الهزيمة النفسية… أو عندما تنكسر الإرادة

Cover Image for الهزيمة النفسية… أو عندما تنكسر الإرادة
نشر بتاريخ

مدخل

لا يدعي هذا المقال لنفسه أنه سيحسم بشكل قطعي في طبيعة هذا العطب، وأسبابه، وسبل الشفاء منه، إنما هدفه الأول هو تدشين القول في موضوع قليلا ما تُعطى له الأهمية في النقاشات التي تروم البحث في أسباب خمول الفرد المسلم وذهوله، وتدهور الأمة وانحطاطها. ومن ثم فإننا سنركز هنا على أهم العوامل المنتجة لهذا الداء، مع الوقوف عند أهم تجلياته، عارضين في البداية عددا من الأسئلة التي تسعى لتقريب الإشكال إلى ذهن القارئ، معرجين على أنموذجين نطبق عليهما منهجنا في تفسير الظاهرة، خاتمين ببعض الخلاصات.

1. أهمية الموضوع

لعل أهم الأسباب التي تبرر الخوض في مناقشة هذا الموضوع تتمثل أساسا في:

– ضرورة الإحساس بجسامة المسألة وخطورتها في إفشال أي مشروع تغييري كيفما كان حجمه وعمقه وجديته، سواء كان فرديا أو جماعيا.

– الحث على القضاء على هذا الداء العضال حتى لا يُفرّخ أمراضا أخرى من جنسه.

– الوعي أن سنة الله لا تُحابي أحدا، وأن نصر الله رهين بشروطه، وعلى رأسها: الإيمان والعمل الصالح، وما يتطلب الأمر من إعداد طويل، واستيعاب لسنة التدرج، والأهم؛ أن يرافق ذلك اليقين التام بموعود الله تعالى بالنصر والتمكين.

– تقديم الدليل الشرعي، والعقلي، والتاريخي، على أن الأمة قادرة على النهوض من كبوتها إذا توفرت الشروط الضرورة، وأن الأمة مرت بمحطات مفصلية أكثر قسوة وفظاعة، ومع ذلك قامت وجددَّت روحها ونفسها، فالأمة ظهرت لتبقى.

– الكشف عن خطورة بعض الكتابات والتنظيرات التي تدّعي الواقعية والعقلانية، وهي في العمق منهزمة ذاتيا، وناشرة لفكر الإحباط والانبطاح بين صفوف أبناء الأمة.

2. المنهج والبعد

والجهاز المفاهيمي الذي سنوظفه في هذه الدراسة يتألف من مفتاحين اثنين:

1. نعتقد أنه من الواجب علينا ـ كطامحين للتغييرـ أن ننظر إلى المستقبل دون التأثر النفسي بالوقائع اليومية، وبعيدا عن التفكير بشروط الفتنة؛ أي النظر إلى الواقع من أعالي التاريخ بمنظار الكتاب والسنة، وانطلاقا من تجربة أنبياء الله في دفاعهم المستميت عن الحق. فـالخطوة القاتلة أن تقطع الأحداث وأفعال البشر وضرورة التدافع مع الباطل صلتنا بالمطلق الرباني، لكن انتسابنا للبعد الرباني وتجاوز حدود التاريخ لا يعني أبدا الفرار من المعركة) كما يعبر الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله.

2. وهنا يجب توضيح أمر غاية في الأهمية يحدد علاقتنا بالموضوع؛ ففي نظرتنا لمسيرة الإنسان المسلم وجماعة المسلمين نحو التغيير الفردي والجماعي لا بد من التمييز بين “أمر الله الكوني” الذي هو أمر مقدر، وقضاء محتم، ليس أمام الإنسان المؤمن غير الإيمان به والإذعان له، والتسليم بنتائجه. وبين “أمر الله الشرعي” الذي يأمرنا بالنهوض للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل لإقامة المعروف وإزالة المنكر، ومدافعة الباطل دون أن يسألنا أو يحاسبنا عن النتائج مادامت الأساليب شرعية، واستُنفذ كل الجهد، وهذا ركن ركين من مفهوم الابتلاء والامتحان في ديننا.

