المرأة منبع العلاج… ومكمن التغيير

Cover Image for المرأة منبع العلاج… ومكمن التغيير
نشر بتاريخ

إن المتأمل في أحوال العالم اليوم يرى ما يشكو من مشاكل وصعوبات، وما يتخبط فيه من مآزق، جدَّ الباحثون المتهممون في التنقيب عن حلول ومقترحات، وفتش المصلِحون عن أدوية وعلاجات، ليعيش العالم  في راحة وأمان وسعادة، ولم يهتدوا لسبيل بعد، وإنه لمن حسنِ الفهم والعمل  أن يدرك المصلِحون أصل المشكلة، ويتعرفوا الى مكمن الداء، ألا وهي الإنسان.
فعلاج أي داء منبعه الإنسان، وهو مكمن أي تغيير  لأنه هو محور الكون، قال الله تعالى “إن اللّٰه لا يغير ما بقوم ٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم “، والإنسان في الحقيقة ليس هو الجسد، فكل الكائنات الحية تمتلك هذه الصفة، بل الإنسان هو التربية التي يحملها، والقيم التي يؤمن بها، وتعتبر التربية عاملا أساسيا في توجيه الأفراد نحو أهداف المجتمعات الضرورية، ولها أهمية كبيرة في الرقي بالأمة في كل المجالات.
وإذا أُهمِل الإنسان ونشأ بلا تربيةٍ انفصل عن جذوره، فضاع وأضاع مَن حوله، وكان سبباً في شقاء نفسه وشقاء غيره .
إن مايتميز به أفراد مجتمع ما عن أفراد مجتمع آخر، هو نوع التربية السائدة فيه، إذ لا يميزهم غناهم أو فقرهم، أو لغتهم أو جنسيتهم، وإنما يتميزون بالتربية التي يتلقونها، والتي تجعل منهم أشخاصاً أصحاب هوية معينة ، وفي الحديث الشريف ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ متفق عليه .
إذن إن تقدم المجتمعات ونجاحجها رهين  بنجاح التربية فيها.
ومن الأمور التي اجتمع عليها المربون إقرارهم بأهمية التربية بوصفها عاملاً رئيسيا في تغيير الشعوب، ويجمِع المربون والمصلِحون والحكماء على أن البيت والأسرة هما محضنا التربية الأول؛ اذ هما اللبنة الأساس في المجتمع.
فإذا كان المحضِن واعياً لدوره مقدِّراً لمسؤوليته استقام الجيل ونما.
وإذا كان المحضن مستهتراً بمسؤوليته جاهلاً دوره ضاع الجيل وفسدت الأسرة.
في الحديث عن التربية لابد أن نعرج ونتطرق إلى أهمية هذا المحضِن الأول للتربية، وفي داخل هذا المحضن يجب الانتباه إلى وعاء هذه التربية، وهي المرأة (الأم) التي يعيش معها الجيل أكثر وقته، ويُمضي معها أول سنوات عمره، ويكتسب من معين وِعائها غِراس الحياة، فهي المحافظ الأول على الكليات الخمس  ، (الدين ،النفس ،العرض ،العقل ،النسل)
وهنا يكون دور الأبوين خاصة “الأم” في:
* المحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها.روى البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ.
* التدرج في العملية التربوية:
وهو وصية سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ففي الحديث الذي رواه البخاري إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن الله لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.
 إذن للمرأة دور بارز في إنهاض المجتمع وتطويره، ومعارف المرأة وتربيتها له أثر كبير في أخلاق الأجيال.
فالمرأة نصف المجتمع وهي تلد وتسهر على النصف الآخر ، وكما قال الشاعر:
                                               الأم مدرسة إذا أعددتها  

 أعددت شعبا طيب الأعراق 
تكلم الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، عن التربية و التغيير وعن دور المرأة في هذه العملية، وهذا ماسماه الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى” أنسنة الإنسان” فقال   في كتاب تنوير المؤمنات الصفحه “208” الجزء الأول: المستقبل لتغيير عميق شـــــامل، تغيير من داخل الإنسان، من تربية الإنسان، من تعليم الإنسان، التغيير أجيال، التغيير أمهات صالحات.
تنتظر المرأة من يأخذ بيدها ليعيدها إلى زمن العزة من يعلِّمها أن لها دوراً أساسيا في تغيير حال أمتها  ،وهذا كلُّه لا يكون إلا بالتخلص من فقرها وجهلها، مفتخرة بوظيفتها “ربة بيت” واعية بدورها في صناعة الاجيال .
فمن يعلِّم المرأة بأن وظيفتها الدنيوية لا تتعارض مع وظيفتها الأم؟
من يستنهض همتها لتقوم بواجبها نحو أمتها المسلمة ؟
من يزيل الظلمة الحالكة التي ألمت بأمتنا، لكي لا تبقى آمالنا حبيسة لا تتعدى صدورنا، ويبقى أبناؤنا في مؤخرة الركب بدلاً من قيادته .

وفقنا الله وإياكن الى حمل هم التربية وجعلنا من الفائزات يوم السؤال عن الرعية …