المؤمنة واقتحام العقبة

Cover Image for المؤمنة واقتحام العقبة
نشر بتاريخ

خلق الله الإنسان وجعله مستخلفا في الأرض، وجعل منه الذكر والأنثى، الاثنان مكلفان ومطالبان بالعبادة وعمارة الأرض، لا فرق بينهما إلا بالتقوى، قال تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (الأحزاب: 35).

تتحمل المرأة المسلمة العديد من المسؤوليات في الحياة، فهي الزوجة والأم وربة البيت، وقد تجبرها الظروف على العمل حتى خارج بيتها، فتتزاحم عليها المهمات، وغالبا ما يغيب عنها استحضار النية في هذه الأعمال، فتنشغل بأداء هذه الوظائف عن  طلب الكمال الإنساني والارتقاء في مدارج الدين من إسلام إلى إيمان ثم إحسان، تجرفها المسؤوليات ومشاغل الدنيا عن اقتحام العقبة، وعن طلب السعادة الأبدية المقرونة بالصدق والإيمان والصبر  لتحرير الإرادة في طلب وجه الله تعالى.

فما معنى العقبة؟

وما هي العقبات التي تواجه المرأة المسلمة؟

وكيف تقتحمها؟

ما هي العقبة؟

قال الله عز وجل: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (البلد: 11). المفسرون هنا يقولون لا نافية: الإنسان ما اقتحم العقبة. ويقول الإمام المجدد: “ونحن نفهمها لا عَرْضيَّة تَحْضِيضِيَّةً: لماذا لم يقتحم العقبة؟ لماذا لا يقتحمها؟ وسواء كانت «لا» للنفي أو للعرض والتحضيض فمُضَمَّنُ الخطاب أن الله عز وجل يسأل الإنسان وهو في كبَدِهِ ومعاناته في الحياة أن يقتحم العقبة، فعل «اقتحم» يحمل معاني القوة والصمود والصبر والإقدام والشجاعة والمدافعة والمناهضة والقتال والجهاد” (1).

جاء في شمس العلوم لنشوان بن سعيد الحميري، العَقَبة: الطريق الوعر في الجبل، وقيل العقبة: تشبيه وتوسّع، والمعنى: ما شقَّ على الأنفس.

واقتحامها توسط شدة مخيفة.

يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: “الأخت الصالحة مدعوة لكسب الفضائل ومقاومة الرذائل وامتلاك القوة الإيمانية الإرادية لترقى صعدا في معارج الكمال الروحي والكمال العلمي والكمال الخلقي والكمال الجهادي” (2).

العقبات التي تواجه المؤمنة في سلوكها إلى الله

1) العقبة النفسية:

المرأة اليوم بحاجة لمحاربة الإحساس بالدونية والانهزامية، وعليها تجديد ثقتها بنفسها وبربها مع التسلح بالإيمان واليقين والصبر مع الصابرات حتى تتمكن من تحرير إرادتها في طلب وجه الله تعالى، فهي شقيقة الرجل ونصف المجتمع ومربية النصف الآخر، كرمها الله وأعطاها حقها كاملا، ولا ينقصها إلا التسلح بالإرادة والعلم والعمل لتسير مع ركب الأصفياء والأتقياء الصالحين، قال الإمام المجدد رحمه الله: “العقبة طريق صاعد وعر، أوعر ما فيه العقبة النفسية التي تعالَج بفضيلة الصبر، وخطوات الهوى والشيطان طريق منحدر سهل مفض إلى الهاوية مباشرة في السُّفل” (3).

2) العقبة الخارجية:

تعيش المرأة في مجتمع ذكوري يحصر مهمة المرأة في البيت وأشغاله وتربية الأبناء دون أن يمنحها فرصة الوصول للمراتب العليا في الدين والدنيا، ولتجديد نيتها في القيام بأعباء الأمومة والحياة الزوجية ووجودها بصفة عامة. مجتمع يقيد المرأة بفقه منحبس تغلب عليه عادات جارفة وأنانيات مستعلية وذهنيات تابعة يفعل بها ولا تفعل، يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: “ثم العقبة الخارجية الكونية وما تعج به من مغريات، وعدو متربص وخصوم وأصدقاء، وحاجات اقتصادية وصحية، وعوائق ترجع لتخلف المجتمع، وأخرى تنتج عنه وتتجدد” (4).

كل هذه العراقيل تقف سدا منيعا دون استرداد المرأة للمكانة التي اضطلعتها الصحابيات الجليلات في عهد النبوة، والتي أرادها الله لها، ويبقى الحل الوحيد في الاستعانة بالله واقتحام العقبة بالسعي الحثيث لاستعادة مكانة وشخصية المؤمنة الفاعلة والمربية والعالمة والمجاهدة والداعية إلى الله بحالها ومقالها.

كيف تقتحم العقبة؟

في سورة البلد يصف الله عز وجل كَبَدَ الإنسان وتعبه في الحياة الدنيا وهمومها، ثم يوجهه ويأمره أن يتغلب على فتنها: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَة فَكُّ رَقَبَة أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَة أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَة أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَة ِوَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَة عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ (البلد، 20-11).

آيات تفتح لنا الأقفال المغلقة، وتقدم لنا الجواب لسؤال الكيف المطروح:

1) فك الرقاب: وهو تحرير للإنسانية من جميع أنواع الرق المادي والمعنوي، ويفسر هذا المعنى الإمام المجدد قائلا: “تحرير الرقبة قربة إلى الله تعالى وعمل صالح ونشر للدعوة وتزكية للنفوس المحرِّرَة والمحررة معا” (5).

2) إطعام الطعام: وهو كرم وبذل وجود دفعا للجوع المحسوس والملموس؛ الفقر في الدين والأخلاق وقلة ذات اليد، ويفسرها الإمام رحمه الله بـ”العوز الذي يقعد بالمسكين واليتيم، تمنعهم المسغبة والاهتمام بالقوت عن كل خير” (6).

3) الكينونة مع المؤمنين: صحبة وتلمذة وتعاون، تعينك وتعطيك قوة تقتحم بها العقبات بإذن الله، كينونة تستمد منها الأنوار وتشحذ بها الهمة للجهاد والارتقاء والسلوك إلى الله تعالى.

خلاصة القول؛ إننا مدعوات لاقتحام العقبة طلبا لمعالي الأمور وسعيا للوصول للهدف المنشود؛ طلب وجه الله الكريم، أعظم مطلوب، قال الإمام عبد السلام ياسين: “الإنسان في شقاء ما دام غافلا عن الله. ودواؤه وراحته وسعادته أن يعلم ويقتنع أن وراء حياة الكبد في الدنيا حياة سعادة ونعمة في الآخرة. فإن عمل عليها نالها بفك الرقبة -وتحتها معان جسام- وبإطعام اليتيم والمسكين -وتحت هذا برنامج هائل- ثم بالكينونة مع الذين آمنوا، وهم جسم الأمة المركزي، وهم المخاطبون بالشريعة المعنون في القرآن والسنة. المنهاج القرآني النبوي يخاطب الإنسان يدعوه إلى الله: من كفر لإسلام، من نفاق لصدق، من إسلام لإيمان، من إيمان لإحسان” (7).


(1) عبد السلام ياسين، اقتحام العقبة: سلسلة دروس المنهاج النبوي 4. ص: 16.

(2) عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات. ج: 1، ط: 1، ص: 15.

(3) المرجع نفسه. ص: 18.

(4) المرجع نفسه. ص: 19.

(5) المرجع نفسه، ص: 27.

(6) عبد السلام ياسين، مقدمات في المنهاج. ط: 1، ص: 39.

(7) عبد السلام ياسين، مجلة الجماعة، العدد السابع، ص: 13.