3. أسئلة تؤطر الموضوع

من الأسئلة الكثيرة التي يسعى هذا المقال للإجابة عن بعضها:

– ما الذي يجعل الأفراد والجماعات والشعوب والأمم على مر التاريخ الإنساني تنهزم وتستسلم؟ قد يستساغ ـ على مضض ـ أن يخضع فرد، حزب، جماعة… لكن، كيف نستطيع أن نستوعب خضوع أمة وخنوعها؟

– أن يستحسن بعض “العامة” ويتلذذوا بالخضوع والخنوع، ويحسوا بالزهو والافتخار في لحظة من لحظات خدمتهم للمترفين، أمر مفهوم، لكن كيف تبرر “الخاصة” من العلماء والمفكرين والمثقفين هزيمتهم النفسية والفكرية؟ بل كيف يصل بهم الأمر للدفاع المستميت عن نظام العسف والظلم؟

– أن يواجه الكبراء والمترفون الرسل والأنبياء والمصلحين أمر معلل مفهوم، أما أن تشارك شعوب في محاربتهم، فهذا أمر غريب. فلماذا؟

– ما الذي جعل “المثقفين” في عهد سيدنا موسى ـ وهم هنا مجموعة من السحرة ـ يدافعون عن الباطل الفرعوني، ويعملون على الشرعنة له، وتجميله، ثم التحول بعد ذلك إلى صف الحق الموسوي، والدعوة له والموت في سبيله؟

– سلمان الفارسي، هذا الشاب المدلل المنعم، ما الذي اختلج في نفسه؟ ما الذي حركه؟ ما الذي أخرجه حتى هرب من العز والنعيم، وجال وسافر، وشقي وتعب، وبيع واستعبد. ماذا كان يطلب؟ ما الدافع؟

– أصحاب الأخدود: لماذا اختاروا الارتماء في أحضان أخاديد النار على النكوص إلى الخلف والتخلي عن المبدأ؟

– ما الذي دفع “بلعم بن باعوراء” وهو الرجل الصالح الذي علمه الله تعالى اسمه الأعظم أن ينقلب على عقبه، ويتحول إلى غاو يدعو على نبي الله موسى، فكان كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث؟

– ما معنى الإرادة؟ وكيف نفهم الاقتحام؟ وكيف نمارس المقاومة؟ كيف نقتنع بمشروع ونحمله ونبلغه ونموت في سبيل تحقيقه؟ ما المسؤولية… وكيف نتحملها؟ ما الرابط بين الهزيمة النفسية والقعود عن الجهاد؟

– ما الواقعية؟ هل هي فعلا فن الممكن، المتاح، المعطى… أم هي عجز وإحباط وقعود؟

– والانتظارية… أليست مرضا نفسيا ـ فرديا أو جماعيا ـ من بنات ومشتقات الهزيمة والاستسلام؟ أم هي مقدمة لهما؟

4. عوامـل منتجـة

عوامل عدة تقف وراء الهزيمة النفسية، وسنخلط بشكل واع بين العوامل التي تصيب الفرد والحركات والمجتمعات دون فصل بينها، لأنها متداخلة ومتشابكة ويصعب في كثير من الأحيان التمييز بينها.

1. نعتقد بأن العامل الأساسي والمركزي وراء إنتاج هذا المرض النفسي والمجتمعي، يتمثل في قلة الثقة بالله تعالى وبموعوده الذي يحتم انتصار الحق على الباطل، ويحسم في أن “الأرض يرثها عباده الصالحون”، وأن هذا الدين منصور منتصر إذا التزم حاملوه بشروط النصر المبينة في “الكتاب”، وعلى رأسها الإيمان ثم التدافع والإعداد الطويل المتدرج. لأن عنصر الزمن أمر جوهري في كل مطلب تغييري.

2. ويمكن أن نربط بهذا العامل مجموعة من الأسباب التي تدور في فلكه ومن جنسه، لكننا سنقتصر على ذكر واحد منها، وهو كثرة الذنوب والمعاصي، التي تعني ـ فيما تعنيه ـ انهزام الإنسان المسلم أمام عقبة شهواته، واستسلامه أمام جبهة النفس والهوى والشيطان. ومن هنا تكون عناصر المقاومة الداخلية مخربة، فيعجز عن مواجهة التحديات الخارجية والوقوف في وجهها، ومن ثم تكون استجابته بمثابة استسلام وانهزام.

