على مائدة القرآن.. ندوة تتأمل في مفهوم “النصرة” ووسائلها

Cover Image for على مائدة القرآن.. ندوة تتأمل في مفهوم “النصرة” ووسائلها
نشر بتاريخ

بثت قناة الشاهد الإلكترونية، يوم السبت 17 رمضان 1444/8 أبريل 2023، بمناسبة غزوة بدر الكبرى، ندوة حملت عنوان “النصرة.. المفهوم والوسائل”، أطرتها كل من الأستاذة عائشة المومن والدكتورة خديجة السني.

افتتحت الندوة بتلاوة آيات بينات من سورة الفتح قدمتها القارئة نجية التخريفة، وسيرتها الأستاذة السعدية كيتاوي. وعرفت تعقيبين للأستاذتين رشيدة الصفا وفاطمة ابشيبش.

في المداخلة الأولى الموسومة بـ“مفهوم النصرة في القرآن الكريم”، عرضت الأستاذة عائشة مومن مفهوم النصرة، وأوضحت أنها تحمل دلالات الغيث والمطر والعطاء، وفي القرآن الكريم “بالرغم من تشابه المعاني التي استُخدِمت فيها الكلمة.. إلا أنّ بينها مستوًى مّا من الاختلاف والتمايز يستدعي التوقّف عندها لأنّ بيان هذه الاختلافات تدبّرٌ في القرآن الكريم من جهة، وعملٌ من جهة أخرى”.

ومن معانيها في القرآن الكريم أوردت المتحدثة:

1) الحماية والدفع: استخدمت بهذا المعنى في أكثر من سياق، أكثرها تهديد الكافرين والعاصين بعدم قدرة أحدٍ على حمايتهم من عذاب الله إذا نزل بهم. مثال: يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ، وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ..

2) الانتقام: استُخدمت مادّة “نصر” في هذا المعنى في آيات عدّة من القرآن الكريم، مثال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ، وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ.

3) العون والمساعدة: وهي من المعاني الأساسيّة لمادّة “نصر”. وردت في آيات عديدة منها: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا، وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ.

4) النصر بمعنى المنع: من ذلك قوله عز وجل: ولا يُؤْخذُ منها عَدْلٌ ولا هُمْ يُنْصَرونَ.

5) النصر بمعنى الظفر والفوز: منه قوله سبحانه وتعالى: وما النَّصرُ إلاّ منْ عِندِ اللهِ.

وذكرت الأستاذة مومن بأن النصر يكون دنيوياً وأخروياً؛ في الدنيا بإعلاء كلمة الله وإظهار دينه، وفي الآخرة بإعلاء الدرجة والمنزلة في الجنة، قال تعالى: إنا لنَنْصُرُ رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويَوْمَ يقومُ الأشهادُ.

وفي المداخلة الثانية التي حملت عنوان “مستويات النصرة ووسائلها من القرآن الكريم”، أوردت الدكتورة خديجة السني، باحثة في الفقه والأصول، أربعة مستويات للنصرة، أرفقت كل منها بالوسائل القمينة بتحقيقها، وعززتها بأمثلة توضيحية.

1- نصرة الله تعالى: وهي “أعظم النصرة وأول مستوياتها”، وتعني “طاعةَ الله سبحانه، وطاعةَ رسوله صلى الله عليه وسلم، وحفظ حدوده، والبعدَ عن معاصيه”، ومن وسائلها “العملُ بدين الله والدعوة إليه بجميع الوسائل والطرق كل من موقعه، وجهادُ من خالفه بالإعداد اللازم مع اليقين بأن النصر من عند الله تعالى”.

2- نصرة النبي صلى الله عليه وسلم: وهي “أمر إلهي يوجب على سامعه الاستجابة والإذعان له وإن كان نبيا مرسلا”، و”من أهم وسائل نصرته صلى الله عليه وسلم تعظيمه في قلوبنا”، وهو ما لا يتأتى إلا “بمعرفته ومعرفة سيرته ومقامه عند ربه، بقراءة كتب السيرة وتدارسها، ثم بكثرة الصلاة عليه، ثم محبته”.

