5- يوم العطلة في حياة الطالب: اقتراح عملي
أخي الطالب، انطلاقا من الخصائص المميزة للوقت والمتمثلة في: سرعة انقضائه، وفي أن ما مضى منه لا يعود ولا يعوض، وأنه أنفس ما يملك الإنسان، فإنني أتوجه إليك بهذا الاقتراح -ونفسي أقصد- لعلي أوقظ همتك لتحرص كل الحرص على حسن استغلال ما تبقى من هذه العطلة:
إن الاستثمار الجيد والأمثل للعطلة الصيفية يفرض بدءا وضع برنامج دقيق وقابل للتحقق، ولعل أهم شروط هذا البرنامج الشمولية والتدرج والمرونة، فشرط الشمولية يتحقق بمراعاة الجوانب الثلاث التي سبقت الإشارة إليها “الجانب العقلي، الجانب النفسي، الجانب الجسدي”، أما شرط التدرج فيتحقق بمراعاة قدراتك الشخصية بحيث لا تنس بأنك في فترة نقاهة، وأنك ملزم بأن تراعي خصوصيات الجو العام حيث لا شيء من حولك يبعث على الجدية والالتزام، أما شرط المرونة فجميل جدا أن تتمكن من تحقيق البرنامج كاملا، غير أن ثمة أكيد متغيرات ومستجدات “أسفار، زيارات عائلية …” تحول بينك وبين التطبيق الحرفي لبنود برنامجك، لذلك وجب أن تكون مرنا في محاسبتك لنفسك، إذ “ما لا يدرك كله لا يترك جله” كما يقال، وأقترح أن يتضمن البرنامج العزمات الآتية:
– لعل أولى الثوابت التي ينبغي الانطلاق منها، هو أن تعقد العزم على التقرب من الله سبحانه وتعالى، والابتعاد عن المعاصي قدر الإمكان، فإذا تحققت هذه النية، وثبت هذا العزم، صار بالإمكان الاتفاق على أنشطة وأعمال مختلفة يمكن إنجازها:
– حفظ سورة من السور الطوال “سورة البقرة أو آل عمران”، أو حزبين أو ثلاثة أحزاب من القرآن الكريم، أو السور والآيات الفاضلات، والتركيز على المواد التي تشعر بأنك في أمس الحاجة إلى وقفات للدعم والتقوية اللغات الأجنبية مثلا كالفرنسية والإنجليزية، أو المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء… والتفرغ لنمط معين من الكتب يشبع رغبتك في الإحاطة بقضية من القضايا الفكرية أو السياسية أو الأدبية أو التاريخية أو القانونية …
– التفكير في إنجاز بحوث علمية على شكل مقالات قابلة للنشر في مجلات ودوريات متخصصة تناسب تخصصك العلمي، وعلى شكل كتيبات قابلة للنشر أيضا في إطار سلسلة من السلسلات الكثيرة التي غزت المكتبات العمومية رافعة شعار “القراءة للجميع”.
هذا بالنسبة للأهداف العامة التي لن تتحقق إلا بالالتزام بجملة من القواعد الربانية التي تجعل صلتك بالله عز وجل متينة وجلية ومستمرة:
أولى القواعد التي ينبغي الانتباه إليها أن المسلم عموما ملزم بأن يسير على نظام الحياة اليومي كما ارتضاه الإسلام، وهذا يفرض أن يستيقظ المسلم مبكرا، وينام مبكرا.
أنت أخي الطالب المسلم ملزم بأن تبدأ يومك منذ مطلع الفجر، أو على الأقل قبل مطلع الشمس، وبذلك تستقبل يومك من البكور الذي حظي بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: “اللهم بارك لأمتي في بكورها”، فتفتتح يومك الجديد بطاعة الله، فتصلي الفرض والسنن، وتتلو ما تيسر من أذكار الصباح المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتذكر الله بالأذكار المأثورة المعروفة، فتردد الأدعية التحصينية، ثم تعكف على حفظ آيات بينات من القرآن الكريم خاشعا متدبرا متفكرا قدر الإمكان، ومستعينا ببعض التفاسير التي تيسر لك أمر فهم معاني هذه الآيات… ثم تتوجه على التو لممارسة رياضة العدو حيث تقف على جمال الطبيعة وسحرها وهدوئها، فتستنشق النسيم الطاهر النقي، وبعد الاغتسال تشعر ببهجة وسرور فياضين غامرين، فتتناول فطورك بشهية مفتوحة، ونفسية مقبلة على الحياة، لتنتقل بعد ذلك إلى مكتبتك (إن كنت تتوفر على مكتبة)، أو مكتبة الحي أو المدينة، حيث تعمد إلى تنفيذ البرنامج التكويني الذي كنت قد وضعته لنفسك منذ بداية العطلة.
وبعد آذان الظهر عند الزوال، يجب أن تهرع إلى صلاتك مجتهدا أن تؤديها في أول وقتها وفي جماعة ما استطعت، فأول الوقت رضوان الله، والله تعالى أمر باستباق الخيرات، والرسول صلى الله عليه وسلم قد هم أن يحرق على قوم بيوتهم لتخلفهم عن الجماعات.
وفي وسط النهار تتناول غداءك أكلا من طيبات ما رزق الله، ثم تجد نفسك في حاجة إلى قيلولة تخلد فيها إلى شيء من الراحة.
فإذا جاء وقت العصر، أسرعت لأداء صلاتك، ولا يليق بك أن تؤخر صلاة العصر تهاونا بها حتى تصفر الشمس وتدنو من الغروب فهذه صلاة المنافقين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يرقب قرص الشمس، حتى إذا كانت بين قرني شيطان، قام فنقرها أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا”. رواه مسلم، وبعدئذ بإمكانك أخي الطالب أن تستثمر هذا الوقت في أنشطة عديدة كأن تقوم بزيارة أقاربك بنية صلة الرحم، وتمتين الروابط العائلية، وبإمكانك أيضا أن تخصص هذه الفترة المسائية للاستفادة من الخدمات التي يقدمها “عالم الأنترنيت”، وذلك بالإبحار في المواقع العلمية والثقافية والإسلامية ، وهنا ستكتشف عالما جديدا حيث “العالم قرية صغيرة” بلا حواجز ولا موانع ولا مسافات، وحيث المواقع الهدامة والمواقع البناءة كلها طوع أمرك، ستختبر إيمانك، وستوسوس لك الخبيثة الأمارة بالسوء، احذرها، وانطلق مباشرة للمواقع الجادة الهادفة الملتزمة، تزدك إيمانا ويقينا وارتباطا بربك ذي الجلال والإكرام.
وعندما تغرب الشمس، بادر إلى أداء صلاة المغرب لأول وقتها جماعة، وجالس الحزابين، شاركهم حسنات تلك الجلسة الجماعية. ثم بادر إلى تلاوة ما تيسر من أذكار المساء. ثم استغل هذا الوقت في مراجعة ما حفظت من آيات خلال الفترة الصباحية، وبعد آذان العشاء، بادر إلى أداء صلاتك جماعة، وبعد تناول وجبة العشاء، حاسب نفسك على لحظات يومك من بدايته إلى نهايته، وسجل في مذكرة خاصة ملاحظاتك الخاصة، ومواطن النقص والخلل، واعقد العزم على تجنب ذلك في اليوم الموالي، وقبل أن تخلد للنوم جدد وضوءك، وابعث رسائل لخالقك مدادها الدموع، وقراطيسها الخدود، وبريدها القبول، ووجهتها العرش… وانتظر الجواب، اطلب منه جل شأنه أن يعينك على أمر نفسك التي بين جنبيك فهي ألد أعدائك، اطلب منه أن ييسر أمورك كلها صغيرها وكبيرها، ظاهرها وخفيها، ما علمت منها وما لم تعلم.
وفي الختام
هذه اقتراح/نصيحة أوجهها لنفسي أولا -ولا ألزم بها أحدا- فأنا أحوج الناس إليها، دفعني إلى كتابتها أن يقيني يزداد يوما بعد يوم أن المسلم المعاصر لن يتحرر من أغلال التخلف والذلة والتبعية والأسر والاستغلال التي تكبله إلا إذا تمثل حقيقة أن الوقت أثمن ما يملك الإنسان، فالوقت ليس من ذهب فقط كما هو شائع متداول، بل هو أثمن في حقيقة الأمر من الذهب واللؤلؤ والماس، ومن كل الجواهر النفيسة، والأحجار الكريمة، إنه -كما يقول الشهيد حسن البنا- هو الحياة! فما حياة الإنسان إلا الرحلة الزمنية التي يقضيها من لحظة ميلاده إلى لحظة وفاته. كما دفعني إلى كتابتها أسف عميق يحز في نفسي وأنا أشاهد بأم عيني شباب الأمة يضيع حياته في التفاهات والسخافات والملاهي والمغريات، وألم قاتل يسكنني وأنا أعيان رجال الغد “التلاميذ والطلبة” يسعون جادين خلال هذه العطلة الصيفية للتخلص من الكتب والدفاتر وكل ما يذكرهم ب “سجن” ألزموا بأن يختلفوا إليه طوال السنة الدراسية، إلى كل هؤلاء، وإلى نفسي أولا وأخيرا أقول: حذاري من أن نكون نحن المقصودين بقولهم: “الصيف ضيعت اللبن”.