3. العامل الثالث الذي يغرس هذه العلة في نفسية الإنسان المسلم هو ما عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بالوهـن، أي حب الدنيا، والتنافس والتهارش على ملذاتها، والتشبث بعيشها ولو بشروط غاية في الإسفاف والمذلة. وفي المقابل، كراهية شديدة للموت.

4. أما العامل الرابع فيتجلى في غياب مشروع مجتمعي تغييري لدى الحركات الطامحة للتغيير، مما يجعلها مرتهنة بالتدبير اليوميّ، وفعلها يكون بمثابة رد فعل على أعمال الآخرين واقتراحاتهم واجتهاداتهم. وقد تظن بعض التنظيمات امتلاكها لهذا المشروع، لكن عدم وضوحه فقها وتنزيلا، يجعل وجوده كعدمه، ويجعل أنصارها يتحركون في حلقة مفرغة، مقدمات بلا نتائج.

5. العامل الخامس يتلخص فيما يقوم به الخصم من “ضغط منظم” في الزمان والمكان، ماديا ومعنويا.

6. العامل السادس يتجلى فيما تقوم به الأنظمة من تضليل ممنهج، وتلاعب بعقول الجماهير بواسطة الإعلام خاصة، وكذا عن طريق نشر الإشاعة. هذا العامل يفرخ آخر من جنسه يتمثل في الترويض الذليل لنفسية الفرد (مثلا: طرق التدريب في الثكنات العسكرية)، والجماعات (تحول مجموعة من الأحزاب والجماعات من جبهة الممانعة إلى صف المسالمة).

7. العامل السابع يبرز على شكل أمراض نفسية عميقة تحول دون النهوض لطلب التغيير، مثل الذهنية الرعوية، التي ترفع شعار: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت)، وعادات سلبية جارفة: مثل الخوف من كل ما له علاقة بالسلطة والسياسة.

8. العامل الثامن يكمن في الفقر والحاجة، والذي يجعل الإنسان حبيس البحث عن لقمة العيش، غير مبال بما يدور حوله وما يحاك ضده. فالإنسان الجائع لا يهتم كثيرا بالمبادئ والأفكار، فهمُّه منصبٌّ أساسا حول لقمته ولقمة عياله، وهو مستعد لأن يتلون بلون من يشبع فاقته، من أجل ذلك قال الفقهاء قديما: لا تستشر من ليس في بيته دقيق).

5. مظاهر المرض وتجلياته

نحن نعرف أن لجميع الأمراض سواء كانت عضوية أو نفسية تجليات وتمظهرات، والظاهرة موضوع دراستنا لها مظاهر عدة، ولعل أهمها:

– سيادة دين الانقياد ـ حسب تعبير ابن خلدون ـ والتسليم اللامشروط لصاحب الدولة والسلطان.

– انتشار التخاذل والعجز والإحباط والدونية.

– الاستكانة للواقع تحت مبررات فكرية كبيرة وضخمة، من قبيل: التريث والحكمة والواقعية والعقلانية.

– تدمر المعنويات، وشيوع اللامبالاة… فبالأحرى المسؤولية.

– إرادة الحياة الغريزية كيفما كانت، حتى تجدهم أحرص الناس على حياة.

– انمحاء المناعة، وتهدم الشخصية، الفردية والجماعية، وسيادة الوهن والقابلية.

– تحسين الطاعة للمستبدين، وتبرير الانقياد والتبعية، والشرعنة للواقع على حساب المبدأ، تحت دعاوى عريضة تبحث عن أصول لها من الشرع الحنيف.

– تحطم البواعث لإحقاق الحق وإبطال الباطل.

– امتناع التفكير من خارج دائرة القهر المحيط.

– امتناع النظر إلى التاريخ من أعاليه، وسيطرة آليات التفكير من داخل الفتنة وبشروطها.

– امتناع التحرك من خارج “طوق التقليد”.