3- نصرة المؤمنين فيما بينهم: وهي في هذا المستوى تكون “بالنفس، والمال، والجاه، والدعاء”.

واعتبرت السني أن “الوسيلة المشتركة لهذه المستويات الثلاثة هي استعمال وسائل الإعلام والتواصل؛ فبه وعبره نعرف بالدين وندعو له ونحاجج مخالفيه بالحكمة والموعظة الحسنة. ونعرف بالرسول الكريم، ونخرج سيرته للوجود.. وعبر هذه الوسائل ننتصر للمظلومين بالتعريف بهم وبقضاياهم ونشهر بالظلم وأصحابه”.

4- نصرة الفرد لنفسه: وذلك بالبعد عما من شأنه أن يؤثر في الفرد سلبا، فيبعده عن الله سبحانه وتعالى ويستكين للحياة الدنيا ويتبع هواه. وتتحقق النصرة في هذا المستوى بالهجرة إلى الله سبحانه وتعالى وإلى الحق، و”هجر كل  ما حرم الله، ثم قطع ما يربطنا بالماضي قبل التوبة، والتعالي على حاضر الفتنة، وترقب نصر الله”.

وإظهارا لإحدى القضايا الراهنة التي تستوجب نصرة المسلمين، تحدثت الأستاذة رشيدة الصفا عن نصرة القضية الفلسطينية في تعقيب أول.

نوهت الأستاذة الصفا أن جل مستويات النصرة التي أوردتها الدكتورة السني “مجتمعة في قضية واحدة هي أم القضايا بالنسبة للأمة الإسلامية، القضية الفلسطينية والقدس الشريف”.

وشددت أن القدس “لا يشكل بالنسبة للمسلمين مجرد أرض مستباحة ودولة محتلة، بل هو قضية عقيدة، ربط الله تعالى بينها وبين المقدسات الإسلامية في مكة المكرمة التي هي قبلة المسلمين في كل الأرض، حين أسرى بنبيه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ليصير التفريط في القدس تفريطا في مكة ولتصير حرمة الأقصى من حرمة الكعبة”.

وللدلالة على مكانته الدينية ساقت المتحدثة الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عن النَّبِي – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “لاَ تُشَد الرحَالُ إِلا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى”.

وبذلك تكون قضية المسجد الأقصى وفلسطين قضية كل مسلم في العالم، مما يجعل نصرتها واجبة شرعا على كل المسلمين أفرادا وجماعات، حماية للعقيدة الإسلامية والمسلمين.

وأرشدت المتحدثة إلى وسائل هذه النصرة، فهي تكون “بالمال والنفس واللسان، ويدخل فيه القلم وكل وسائل الإعلام والتواصل، بتربية أبناء الأمة على حبها، بتنظيم المهرجانات والندوات والملتقيات في المدارس والجامعات والفضاءات العامة، وكذا بالمشاركة في المظاهرات والمسيرات السلمية نصرة للمسجد الأقصى المبارك، وأيضا بالدعاء الجماعي والفردي، وذلك أضعف الإيمان..”.

الأستاذة فاطمة ابشيبش، في تعقيب ثان، تحدثت عن أجر النصرة العظيم، معتبرة إياه الدافع لأن يسعى لها كل مؤمن طالب وجه الله تعالى. وبسطت أوجهه كما يلي:

1- الفلاح في الدنيا والآخرة: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. فكان الفلاح هو جزاء الأنصار لما قدموه من نصرة ومآزرة وإيثار لإخوانهم المهاجرين.

2- النصرة من الله: فنصرة المظلوم تستوجب نصرة الله تعالى، لأن الجزاء من جنس العمل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من نَصَر أخاه بظَهْر الغيب، نَصَره الله في الدُّنْيا والآخرة”.

3- التمكين لأهل العدل في الأرض.

4- نجاة الأمة من العقاب، فإن لم تنصر الأمة المظلوم وتأخذ على يد الظالم وتمنعه من الظلم، فسيعم العقاب الجميع، لقول الله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.

5- نجاة الأمة من الفتنة والفساد، لقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ.

6- الولاية والقرب من الله لمن انتصر على ظلم نفسه ببعدها عن الله، وهي أعظم أوجه الأجر. قال الله تعالى: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ.