العاملات في المزارع مواطنات من الدرجة الثانية، وارت الحاجة كرامتهن تحت أقدام مستخدميهن كما توارى الجثث تحت التراب. إنهن نساء اعتدن الاستعداد لاقتحام مجال عمل تحفه مخاطر تدور بين المادية والمعنوية بنفس يتجدد كلما زادت حاجتهن واشتدت أزمتهن. تتقلب مواجعهن بين عمل بلا تعويض ولا تأمين وبين مأساة الذل والهوان، والأدهى والأمّر أن المقابل دريهمات معدودة لا تسمن ولا تغني من جوع. إنها الفاقة يا سادة، فلا دافع لهن لامتهان مثل هذا العمل إلا الحاجة وسد رمق العيش، لتزيد المعاناة تجذرا في حال كانت الأم المعيل الوحيد لأسرتها أو شابة في مقتبل العمر وجدت نفسها المسؤولة الوحيدة عن عائلة تتكون من أبوين مريضين وإخوة قاصرين.
اعتادت العاملات في المزارع بدأ رحلة تعاستهن بُعيد صلاة الفجر، إن لم يكن قبل ذلك، ينطلقن إليه مكرهات يخفين وجوههن بلثام، كأنهن نينجات خارقات، يقيهن ذاك اللثام برودة الطقس أو لهيب الشمس، وهن في الحقيقة يخفين آثار الألم وخيبة الأمل في واقع وجدن أنفسهن مكرهات على التعايش معه. إصرارهن على خوض غمار هذه الرحلة غامضة الوجهة ومجهولة المآل يشبه حال الصخور التي ما زادتها عوامل التعرية إلا صلابة وتشبثا بحقها في الوجود. فرحلتهن لا تخلو من المفاجئات التي ما تزيد حالهن إلا حسرة وآلامهن إلا شدة، فهن عرضة للتحرش الجنسي والاعتداء الجسدي والتعنيف النفسي والتمييز المادي.. فكيف لحال من لا أمن لها ولا أمان أن تعي دورها في الحياة فتتقنه.
إن المتأمل لحال العاملات في المزارع سرعان ما يكتشف أنهن سجينات واقع صفدت فيه الفاقة أيديهن، وكسرت الإهانات نخوتهن، وغيب الذل كرامتهن. لذلك لم يستطعن لحالهن تبديلا ولا لأمرهن تحويلا، فلا هن سددن رمق العيش ولا هن ارتقين إلى درجة المواطنة الكريمة، فحق فيهن اسم مغتربات في زمن المواطنة، ما دامت شعارات حقوق الإنسان عناوين براقة فاق صداها حدود الزمان والمكان دون أن يغير من حالهن شيئا يذكر.
وتبقى الأسئلة المطروحة في هذا الشأن: من المسؤول عن أوضاع العاملات في المزارع؟ إلى متى سيتم تجاهل هذه الفئة من المجتمع، رغم أنها تشكل نسبة كبيرة منه؟ وهل ستتغير أوضاعهن بالسرعة التي تتغير بها شعارات حقوق الإنسان والمواطنة أم أن النزيف سيستمر والمعاناة ستتكرر والمآسي ستتجدد؟