المصادر المرجعية للمشروع الدعوي للإمام عبد السلام ياسين – أصولها وآلياتها

Cover Image for المصادر المرجعية للمشروع الدعوي للإمام عبد السلام ياسين – أصولها وآلياتها
نشر بتاريخ

مقدمة:

ما من بنية فكرية منظمة إلا وتصدر عن خلفية ومرتكزات نظرية موجهة وآليات عمل منهجية تكون مرجع النظر، ومصدر البصر، وآلية التفكير. وما كان المشروع الدعوي للإمام المجدد بما هو مشروع دعوي تربوي فكري حركي يقدم تصورا علميا وعمليا للتغيير. للإنسان على أساس الإحسان وللمجتمع بضابط العدل. وهما مقترنان مجتمعان في بوثقة التجديد للدين بحمل معنى الإنسان وسر الإنسان وغاية وجود الإنسان بلاغا عن رب العالمين وبيانا عن المصطفى الأمين، ما كان هذا المشروع ليخرج عن امتلاك خلفياته الموجهة ومصادره المرجعية.

تبحث هذه الورقة في الآليات المرجعية الفكرية الثقافية الفلسفية التي وجهت المشروع الدعوي للإمام المجدد. إنها تنظر في المرجعيات العلمية المؤطرة لهذا المشروع والتي بها ومن خلالها وعبرها قرأ وفكر وعبر وفكك وحلل ونظر وناظر وحاور وحاجج وبنى منظومة دعوية فكرية علمية عملية.

كيف بنى الإمام المجدد منظومته النسقية الفكرية ومشروعه الدعوي؟ كيف قرأ القرآن والعالم والإنسان؟ كيف فكك التاريخ والفلسفات؟ أسئلة مهمة نرى أنها مفيدة إفادة جليلة لنا في:

– الدخول على مشروعه من بابه الأصيل قراءة جيدة وفهما مضبوطا وتواصلا مبلغا؛

– وضعه في إطار نسقه العام الضابط وقراءته ضمن هذه النسقية الناظمة؛

– فك المستغلق من مفردات تصوره عبر الاطلاع على الجهاز المفهومي الذي يفكر به ومن خلاله؛

– تحديد وضعه الاعتباري ضمن النسق التجديدي العام للفكر الإنساني عامة والإسلامي خاصة؛

– امتلاك آليات مرجعية وأدوات مقاربة منهجية لتحليل نصوص مكتوباته ومسموعاته ومختاراته، وامتلاك القدرة على بناء كفايات معرفية وتواصلية بالمشروع محاورة وتبليغا للدعوة إلى الأغيار خاصة من الفضلاء المخالفين ممن نرجو بناء فهم متقارب وتعاون مثمر على الخير للبلاد والعباد.

 يقتضي بناء تلكم المصادر المرجعية الإلمام بثلاثة عناصر أساسية:

– التاريخ النفسي والثقافي والعلمي والعملي للرجل لضبط أهم المؤثرات التي أسهمت في بناء وتكوين شخصية الرجل؛

– مؤلفات ومكتوبات ومسموعات ومختارات الرجل الكثيرة في مظانها الأصلية وعبر تطورها التاريخي؛

– التجربة الدعوية لجماعة العدل والإحسان ومدرسة العدل والإحسان باعتبارها التنزيل العملي المحدد زمانا ومكانا المجسد لمشروعه الدعوي بما له وما عليه.

المصادر المرجعية لفكر الإمام المجدد: أصولها وآلياتها؛

يمكن أن نتحدث بناء على الرصد العلمي والعملي للمسار النفسي والثقافي والفكري لشخصية الإمام المجدد أن نتحدث عن ستة مصادر مرجعية مؤطرة لمشروعه الفكري وبنائه الدعوي. عنها تنبع آليات تحليلية لقراءة الواقع والنظر في حركته وفعل الله فيه. نوردها كالآتي:

1- الوحي الرباني قرآنا وسنة:

