تتباين آراء الكثيرين حول مشاركة المرأة المسلمة في العمل الإعلامي وأهمية اقتحامها وارتياديها هذا المجال، وتتعدد الأسئلة حول هذه القضية الشائكة؛ هل هناك بد من مشاركتها واقتحامها لهذا المجال أم أن الأمر يبقى حكرا على الرجل؟ إلى أي مدى يمكنها غشيان هذا المجال، وأين تتجلى قدرتها على التواصل والتأطير والتأثير؟ وما ضوابط مشاركتها في الإعلام السمعي البصري على وجه الخصوص بكيفية تضمن لها احترامها وكرامتها؟ ثم ما ضوابط مشاركتها في تنشيط فضاءات التواصل الاجتماعي؟
للمرأة خصوصية اختصها الله بها دون الرجل، وعينا فاحصة رقيقة وهبها المولى إياها تجعلها تنظر للأمور بمنظار قد يلتقط عديدا من القضايا والإشكالات والمواضيع والتفاصيل التي قد تغيب عن الرجل في كثير من الأحيان، وبالتالي فحتمية مشاركتها في المجال الإعلامي صحافية كانت أو محررة أو معدة أو مقدمة برامج أمر محسوم ولا نقاش فيه، فضرورة حضورها في المجتمع بعينها الفاحصة وتفردها بما أفاء الله تعالى عليها به من نعمة الخصوصية يعكسه حضورها في مختلف مجالات الإعلام وما ستقدمه من إضافة نوعية، وما ستعالجه من قضايا بطريقة قد تستعصي في كثير من الأحيان على الرجل الإعلامي المتمرس، لأن قدرتها على التواصل والتوجيه والتأثير العاطفي خصوصا على بنات جنسها كبيرة وقد تمكنها لا محالة من طي المسافات وتحقيق ما يمكن تحقيقه في مدد زمنية قصيرة وبمجهود أقل.. نضيف إلى هذا كله بأن تأثيرها على بنات جنسها وتوجيههن وتأطيرهن هو تأطير لجزء مهم من المجتمع، وبالتالي فقدرتها على التأطير المجتمعي وصناعة الرأي العام في بعض الأحيان كبيرة.
إذن فمشاركتها جنب أخيها الرجل وحضورها الإعلامي معه، مع استحضار خصوصيتها طبعا، هو واجب تكميلي تكاملي بينهما، وهي ضرورة تقتضي منهما الوعي بالدور المنوط بكل منهما والوعي كذلك بأهمية ما يمكن أن تتفرد هي به وتضيفه.
ولكن لا بد أن يكون لهذه المشاركة الإعلامية وهذا الحضور من ضوابط تضمن لها كرامتها، وتؤمن لها قيمتها خصوصا في ظل ما يعيشه هذا المجال اليوم من ميوعة وترد أخلاقي، وتعامل دوني مع المرأة.
تتمثل هذه الضوابط في الآتي:
1- التربية الإيمانية الإحسانية
هذه التربية، بما تحمله من معاني التزكية والتطهير والتنمية والتنشئة، تعتبر ضابطا أساسيا للمؤمنة حارسا لروحها وعقلها في أقوالها وأفعالها، والأمر كذلك بالنسبة للإعلامية المسلمة التي تحمل على عاتقها هموم الأمة وأعباء المستضعفين وتسعى للدفاع عنها، هذه التربية التي يترتب على وجودها وتحققها ما نصبو إليه من طلب لمعاني الإيمان والتنمية لشخصية المؤمنة الإعلامية، وبالتالي تتحقق فيها معاني المصداقية والشفافية المهنية الشيء الذي ينعكس على ما تقدمه من مواد إعلامية قيمة.
