المرأة المسلمة قيمة ومكانة

Cover Image for المرأة المسلمة قيمة ومكانة
نشر بتاريخ

المرأة عماد الأسرة، وكل بناء لا يستقيم عماده فهو إلى التصدع، وإلى الآن ما تزال المرأة تعاني من الظلم بمختلف أشكاله، فهي “بين ظالم لها معتد على حقوقها وبين متملق لها مجلوب بعاطفة إغرائها”. معنى هذا أن ربة البيت المثالية هي عكس المرأة المقهورة التي تزخر بها مجتمعاتنا المبتلاة بالأمية الدينية، المثقلة بالتقاليد الذكورية الجائرة.  ولكي تتحرر المرأة من هذه الذهنيات الموروثة يلزمها “إذن أن تتعرف على حقوقها، وأن تطالب بعد ذلك بالتمتع بها، لأن أحدا غيرها لن يقوم مقامها في هذا المجال، ولأن أرضية صلبة من الحقوق المادية والنفسية كفيلة بتحريرها من الرق المتوارث وتمكينها من القيام بواجباتها” 1. ولا يمكن أن يتحقق ذلك ما لم تكن غايتها الأولى نيل رضى الله، فهي مطالبة بتحرير إرادتها لرفع الظلم عن نفسها، وبسعيها إلى استرجاع مكانتها المحورية في بناء أسرتها. وقد حباها الله سبحانه وتعالى بقدرات عالية، تمكنها من أداء أدوارها كاملة غير منقوصة.

المرأة بوصفها إنسانا

من أهم ما جاء به الإسلام إنصاف المرأة، فأعطاها حقوقها بوصفها إنسانا، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ 2. تؤكد الآية الكريمة على اشتراك المرأة والرجل في حقيقة التكريم الإلهي، فالله عز وجل ساوى بينهما في وحدة المعنى الإنساني، وناداهما على السواء للعمل الصالح. فكلفها الله سبحانه وتعالى بأعظم مسؤولية وأجلها وهي الحافظية، التي هي مهمّة تبتدئ من بناء ذاتها بتعلقها بالله تعلقا كاملا قلبا وقالبا، ثم تباشر في إرساء أركان بيتها بإتقانها لدورها الوظيفي، وهو حفظ حقوق الزوج وحفظ النسل وتعهد العقول والجسوم. وتمتد هذه الحافظية إلى خارج البيت حيث تدخل المرأة في الولاية العامة مع الرجل، ولها فيها المسؤولية الكبرى تأكيدا على مكانتها في واجب الدعوة إلى الله عز وجل ودعم بناء الأمة. وهكذا نتصفح الحافظية بمفتاح الفهم النبوي، فنجدها شاملة لكل جوانب حياة المرأة، إذ “لا تقصُر على حفظ حقوق الزوج بل تشمل كل حقوق الله المكلفة بها الزوج. حافظية الصالحات القانتات في المجتمع المسلم لا تقتصر على شُغل بيوتهن وإرضاء أزواجهن، بل تنطلق أولا من إرضاء الله عز وجل وترجع إليه” 3.

المرأة بوصفها أنثى

الأنثى كلمة أخاذة تحمل في طياتها معان سامية ومشرقة، وهي ركن ركين من فطرة المرأة وجوهرهـا. فنجد الإسلام يقدّر أنوثة المرأة ويعترف بمقتضياتها، فقد دعاها إلى حفظ هذه الأنوثة حتى تظل نبعا لعواطف الحنان والرقة والجمال، ولهذا أحلّ لها بعض ما حرّم على الرجال، بما تقتضيه طبيعة الأنثى ووظيفتها، كالتحلي بالذهب، ولبس الحرير الخالص، فجاء في الحديث: “إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم” 4. فالإسلام إذن لم يكبت أنوثة المرأة ولم يصادرها، ولكنه يحدد الضوابط التي تحول دون ابتذالها، فحرم عليها كل ما يجافي هذه الأنوثة، من التشبه بالرجال في الزي والحركة والسلوك وغيرها.. بهذا فالمرأة المسلمة يجب عليها أن تسير وفق الفطرة الإنسانية الطبيعية، التي خلقها الله تعالى على مقتضاها، فلها خصوصية تحتم عليها التعاطي معها في مسارات حياتها. 

المرأة بوصفها أما

الأم، هذه المفردة الّتي ما أن تذكر، حتّى يتبادر إلى الأذهان الفيض الدافق من الحنان والرأفة الّتي أودعها الله في قلبها. إنها الأم التي وصى بها المولى جل جلاله، وجعل حقها فوق كل حق: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ  5، هكذا حرص الإسلام على جعل تكريم الأم واجبا ومسؤولية، وليس اختياريا ولا موسميا أو محددا بيوم، كما هو عيد الأمّ. وهذا ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله أحدهم قائلاً: “مَن أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أَبُوكَ” 6. نداء قوي من رب العالمين، وإشارة عظيمة من رسول كريم إلى وجوب بر الأم وتكريمها. فمنزلة الأمّ في ديننا تجعلنا نقف على أهميّة المعاني الّتي كرّم الله بها الأم، حيث أوكل سبحانه لها مهاما جليلة عليها النهوض بها، مما يوجب عليها إدراك أبعاد المسؤولية الملقاة على عاتقها والوعي التام بدورها المتمثل في إعداد الإنسان وتوجيهه ومن ثم قيادته في مختلف مراحل حياته.