هو المصدر الثابت، مرجع الرؤية، ومنبع النظر، مصدر التلقي والاسترفاد. منه ينطلق وعنه يصدر. من القرآن الشرعة استلهم اسم العدل والإحسان، ومن الحديث النبوي السنة أسس للأفق الاستراتيجي للأمة، القرآن قراءته الوحيدة، والجلوس عند عتبة النبوة مهوى الفؤاد ومرجع القدوة الكاملة. وذلك بفهم عن الله وإرادة للجهاد وفقه بالواقع. ومن هذين الأساسيين بنى آلة للنظر وللعمل سماها المنهاج النبوي. بالوحي الرباني أعطى للكلم القرآني معناه العملي ودلالته الإجرائية، وقرأ من خلالها العالم والأحداث، بنى بها منظومة حياة سلوكية للفرد المومن من خلال شعب الإيمان، وأعاد قراءة السيرة النبوية على ضوء معاني الصحبة والجماعة، وبنى تصوره لمشروع وحدة الأمة.

الوحي الرباني عند الإمام المجدد مصدر العلم والمعرفة والبناء. هو المرجع القيمي الذي يعطي صبغة الله. ومن أحسن من الله صبغة. هو المصدر المكين عنده المؤسس لقواعد التجديد والتفكير. هو العلم عنده. 1

يورث هذا الاسترفاد من المعين الرباني مرجعية التحليل بالغيب بها يفهم الإمام المجدد عبد السلام ياسين ما يحدثه المولى جل وعلا في كونه بناء على أنوار الكلام الرباني وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو فهم ينظر إلى حركة الكون وأحداثه بميزان أقدار الله وحكم تدبيره وبالغ علمه وجليل تصرفه، دون إلغاء السنن الموضوعية والنواميس الواقعية وإرادة الفعل الإنساني.

يستحضر الإمام المجدد الغيب الإلهي الواعد بالخلافة الإسلامية على المنهاج النبوي المبشر بعدل الإسلام ورفقه، برحمة الإسلام وإحسانه، ومع الغيب يستحضر أيضا سنن الله عز وجل الكونية ممثلة أساسا في سنتي الابتلاء والتداول. ومصدر الأمرين معا القرآن الكريم “مصدر الحقيقة المطلقة”.

تتأسس مصدرية الوحي الرباني ومرجعيته في المشروع الفكري والدعوي عند الإمام المجدد عبد السلام ياسين على قراءة للقرآن بعقل عن الله مجدد غير مقلد، وبقلب خاشع يخشى الله، وبإرادة جهادية مستجيبة لنداء الله، وبأفق موحد منجمع جامع للشتات والشتيت. 2

يقول الإمام المجدد مبرزا أداة التفكير والعمل: “تنطلق خطانا المنهاجية من قواعد الشرعة، يستنير القلب بنورها، والعقل بعلمها، والنظر بمفاهيمها، والإرادة بحافزها وداعيها وندائها، لنقتحم العقبة إلى الله عز وجل. هكذا نفكر وهكذا نعمل .والخلافة على منهاج النبوة هي الأفق” 3.

وتكفينا إطلالة على الدراسات المهمة التي أنجزت إبان المؤتمر الأول حول نظرية المنهاج النبوي بتركيا للكشف عن مركزية ومصدرية القرآن في البناء المعرفي عند الإمام المجدد، مركزية القرآن في تحديد معنى العلم ووظيفة العالم، في نقد الحداثة والفلسفات المعاصرة، في تفكيك بنية الاستبداد، في التجديد التربوي، في التأسيس لثقافة اللاعنف، في إعادة صياغة المراجعات الفقهية والأصولية والتأسيس للمطالب الكلية للأمة، في تصوره لتحرير وتنوير المرأة، في قراءته للتاريخ وبناء الفقه السياسي.

هذا المصدر الرباني كان الموجه لحركة الإمام في فهمه للإنسان واشتغاله على تربيته قلبا وعقلا وإرادة، وفي فهمه للعالم وتفاعله مع حركة الناس فيه، وفي تطلعه للمستقبل للتأسيس للأرضية العدلية لحمل معنى الرسالة الخالدة للإنسانية.