6. قراءة في أنموذجين

نطلع من خلال عرض نموذجين؛ الأول عن غزوة الأحزاب، والثاني عن واقع فلسطين اليوم ـ ونحن نرصد الجامع بينهما ـ شدة تكالب القوى السياسية واتحادها من أجل اجتثاث الدعوة والمقاومة، وفي المقابل صبر ومصابرة المجاهدين في كلتي المرحلتين التاريخيتين المتباعدتين، ليخرجوا من وهدة الاستضعاف منتصرين، وليحققوا منعطفا مهما في تاريخ الأمة الإسلامية. وقد استفدنا أثناء حديثنا عن النموذج الأول من ورقة للأستاذ عبد الواحد المتوكل.

– غزوة الأحزاب

قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها. وكان الله بما تعملون بصيرا. إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم. وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتضنون بالله الضنون. هنالك ابتلي المومنون وزلزلوا زلزالا شديدا (الأحزاب: 9.. 11).

في هذه الغزوة نقف عند درسين:

الدرس الأول، يستوقفنا فيه مشهد التبشير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي نتج عنه موقفان: موقف التصديق الكامل والثقة التامة بموعود الله ورسوله. وفي ذلك يقول الله تعالى: ولما رأى المومنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيمانا وتسليما (الأحزاب 22). قال ابن عباس وقتادة: يعنون قوله تعالى:)أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إ ن نصر الله قريب (البقرة 212). أي هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الذي يعقبه النصر القريب).

أما الموقف الثاني فموقف التكذيب والتردد والنفاق، الذي تبناه بعض من كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعركة، وهم الذين قال فيهم الله تعالى: وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا (الأحزاب: 12) وطائفة ثالثة استأذنت النبي في الرجوع، وقال فيهم الله تعالى: وإذ ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة، إن يؤيدون إلا فرارا (الأحزاب: 13).

الدرس الثاني نتساءل من خلاله عن سر انتصار المسلمين في هذه الغزوة؟ وتحدثنا كتب التاريخ والسير أن العامل السر يكمن أساسا في التضرع والدعاء إلى الله تعالى، وإظهار الافتقار، والتجرد من الحول والقوة، بعدما أعدوا، طبعا، كل ما في الوسع والطاقة. والنتيجة، أن الله تعالى نصرهم بوسيلتين لا دخل للمسلمين فيهما:

الأولى: تمثلت في ريح هوجاء مخيفة في ليلة شديدة الظلمة والبرودة، عصفت بخيام المحاصِرين، من قريش و حلفائهم، وشتتت جموعهم.

والثانية: رجل مشرك أسلم حديثا هو نعيم بن مسعود الغطفاني، نفذ خطة، بمشورة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عنوانها الرئيس، زرع الشك بين الأطراف المتحالفة، الأمر الذي أربك المشركين، وبعثر أوراقهم.

يحدثنا التاريخ، أن من سنة الله تعالى الخاصة بهذه الأمة، أن يجعل لها سببية غيبية، لا تدخل في حساب العقل: الإيمان عدة، والصلاة عدة، والصبر عدة يا أيها الذين آمنوا استعينوا الصبر والصلاة إن الله مع الصابرين (البقرة: 152).

– فلسطين: الابتلاء والمشروع

لماذا لم تنكسر إرادة الشعب الفلسطيني؟

ليست “قضية فلسطين” قضية محلية، أو صراعا على الأرض والموارد الطبيعية، بل هي مصيرية، دينية عقدية عند طرفي الصراع. والدلائل تبين أنها بداية المواجهة الحاسمة بين الحق والباطل: مع المحتل إيديولوجية دينية وتنبؤ بقيام مملكة صهيون الألفية، ومع المسلمين وعد إلهي بمقاتلتهم في بيت المقدس.

وفي انتظار المواجهة الهائلة، يفعل التحدي الصهيوني فعله في واقع المسلمين ونفسيتهم. فكيف هي استجابة المسلمين، فرادى وجماعات، لهذا التحدي؟

عرَّت الهزائم المتتالية أمام إسرائيل عن عمق تفكك مجتمعاتنا وانهزامها وفشلها، وأظهرت مدى هوان الحكام العرب وتبعيتهم، في حين أن الآخر الصهيوني، وهو صاحب مشروع، أنشأ دولة لتبقى، حسب تصوره، ولتسود وتسيطر.