المرأة بوصفها زوجا

كفل الإسلام للزوجة قدرا كبيرا من البر في علاقة زوجها بها، فحقوقها عند الزوج لا تقف عند الحقوق المادية مما ألزم الإسلام به الزوج تجاه زوجته من مأكل ومشرب ومسكن وملبس وغير ذلك من أشكال النفقة المفروضة على الزوج، ولا تقف حقوق الزوجة عند علاقة الجسد الحسية وما فيها من رغبات مشروعة وتمثل حقا مهما من حقوق الزوجة. لكن الإسلام ارتقى بوضعية الزوجة إلى منزلة من التعامل الإنساني الذي يمثل أروع صور البر بالزوجة. فهي، في نظر ديننا الحنيف رفيقة دربه، وسكينة نفسه، وحافظة أسراره، ولذلك يجب أن يعاملها معاملة كريمة وأن يبر بها ويحسن إليها، ويعمل بوصية الخالق بها في قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ 7. والقرآن الكريم بهذه الآية يسخر للزوجة كل سبل الرعاية في بيت زوجها، فالمعنى الذي ترشدنا إليه كما يقول المفسرون: “الإنصاف في الفعل والإجمال في القول”، أي بما حض عليه الشرع وارتضاه العقل من الأفعال الحميدة، والأقوال الحسنة. وهذا ما أشار إليه الإمام المجدد رحمه الله: “الزواج تلاطف وتعاطف، والخشونة علاج مشروع لحالات شاذة، أو تسلط من قِبَل رجل لا يحسن القيام بمأموريته ومسؤوليته، فيفشل في سياسة سفينته وتوجيهها، فلا يشعر إلا وهي نهبٌ للصخور والمخاطر، فيعنُفُ ويتخبّط ويَخْبِطُ. الزواج ألْفةٌ وقربٌ، والخشونة نُفور وإِبعاد” 8.

المرأة بوصفها بنتا

للبنت في ديننا الحنيف قيمة ومكانة، حيث حفظ لها حقوقها، وأنزلها المنزلة اللائقة بها، ووعد مـن يرعاها ويحسن إليها بالأجر الجزيل، وجعل حسن تربيتها ورعايتها والنفقة عليها سبب من الأسباب الموصلة إلى رضوان الله وجنته، وجعل لها بحكم فطرتها وطبيعتها رعاية خاصة، إعدادا للدور الكبير الذي ينتظرها في الحياة لتكون زوجة صالحة، وأم المستقبل. وقد حث النبي صلى اللَه عليه وسلم على الإحسان إلى البنات، وجعل من يحسن إلى اثنتين أو ثلاث منهن رفيقه في الجنة، وكفى بذلك فضلا وفخرا وأجرا، فعن أنس بن مالك قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ” وَضَمَّ أَصَابِعَهُ” 9. فجاء الهدي النبوي بحكمته البالغة ليرسم أبعاد تكريم البنات ويربط ذلك بالدنيا والآخرة، فها هو رسول الإسلام يخرج إلى المسلمين في المسجد ليؤمهم بإحدى الصلوات وعلى عاتقه أمامة الصبية إذا ركع وضعها وإذا قام رفعها، يفعل ذلك في صلاته كلها وهو صلى الله عليه وسلم يقول: “من ولي من هذه البنات شيئا فأحسن إليهن كن له سترا من النار” 10.

وخلاصة القول، إن التغيير الذي تسعى له المجتمعات رهين بشكل كبير بواقع المرأة ومدى تمكنها من القيام بدورها في بناء أسرتها ومجتمعها.  وللنجاح في هذه المهمة، يجب أن تتمتع النساء بالوعي الكامل والإلمام الشامل لنظرة الإسلام للمرأة ومكانتها فيه؛ لتستطيع أن تدافع عن حقوقها. ويجب أيضا على كل أفراد المجتمع، أن يعلموا أن حضور المرأة أساسي في كل جوانب الحياة، وتعلمها وسعيها ضروري في كل المجالات، ويجب أيضاً أن يَعوا دور المرأة وواجبها في محيط الأسرة وخارجه.


[1] عبد السلام ياسين، الإسلام والحداثة، ط 2000/2، ص: 211.
[2] سورة الحجرات، الآية 13.
[3] عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ط 2018/4، ج 2، ص 82.
[4] رواه ابن ماجة.
[5] سورة لقمان، الآية 14.
[6] أخرجه البخاري.
[7] سورة النساء، الآية 11.
[8] تنوير المؤمنات، م.س. ج 2، ص: 179.
[9] رواه مسلم.
[10] أخرجه البخاري.