2- المصدر التاريخي:

الإمام عبد السلام ياسين قارئ ممتاز للتاريخ ولمساراته، وتحولاته، وانكساراته، وإبدالاته. برؤية قرآنية قرأ معنى التاريخ في جوهره فجعله تجسيدا لمسيرة الدعوة إلى الله ممثلا أساسا في “قصص الأنبياء” مع أقوامهم، الممثلة لنموذج الانتصار على الاستعلاء والاستكبار التاريخيين. والمعبرة عن الصور الرمزية “للقدوات الكمل” في صناعة التاريخ باعتماد كلي على الله، وأخذ تام بأسباب التدافع. والمثال التاريخي للقدرة الإنسانية على تأدية الواجب دون خضوع للتهديد، متى توفر السند المعنوي والحافز الدافع. 4.

برؤية نبوية قرأ تاريخ المسلمين ودعا إلى ضرورة “فهم تاريخنا. وأنه أطوار بدأت بالنبوة، ثم الخلافة على منهاج النبوة، ثم الملك العاض والجبرية” 5.. وبهذا الفهم أسس لقراءة من أعالي التاريخ أنجز بها تحليلا لتاريخنا الإسلامي بمراحله وعهوده من خلال تجنب ثلاث آفات كبرى؛ آفة التقديس للأخطاء البشرية التي تجعلنا رهن التمني القاعد عن فهم علل الخراب ومكامن الداء بدعوى تنزيه الأولين مما وقعوا فيه. وآفة إقصاء ماضي حضارتنا لأنه متجاوز في منظور عقل المعاصرة ودين الحداثة. ثم آفة القراءة اللاتاريخية التي تسقط هواجس العصر على سياقات بعيدة بحثا عن مرجعية ما تسند خطاب التحديث في عقول ووجدان الغالبية المسلمة.

بهذا الفهم بنى مفهوم الانكسار التاريخي وأعمله في دراسة تمزق الشخصية الإسلامية الوارثة. وبه أيضا قرأ الإمام المجدد وحاور تاريخ المغرب، وتاريخ كفاحه الوطني، في محاولة لضبط دقيق لأصول هذا التاريخ ولحقائقه ولذاكرة هذا الشعب وقوفا عند محطاته الأساسية، واستجلاء لتطوراته وتبدلاته ومساراته وآفاقه، وذلك عبر قراءة تاريخ الحركة الوطنية قراءة تتجاوز تزوير حقائق هذا التاريخ، من أجل المساهمة في إطلاع الجيل الحاضر الغارق في مآسيه ودوامة مشاكله على هذا الانكسار التاريخي الذي حول مسيرة الحركة الوطنية من مبدإ يعتمد الإيمان، والإيمان وحده، إلى اتجاهات وشيع متباينة كانت السبب في التمزق الذي نحياه الآن.

بصفة مجملة شكل المصدر التاريخي مرجعا مهما من المصادر المرجعية لفكر الإمام به قرأ من منظور قرآني نبوي منهاجي معنى التاريخ وحقيقته، وقرأ تاريخ المسلمين وانكساراته وأثرها في تمزق الشخصية الإسلامية الوارثة، وفي التأسيس للخلافات التاريخية بين السنة والشيعة، ونتائج ذلك على تحولات المسارات النفسية والعلمية والعملية للبناء الحضاري للأمة، وقرأ أيضا الصدمة الحضارية الاستعمارية الغربية وآثارها البينة في الغربنة، وقرأ القضية الفلسطينية على قاعدة الصراع الوجودي ضد العلو الصهيوني، وبنى تصوره للتحقيب التاريخي العام لبناء معنى دولة القرآن وبناء الاستخلاف أفقا استراتيجيا في سياقات العدل والإحسان والشورى.

3- المصدر اللغوي:

عند الإمام المجدد اللغة “أُمُّ المطالب والرغائب”، و”مقوم المقومات”، وهي “الصرح” الذي على أساسه تبنى القوة، وترام الوحدة الإسلامية المقصد الأسنى والمطلب الأعظم. 6 ، وهي عنده حاملة المعاني والتجارب والحساسيات الفكرية والنظرة إلى الحياة، والرباط الذي يلم المجتمع ويجمعه 7. وإن لها عنده “ارتباطا عضويا بالفكر، والشعور، ومظاهر الحياة المادية، وبواطن الحياة الروحية، وبالسلوك، والأخلاق، وبالعلوم، وبالعدل، والتنمية، ونظام الحكم.” 8

لا غرو إذن أن تكون للإمام المجدد حساسية كبرى تجاه الكلمات والمفردات بناء واقتراضا ودلالة وتوظيفا. من هنا عرف عنه في مؤلفاته ومكتوباته أنه يعطي للكلم معناه ضبطا معجميا من مظانها المعجمية الأصيلة، وضبطا اصطلاحيا مفهوميا من خلال استعمالاتها المرجعية والسياقية، وتعريفا إجرائيا من خلال إعادة تشكيل دلالتها برؤية جديدة ومعاني متجددة.

