اهتم الإمام المرشد بالفتاة الشابة في جماعة العدل والإحسان اهتمامه بالشاب، حيث حرص على تملكها كل المؤهلات القيادية التي تؤهلها لاقتحام عقبة النفس وهوى الشيطان، لتساهم في البناء الدعوي مساهمة فعالة، تكون فيها الشابة حاملة للهم الدعوي وسط أخواتها لا محمولة.
لذلك وجدنا الإمام المرشد يضع لها منارات وصوى ترسم لها طريق الهداية والصلاح، وأول هذه الصوى هو الكمال القلبي، فقد كان همّ الإمام المرشد رحمة الله عليه وغايته الكبرى، هي تربية الشابة الحديثة العهد بالانضمام للعمل الدعوي، وذلك على مستويين اثنين: الخلاص الفردي الذي يرقى بالفتاة الشابة إلى مصاف الإحسان، والتحرر من سجن الأهواء والشهوة والغفلة تقربا لله ومحبة له ولرسوله، ثم الخلاص الجماعي الذي يقوم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخلاص الأمة وإخراجها من ربقة الاستعباد وجور الأديان.
ولتحفيز الشابة على التربية الإيمانية قدم لها الإمام المرشد القدوة والمثال بالصحابيات اللواتي فطن إلى أن الدين هو مراق، وأن التدرج في مرقاة الدين يحتاج إلى تربية إيمانية قائمة على حب الله ورسوله وإخلاص الوجهة لله تعالى ومجاهدة النفس.
أما الصوة الثانية فهي الكمال الخلقي الذي يعد من كمال الإيمان، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخيارُكم خيارُكم لأهلِه) 1. يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “من نقصت أخلاقا وسعةَ صدر وحِلما كانت في الدعوة كالجندي المبتور الأعضاء في ساحة القتال. مهما كان علمها فضيق خلُقها يحُطها عن درجة الأهلية. متدينة متبتلة عابدة قانتة صالحة في نفسها ضيقة بالناس، هذه لا تنتظري منها أن تتجند معك لتطبيب أمراض المجتمع، ونشر بشارة الإسلام، والصبر على مخالطة الناس وأذاهم. رأس الخُلق الكامل امتلاك النفس، وقمعها تحت طائلة التقوى” 2.
في هذه القولة يعلم الإمام المرشد الفتاة الشابة درسا في الصبر والمصابرة وتملك النفس عند مخالطة الناس على اختلاف مشاربهم وتباين طباعهم، لأن مخالطة الناس والصبر على أذاهم هو بمثابة امتحان للأخلاق والتربية الإيمانية، فالشابة التي لا تتميز بالصدر الرحب والأخلاق العالية ستكون جنديا مبتور الأعضاء لا يقدر على الجهاد في ساحة القتال، فالعمل الدعوي يحتاج الشابة المؤمنة التي تساعد في تطبيب أمراض المجتمع ونشر بشارة الإسلام؛ من خلال امتلاك النفس عند الغضب وترويضها بالخلق الكريم والتربية الإيمانية المتكاملة.
أما الصوة الثالثة فهي الكمال العلمي، حيث يدعو الإمام المرشد الفتاة الشابة إلى النهل من معين العلم ليتحرر عقلها ويتنور باعتبار أن العلم هو إمام العمل، يقول عبد السلام ياسين: (ننظر في البِنية العقلية النفسية للمؤمنة المتعلمة طالبة العلم من المهد إلى اللحد. العلم وطلبه واستكماله هو نور العقل الذي به تكون المؤمنة متحركة بين ساكنين، متوهجة بين باهِتين، مشمرة بين مترهلين، حية بين أموات. إن لم تكن تأسست بِنْيَتُها النفسية العقلية منذ صباها وطفولتها على قاعدة طلب العلم من المهد إلى اللحد، فمن كمال توبتها أن تنزع عن نفسها رذيلة الجهل، وعطالة الجهل، وأن تتحلى وتتجمل بالمعارف الشريفة) 3.
والعلم الذي حفزها للنهل منه بنهم كالمقبل على المورد العذب؛ هو العلم بالله وبغيبه والعلم الكوني، حيث يقول رحمة الله عليه: (علم بالله وبغيب الله مصدره الوحي لا مصدر له غيرُه. وآلة تلقيه القلب المؤمن ينير العقل الراجع من تأملاته كليلا يتتلمذ على الوحي. وعلم بكون الله آلته العقل المُشاع بين بني الإنسان مؤمنهم وكافرهم) 4.
لقد حث الإمام المرشد على تعلم الفتاة الشابة حتى تتحرر من ربقة الجهل، وتتجمل بنور العلم لتنخرط في تعليم الناشئة، والانفتاح على كافة المجالات، ناشرة دعوة ربها ومساهمة في بناء مجتمعها.
أما الصوة الرابعة والأخيرة فهي الكمال الجهادي الذي يرتبط ارتباطا أساسيا بتغيير مصير الأمة، ويعتبر الإمام المرشد أن لا جهاد بدون تربية، إذ ينبغي أن تربط الشابة جهاد النفس وترويضها على الحق بجهاد العلم والعمل. أما أبواب الجهاد الأخرى فتتمثل في الجهاد بالمال والتعبئة والتعليم والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
يقول الإمام المرشد: “لا فصل بين الدين والسياسة. الدين سياسة والسياسة دين. والمرأة المؤمنة كالرجل المؤمن نصيبها من المسؤولية السياسية مثل نصيبه” 5.
وقد حمل الأستاذ المرشد أمانة القضية الفلسطينية للفتاة الشابة مثلها مثل الشاب المؤمن، باعتبارها رأس الجهاد وسنامه في جماعة العدل والإحسان، فنجد الشابات المؤمنات في المصاف الأولى للمسيرات والوقفات، معبرات عن رفضهن المطلق لاحتلال الأرض المقدسة وانتهاك الحرمات، منددات بجرائم العدو الصهيوني، ومطالبات بحق الحرية للشعب الحر الأبي في غزة وفلسطين.
وهكذا تظهر لنا العناية التي أولاها إمامنا المرشد للفتاة الشابة، حتى تكون شخصيتها متكاملة مستقلة بإرادة فاعلة، مساهمة في عملية التغيير الشامل، ومتجندة مع أخيها الشاب ومشاركة له في تغيير حال الأمة وصناعة المستقبل.