الميثاق السياسي بين الاختيار والاضطرار

Cover Image for الميثاق السياسي بين الاختيار والاضطرار
نشر بتاريخ

تـأطير

1. ألم تُظهر مساراتُ ثورات الربيع العربي الحاجة إلى ميثاق بين مختلف الحساسيات المجتمعية تفاديا للارتدادات وقطعا للطريق على الثورات المضادة؟

2. أليس وجود ميثاق بين الفرقاء السياسيين يبدد المخاوف ويبني الثقة كان سيحسم الصراع لصالح الشعب، سوريا نموذجا؟

3. ألا يُسهم الميثاق بما هو توافق على تدبير المراحل الانتقالية في تقصير عمر الاستبداد وتقليل كلفة التغيير؟

4. لماذا يراد لنا ـ نحن العرب والمسلمين وشعوب الجنوب عموما ـ أن نكون استثناءً بين الشعوب الطامحة للتغيير ومعانقة الحرية والكرامة والعدل، فتتمنع نخبنا السياسية عن السعي لبناء الميثاق وبلورته، وتُرْجئه إلى الوقت بدل الضائع، مما يهدد العباد والبلاد بالفتن والقلاقل وطامة التدخل الأجنبي ورهْن إرادة الشعب؟

تعريف الميثاق

1. لغة: العهد والاتفاق. والتوثيق الضبط. موثوق فيه أي عدل حاز الثقة. والميثاق على وزن “مِفْعالٍ” اسم آلة وأداة لبناء الثقة.

2. اصطلاحا سياسيا: التوافق بين مكونات مجتمعية على أساس المشترك والمتفق عليه: رفض الاستبداد من حيث المبدأ، وبالتالي السعي من طرف الجميع لتوسيع المشترك وتضييق المختلف عليه لتكوين جبهة ممانعة ضد الاستبداد ابتداءً، وتصديا للثورات المضادة خلال تدبير المرحلة الانتقالية.

دواعي الميثاق

1. حصيلة قرون الاستبداد وجنايته على الأمة في سائر المجالات وإحالتها غثاءً وقصعة مستباحة، فقد صادر إرادتها وبذر مقدراتها وقايض سيادتها ومقدساتها وتنميتها بتوريث العروش للذرية، ويبقى اختلاف تسميات الأنظمة شكليا.

2. ابتلاء الأمة بعد عقود الاستعمار، وما تمخض عنه من التفاف على استقلالها بالعقلية الانقلابية المتهورة التي نكلت بالقوى الحية في الأمة، التي لم ولن تتوانى في قمع المعارضين والتنكيل بهم ونهج مخططات مسخ الأجيال وتدجينها صناعة لنخب فكرية ودينية وسياسية وفنية ورياضية تماليء الاستبداد و”تشرعنه”: انقلاب عسكر مصر نموذجا.

وظيفة الميثاق

1. آلية لتدبير الخلاف على أساس المشترك تجنبا للقلاقل والفتن. فما يجمع بين الحساسيات المجتمعية أكثرُ مما يفرقها، وما يُختلف فيه تخفف حدته متى توفرت النيات الحسنة والبيئة الصحية للحوار، توافقا على ضوابط الاختلاف لتحصين التعايش بين جميع أبناء الوطن الواحد، وضمان الاحترام لجميع المرجعيات، وتسييج كل ذلك بضمانة أساسية وهي التداول على السلطة احتكاما للإرادة الشعبية لتجنب أسلوب الإكراه من أي طرف كان.

2. آلية لتنزيل المقاربة الجماعية أو التشاركية حشدا للجهود وبلوغا للأهداف المشتركة.

شروط الميثاق

1. الوعي بخطورة الاستبداد على حاضر الأمة ومستقبلها.

2. التسليم بحتمية المقاربة التشاركية كخيار عملي مصيري، ذلك أن الحصاد النكد لقرون الاستبداد وإرثه الثقيل إفسادا للذمم وتبذيرا لمقدرات الشعوب ورهنها بالديون، ناهيك عن تسميم العلاقات بين الفرقاء السياسيين، يجعل تصدي مكون معين من مكونات الشعب ــ مهما بلغ من قوة عَددية وعُدَدِية ــ لأوزار الماضي وكوارث الحاضر وآمال المستقبل انتحارا سياسيا.

3. التشبع بقيم الحوار وفضيلة الإيمان بالحق في الاختلاف.

4. التعدد مرجعية ومشاريع مجتمعية، إذ لولا التعدد، لما كان للميثاق ضرورة.

5. الحوار الصريح والمسؤول ودون إقصاء أي طرف إلا من أقصى نفسه، على مرأى ومسمع من الشعب.

على سبيل الختم

الميثاق مطلب الأمة الآني والمستقبلي، فهو بقدر ما يُسعف في تدبير اختلاف المراحل الانتقالية المشحونة بالتوتر، يقدم خدمة جليلة للتفرغ للبناء والإعداد لمستقبل آمن للأجيال وتحصين الأمة من الانقلابية فكرا وسلوكا وفعلا. وإلا ما الذي يقي الشعوب المتحررة ــ أوروبا الغربية مثالا ــ من الانقلابات العسكرية؟ ألم يضمن لها الاستقرار السياسي الحقيقي التفرغ لتحسين ظروف عيش شعوبها وتقوية تنافسية اقتصادها؟

لذلك، يُعتبر الميثاق أو الجبهة التاريخية ــ لا تهم التسميات ــ ضرورة وجوب، يؤسس له حوارٌ غير مشروط، ودون خطوط حمراءَ بين فضلاء المجتمع؛ حوارٌ هادف يتسامى على الأستاذية والاستعلاء والتشكيك في النوايا الناتج عن سوء الفهم؛ حوارٌ بناء يبني الثقة ويبدد المخاوف ويؤسس لتعايش سلميٍّ يُجَنِّب البلاد خطر ركوب المجهول والمغامرة بمستقبل الأجيال ورهن إرادتها للأجنبي ردحا إضافيا من الزمن.