2- السمت الحسن
بما يدل عليه من طريق قويم وقصد وهيئة حسنة، ويرتبط أساسا بحالة المسلمة وشكلها الظاهر الذي يخفي اتزانا وتناسبا وانسجاما روحيا تربويا، في علاقة جلية بين الظاهر والباطن في حال المسلمة، والإعلامية تتزين بثوب التقوى وترتدي حلة الإيمان وتتحلّى بروح الهدى، تنعكس على حركاتها وسلوكها ولباسها. تراقب الله في قولها، فلا تقول إلا صدقا وحقا، ولا تبدي ما يخفى من زينتها، فتعكس بحجابها وعفتها اللذين تكسوهما أناقة هادئة صورة المسلمة المؤمنة المتزنة.
3- المهنية
باعتبارها ممارسة سليمة للمهنة وقواعدها الفنية، وتدريبا وبناء للكفاءات الإعلامية الفردية، وإتقانا وإحسانا في العمل الإعلامي وضبطا لآلياته المهنية بما هي إحاطة بما يجري في العالم وبما ينبغي للمؤمنة أن تقدمه للأمة من خلال موقعها، امرأة وإعلامية حاملة لرسالة العدل والإحسان. المهنية كذلك هي إسهام حقيقي في التغيير الذي منطلقه الفرد ومنتهاه الإنسانية جمعاء، بالكلمة الرصينة والخطاب العاقل الذي ما يلبث يذكر الإنسان بغاية وجوده وخلقه، وكذا بالوسائل والآليات المتقنة.
ولا ينبغي أن تنفصل أخلاق الصحفية عن أخلاقيات مهنتها، فالمهنية هي انعكاس لتربية إيمانية ربانية تتشربها المؤمنة لتشع بها في مجالها صدقا ومسؤولية وإتقانا وإحسانا.
أما إذا تعلق الأمر بالعاملات في مواقع التواصل الاجتماعي، فعليهن أن يدركن بأنهن يضعن أقدامهن في عالم موار تتقاذفه الملهيات والمغريات، لا قواعد إعلامية فيه ولا أخلاقيات مهنية، سيف ذو حدين، فيه من الحرية الشيء الكثير ما يمكنك أختي بالصدح بكلمة الحق وبكلمة لا إله إلا الله في ظل ما تعيشه الأمة من استبداد بالرأي وإقبار لكلمة الحق وخنق للأصوات المعارضة، وفيه كذلك ما يوقع المؤمنة في منزلقات عديدة من قبيل السفاهة والدونية، وتأكيد ما يروج من صورة منحطة ونمطية عن المرأة وعن اهتماماتها: كنقل التفاصيل اليومية لما يجول داخل بيتها الذي حث ديننا الحنيف على حفظه وحفظ أسراره.
فبغشيان المؤمنة والشابة على وجه الخصوص لهذا المجال وَفْق ضوابط، تكون آنذاك قد دخلت بابا يمكنها من الفعل الإعلامي المؤثر بأبسط الوسائل وأيسر الطرق، وتتمثل هذه الضوابط فيما تم ذكره سلفا من أساس تربوي إيماني يشكل الحارس الضامن لقلب المؤمنة مما قد تلاقيه في هذه الفضاءات من مغريات وفتن، ومن سمت حسن يميز الشابة المؤمنة عن غيرها من مرتادي هذا المجال، نضيف إليهما الإبداع والتجديد: فهذا العالم يتسم بالسرعة في التغير وبالتحيين المستمر، فلا ينبغي الجمود على الوسائل بل الثبات على الأهداف والغايات مع التغيير المستمر في الآليات والوسائل.
وختاما، ينبغي أن يسعى إعلامنا سعيا حثيثا إلى بناء شخصية المرأة المؤمنة المتزنة والرصينة القادرة على حمل لواء الإسلام، تفنيدا لما يشاع ويسوق عنها من أفكار مغلوطة في وسائل الإعلام. دون هذا وقت وجهد وعمل أساسه الصدق في الطلب وتجديد النية والقصد، والإدراك أولا وأخيرا بأن الوجهة الله والمنتهى الله.