ولقد كان للقرآن الكريم بصمته الواضحة في بناء الجهاز المفهومي اللغوي عند الإمام المجدد تأصيلا علميا وتوظيفا عمليا مما منح لغته خاصيات الوضوح، والاتساق مع النسق العربي. من هنا نجده يبني له مفاهيم تشكل معجما قائما بذاته يزايل بها المعروف المتداول فيستعمل منهاج عوض منهجية، وفتنة عوض جاهلية، وعمران عوض حضارة، وقومة عوض ثورة وما إلى ذلك من استعمالات مبدعة في تأصيل المفاهيم وإلباسها البوس القرآني صياغة وتوظيفا. 9 ولم تكن غاية الزيال ذاك الابتداع المخالف لما هو كائن، بل لقد كان ذلك بناء على وعي دقيق لمعنى اللغة وأثر الكلمات في بناء رؤية المرء لنفسه وللعالم من حوله.

يستحضر الإمام المجدد الأبعاد المفاهيمية في لغة التخاطب ذلك أن تحقيق التواصل الجيد رهين بالاهتمام بمسألة ذات قيمة كبرى تشير إليها الأبحاث اللغوية المعتنية بالاشتقاق وتاريخ المفردات هي:

· أن اللغة حمالة فكر وثقافة.

· أن المفاهيم اللغوية تنشأ بخلفيات فلسفية نظرية.

· أن هجرة المصطلحات واستنباتها في غير حقولها الأصلية عملية يراعى فيها السياقات التاريخية الاجتماعية.

وهوما يعني عند أستاذنا عبد السلام ياسين أن الكلمات التي يساء استعمالها أو فهمها أو كتابتها أفخاخ قاتلة و“أنه من الهجانة مطالبة لغة معينة بحمل معاني لغة أخرى وعواطفها وقيمها”. وأن اللغات الغربية عاجزة عن حمل البعد الروحي للإسلام لكون عوالمها الدلالية والثقافية تحمل تناقضا صريحا مع الإسلام وقيمه. لذا، ومراعاة لهذا الأمر اللغوي لا بد من محاولة فهم الخطاب في سياقاته التاريخية والمعرفية والدلالية. 10

4-المصدر الثقافي والفلسفي:

على الرغم من الانتقاد العام لملفوظ الثقافة والنظريات الفلسفية عند الإمام المجدد فإن قراءة وفهم ومحاورة ومقاربة مكتوبات الإمام تكشف عن اطلاع عميق بالنظريات الثقافية وبالنظريات الفلسفية في مراجعها الأصلية. وهوما مكنه من استحضار الخلفيات الفلسفية، والمنطلقات النظرية الثاوية، والأسس المعرفية والمحددات الإيديولوجية، وهو أمر سعى به إلى فهم الأنساق الحضارية، والمشاريع المجتمعية، والسلوكات التاريخية الواقعية التي كثيرا ما تختفي وراء الصور والأشكال والرموز والشعارات.

يبرز المصدر الثقافي الفلسفي في قراءة الإمام المجدد بعقلية حوارية نقدية نسقية تاريخية لمفاهيم العقلانية والحداثة والماركسية والوجودية والداروينية ولتاريخ مفهوم العقل وللديموقراطية، واللائكية والمجتمع المدني.. ولغير ذلك من النظريات المختلفة عبر تاريخ النظر الفلسفي والتاريخي العام والتي كانت منطلقا لنقد الغربنة أو طاحونة التغريب وفعل بعثرتها للذات المسلمة بعيد صدمة الاستعمار.