المشكلة أن السائد عندنا اليوم أن إسرائيل تحدِّ يستحيل تجاوزه. ومرد هذه الهزيمة النفسية أننا عزلنا هذا العائق وضخمناه متأثرين بهمومنا اليومية وآلامنا. والواجب يفرض في هذه الحالة أن نضعه في سياقه التاريخي، وأن نقيسه بمقياس الكتاب والسنة.

وفي هذا السياق يطمئننا التاريخ الإسلامي أن الأمة مرت بتحديات “وجودية”، ومع ذلك قامت الأمة من كبوتها وسقطتها. وكتب التاريخ تعج بالأخبار والنصوص التي تصور حالة المسلمين أثناء الغزو المغولي لبلاد الإسلام. وابن الأثير، كمثال، يتوقف عن سرد الوقائع والأحداث المفجعة، ظنا منه أن في ذلك “نعي للإسلام والمسلمين”.

إن التاريخ يثبت لنا أن الأمم يمكن أن تنهض مهما كانت النكسات إذا توفرت الشروط الضرورية لذلك (ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية كمثال).

وفي تصورنا فإن إسرائيل ستبقى مدة من الزمن، قد تطول وقد تقصر، من أجل امتحاننا وتمحيصنا، وهذا يدخل في مجال ما سميناه بـ”أمر الله الكوني”، ستبقى “حتـى” تنضج فينا شروط النصر، وفي نفس الوقت هي مشروع إعداد جيل عودة الأمة إلى أداء دورها الطليعي ـ الرسالي.

7. فمـا العمـل؟

علينا أن نفهم أولا ثم نتحرك؛ نفهم ونستوعب ونعي تاريخ الأنبياء، الذي يعلمنا أن الأقوام الذين تمردوا على الله تعالى وآذوا رسله، وأهانوا عباده، وشكلوا عقبة أمام انتشار الدعوة وتربعها في قلوب الناس، أزاحهم مبدأ “تداول الأيام” بطريقة رهيبة من مسار التاريخ، وأصبحوا عبرة وتذكرة .

وبعد الفهم، يأتي الاستعداد لموعود الله ـ وهو المعروف في سورة الإسراء بـ”وعد الآخرة” ـ مع القَبول، بقلب مطمئن، بشروط المعركة، كما قبلها رسل الله تعالى، والتشبث مثلهم بعنصر الزمن والإعراض عن المعارك الجانبية اللاهية. فمن سنة الله تعالى مع عباده، أن يمن عليهم بالنصر والتمكين بعد الفتن والامتحان: تمحيصا وحصحصة. وصدق الله العظيم إذ يقول: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فننجي من نشاء ولا يُرد بأسنا عن القوم المجرمين. (يوسف: 110).

تركيب وخلاصات

– اليأس مرفوض شرعا وعقلا، وهو معدود من لوازم الكفر في الإسلام؛ ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إ لا القوم الكافرون. ‏[‏يوسف‏:‏ 87‏‏‏].

– إمكانية النهوض بعد الضعف، والانتصار بعد الهزيمة ممكن إذا توفرت الإرادة والعزيمة. والأمة الإسلامية ليست المرة الأولى التي تعاني فيها من مرارة اليأس والهزيمة، وفي كل مرة تخرج الأمة حية مستمرة، فالأمة ظهرت لتبقى.

– ضرورة الوعي بخطورة هذه الثقافة وجسامتها على الفرد والحركات والمجتمع والأمة، والعمل على محاربتها والتصدي لكل أسبابها وتمظهراتها.

– الاهتمام بالأساس التربوي والأخلاقي للإنسان المسلم من أجل إكسابه موانع عميقة ضد الأمراض النفسية الحائلة دون النهوض للمساهمة في بناء مجتمع العدل والكرامة والحرية.

دفاع الله عن الصادقين من عباده حق، ونصره لهم وعد صدق، فالنتيجة إذن مضمونة ـ وإن طال الزمن ـ بشرط استفراغ الجهد في الإعداد وتعاطي الأسباب، وتفويض الأمر لله تعالى الذي من سننه في الدعوات أن يأتي النصر بعد اليأس من كل الأسباب الظاهرة التي يتعلق بها الناس.