغيير.

·      التداعي والنهوض الجماعي والتعاون المشترك بين كل الفاعلين.

·      الرهان على ذكاء ومروءة وغيرة الصادقين.

·      وجود سند شعبي حاضن لاختيارات الوثيقة.

5.   خصائص عامة لمضمون الوثيقة

لامست الوثيقة جلّ قضايا الشأن العام، واعتمدت لغة مشتركة تسهل التفاهم والتواصل، مُحاوِلة التركيز على المبادئ الاستراتيجية الراسخة والممتدة زمنيا، مع تغليب الاقتراح أكثر من التشخيص الذي حضر باقتضاب لضرورات التقديم لبعض المقترحات.

كما اتسم مضمون الوثيقة بالواقعيّة السياسية حيث قدم مقترحاته في حدود التغيير الممكن، مستحضرا التحولات الدولية والإقليمية والأزمات المحلية. كما قدمت الوثيقة مقترحاتها في حدود وسطى بين التنظير المجرد والإجرائية التنفيذية، مع الحرص على تكامل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية في نسق تكاملي واحد.

منطلقات مؤسِّسة وأفق واضح

إن فهم المقترحات في المحاور الثلاثة الأساسية التي جاءت الوثيقة السياسية لبسط مقترحات الجماعة فيها، كان ولا بُدّ أن توضع في سياق المنطلقات التي تؤسِّس عليها الجماعة عملها السياسي، وأفق التغيير الذي تقترحه على شركاء الوطن. ولهذا اختارت الوثيقة أن تعنون هذه المنطلقات بالآية الكريمة من سورة النحل التي اتخذتها الجماعة شعارا لها في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾.

وقد أعاد هذا المحور التأكيد على هوية الجماعة ومرجعيتها وشعارها، وكذا الأسس والغايات التي يروم مشروعها السياسي تحقيقها، وفي مقدمتها بناء الإنسان وتشييد مجتمع العمران الأخوي وترسيخ القيم الإسلامية في التأسيس لمفهوم المواطنة. كما ذكّر هذا المحور بالأهداف العامة للمشروع السياسي للجماعة المتمثلة أساسا في بناء نظام سياسي تكون روحه شورية وآلياته ديمقراطية يفضي إلى بناء دولة العدل بمعانيه الشرعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية. وصون هذا النظام المنشود لكرامة الإنسان المواطن وتحقيق حريته، وترسيخ فضيلة الوحدة والتعاون.

ومن خصائص هذا المشروع حسب ذات الوثيقة: الأصالة – تكامل الأبعاد – الوضوح – النسقية – المستقبلية – الوسطية والاعتدال – التدرج والمرونة.

إجراءات عملية في مجالات ثلاثة

ميّزت الوثيقة في مقترحاتها بين ثلاثة مجالات اختارت لكل واحد منها عنوانا ناظما وعناوين فرعية، وذيلت بمقترحات عملية.

1.     ففي المحور السياسي اقترحت الوثيقة السياسية للجماعة 220 مقترحا عمليا نظَمته تحت عنوان: حرية وعدل وحكم مؤسسات.

وفرعت الوثيقة مقترحاتها في هذا المحور إلى مجالين؛ بسطت في أولاهما تصورها لبناء دولة العدل والكرامة والحرية، التي تقتضي حسب الوثيقة الانتقال من مجتمع الدولة إلى دولة المجتمع، ومن السلطوية المدسترة إلى الدستور الديمقراطي جاعلة السلطة التأسيسية الجماعية المدخل السليم لتحقيق هذا الدستور المفضي لفصل السلط وتوازنها وتعاونها. وهي أيضا دولة، تواصل الوثيقة وسمَ خصائص الدولة المقترحة، الحقوق والحريات، ودولة اللامركزية والإدارة المواطنة الفاعلة، وهي أيضا دولة مستقلة منفتحة في محيطها الإقليمي والدولي.

أما في المجال الثاني من هذا المحور السياسي فخصّصته الوثيقة لتقديم مقترحاتها في بناء دولة مؤسسات بسلط تشريعية وتنفيذية وقضائية مستقلة وفاعلة، تدعمها هيآت الحكامة، وتوفير ممارسة سياسية وحزبية ونقابية وجمعوية سليمة. كما قدمت الوثيقة مقترحات في السياسات الأمنية والدفاعية للدولة، إضافة إلى مجال الوقاية المدنية.

2.     في المحور الثاني: اختارت الوثيقة أن تجسد الترابط الوثيق بين المجالين الاقتصادي والاجتماعي أو بين جدليتي التنمية والعدالة، وجمعتهما تحت عنوان: عدالة وتكافل وتنمية مستدامة. وقد انطلق هذا المحور من تشخيص مقتضب للاختلالات الأساسية للنسيج الاقتصادي الوطني، ليتبعها بمرتكزات أساسية في تحقيق التنمية الشاملة.

وقد غطت المقترحات في هذا المحور الهام عدة مجالات كان الخيط الناظم لها هو البحث عن سياسة اقتصادية تخدم التنمية المستدامة، مع محاولة البحث لها عن منظومة تمويلية كافية، لتحقيق عدالة اجتماعية وفرص متساوية في التنمية الاجتماعية والمجالية.

3.     أما المحور الثالث والأخير فخصّصته الوثيقة للمجال المجتمعي مميزة إياه عن المجال الاجتماعي بما هو هذا الأخير عبارة عن سياسات اجتماعية، مفضلة أن تكون المقترحات في هذا المحور خادمة لبناء مجتمع كريم متضامن بتربية متوازنة. وقد توزّعت المقترحات في هذا المحور بين تدبير المجال الديني بما أن الدين حافظ للفطرة الإنسانية، وصائغ للهوية المجتمعية.

كما أولت وثيقة الجماعة أولوية قصوى للأسرة باعتبارها عماد أي بناء متين للمجتمع، تُثمر طفولة سليمة تشكل صمّام أمان المستقبل، مع جعل الاهتمام بأصحاب الوضعيات الخاصة مسؤولية الجميع. وقد حضرت المرأة بقوة في مقترحات الجماعة باعتبارها قلب كل تغيير مجتمعي، إلى جانب الشباب عماد الوطن كفئتين استراتيجيتين.

قضية التربية والتعليم كان رافعة أساسية لكسب رهانات هذا المحور، حيث شخصت الوثيقة اختلالات هذه المنظومة مقدمة مدخلين أساسيين؛ مدخل سياسي ومدخل تربوي مجتمعي ناظمين لعدد من المقترحات والتدابير والأولويات. كما أولت الوثيقة حيزا هاما لوسائل التنشئة والتأثير الأخرى من إعلام وثقافة وفن ورياضة ضمن مقترحاتها في هذا المحور الثالث.

يمكنكم مطالعة وتحميل الوثيقة عبر هذا الرابط.