وقد ضمن هذا الإلمام بهذه الثقافات والفلسفات استحضار “العلمية” و”العمق” و”الموضوعية” في التحليل، وتجاوز “التبسيطية” و”السطحية” و”الآراء المشهورة” العامية المبتذلة المكتسبة من الجرائد، وهذا شيء نجد تمثلا راقيا وعميقا له عند الأستاذ عبد السلام ياسين من خلال المعرفة العميقة بأصول النظريات الفلسفية، وبالوقائع التاريخية، وبمكتسبات العلوم الحديثة، يدعم ذلك نقول مضبوطة لعلماء ومفكرين مشهود لهم بالكفاءة والريادة في ميادين انشغالاتهم العلمية.

يعضد هذا الإلمام الفلسفي اطلاع آخر عجيب بنظريات الفلسفات العلمية بمعناها الدقيق في العلوم الحقة نمثل لذلك بتعرفه على الأبحاث العلمية الأكاديمية المتحدثة عن انهيار المسلمات العلمية التي تتحدث عن اليقينيات الكبرى في العلوم الدقيقة من الحتمية واليقينية والصرامة والتجربة وكيف يوظفه النقد مفاهيم العقلانية وأسس الحداثة الفلسفية.

5- مصدر مدونة الفكر العربي الإسلامي:

 ليس بوسع باحث في الفكر المنهاجي أن يفوته هذا المصدر الأساسي المهم في البناء المعرفي للمشروع الدعوي للإمام المجدد، في نقده لعلم الكلام الجدال، وتحليلاته للفقه الإسلامي، ومراجعاته الأصولية المقاصدية. ومقاربته التاريخية المجددة للتصوف وتأسيسه لعلم الإحسان التزكية، في دراسته للفلسفة والفكر الإسلاميين قديما وحديثا ومحاورته لرواد الحركة الإسلامية.

6- مصدر الفكر التربوي التعليمي:

سيكون للفكر التربوي التعليمي قديمه وحديثه أثره في بلورة تصور الإمام المجدد عبد السلام ياسين للتعليم، وهو الأثر الذي يبرر مركزية قضايا التربية والتعليم في المشروع التغييري المجتمعي للإمام المجدد باعتبار أن “أعظم ميدان للمواجهة ميدان التربية والتعليم، ذلك الذي فيه يتقرر المستقبل، وعلى نتائج غرسه يتوقف مصير الأمة ” 11، وباعتبار “نظام التربية والتعليم هو العمود الفقري للدولة، وإعادة ترتيب هذا الجهاز ضرورة الضرورات في حياة الأمة. يجب إنشاؤه إنشاء جديدا، وصياغة قنواته، وسد منابع الفساد المخلفة فيه لإعداد أجيال سليمة العقيدة والفطرة مسلحة بالمعارف العملية التطبيقية” 12.

لا يمكن البناء في أي مشروع تغييري عند الإمام إلا على أساس وأرضية التعليم من هنا كان ويجب أن يكون “للتعليم مكان الصدارة في أولويات البناء بما هو التعليم ومعاهد التعليم ومدارسه الابتدائية والثانوية والجامعات ومحاضن الصغار أمكنة للتربية والتأثير. وبما هو النظام التعليمي والإعلامي شبكة محيطة بوقت الناشئة، مستولية على حياتها الفكرية والنفسية” 13.

7-المصدر الأدبي الشعري الفني:

 إذا كان للإبداع الأدبي الشعري حضوره في مصنفات الإمام من خلال “الشذرات” و”القطوف ” و”المنظومة الوعظية” التي عرضت لمقدمة طويلة يمكن أن تعد تنظيرا لجمالية الأدب من وجهة إسلامية جامعة بين البلاغ القرآني والبيان النبوي. فإن الذي يقرأ مكتوبات الإمام يجد أثر الإبداع الجمالي الفني ليس في ما يورده فقط من نصوص شعرية أو نثرية حسب المقام وإنما في ما تختزنه نصوصه من أساليب بلاغية وبيانية غنية بالاستعمالات البلاغية المتعددة من مجاز واستعارة وتورية وكناية وتشبيه وإيجاز وإطناب. ناهيك عن خصائص أسلوبية هي “نسيج وحدها، مزيج من بين نفحات من طيب كتاب الله المبين، وقبسات من نور حديث سيد المرسلين، ورشحات من معين حكمة السابقين الأولين، وشذرات من بيان المبدعين المحسنين” 14.

خاتمة:

انصب الجهد في الذي مضى على البحث عن المصادر المرجعية الموجهة لهذا البناء النظري الذي أثله الإمام المجدد عبد السلام ياسين في رصه في مشروعه للجوانب العلمية العملية الجامعة بين النظر في النفس والنظر في العالم والاتجاه إلى المستقبل والقصد في الغاية. ولعل أخوف ما نخافه أن تكون لجناية المصطلحات وفخاخ اللغة أثرها في حجب معنى الرجل ومصدر تلقيه العلمي فنحار مثل ما حار الغير في تصنيفه ضمن قوالب الرجل الإنسان السياسي، المناضل المجاهد ال الصامد، المنظر الخبير التربوي، العالم الفقيه الأصولي، الصوفي المربي، الشاعر الناقد الأديب. هل هو ذاك أو ذاك أو هو كل ذاك.

 إنما ينظم مجموع هذه المصادر وتلكم العناصر وينضدها وينسقها ويضبطها في تداخلها وتكاملها ما يسميه الإمام المجدد بالتوفيق الإلهي يقول: “تسألني أخي الكريم عن نشأتي وعن تعلمي وعن المؤثرات في حياتي، فأظن أن معلومات من هذا القبيل ليست بذات الأهمية القصوى. فما منا إلا من كانت له في طريقه إشارات إلاهية، وأسباب دبرها الله عز وجل الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، كي تكون صوى في طريقه… وإن الذي يظن أن اجتهاده وحذقه وذكاءه ومهارته وتنظيره وتجاوبه مع الأحداث وحنكته في السياسة هي التي توصله إلى الهدف هذا خطأ. فنحن نسأل الله عز وجل التوفيق. لا نألوجهدا في إعداد القوة الفكرية والتدبيرية والتنظيمية ونحسب حساب السياسة وحساب الحرارة حرارة السياسة العالمية والرياح السياسية من أين تهب وإلى أين. كل هذا نحسبه لكن اعتمادنا على الله عز وجل قبل كل شيء وعلى توفيقه” 15.

 وخلاصة القول في المضمار أن ما جمع للإمام عبد السلام ياسين هو من فضل الله ورحمته وتوفيقه وحتى “حظ الكسب فيه لا يخرج عن دائرة الوهب. فالكسب وهب كذلك. قل كل من عند الله. “أعطاك ونسب إليك”… كما يقول الأستاذ محمد العبادي. 16

 


[1] إمامة الأمة ص 160-161- دار لبنان ط1 2009.
[2] نظرات في الفقه والتاريخ ص 47. المحمدية مطبعة فضاله.ط1/1989.
[3] العدل الإسلاميون والحكم ص 27. ط1 2000 مطبوعات الصفاء البيضاء.
[4] الإسلام والحداثة الترجمة العربية ص 30.
[5] القرآن والنبوة. ص 40 ط1 1 2010
[6] حوار مع صديق أمازيغي ص 86و108 و109
[7] الإسلام والقومية العلمانية ط 1 يونيو 1989 مطبعة فضالة المحمدية ص 10و11.
[8] حوار مع صديق أمازيغي مطبوعات الأفق ط1 1997 ص 133.
[9] يمكن لمزيد من دراسة هذا الجانب الرجوع إلى المجلد 1 من كتاب المؤتمر 1 في نظرية المنهاج النبوي ص 15 وما بعدها.
[10] الإسلام والحداثة ص 26.
[11] العدل ص481.
[12] العدل ص482.
[13] حوار مع الفضلاء الديمقراطيين ص 121.
[14] الإمام أديبا. منير ركراكي ضمن كتاب الإمام بعيون من صحبوه. ص 69-70.
[15] نفسه ص 9 ثم ص 77.
[16] كتاب الإمام عبد السلام ياسين بعيون من صحبوه. ص 18 . إعداد هيئة تحرير موقع الجماعة. نت. الجزء 1 مطبعة دعاية.