الصلاة طريق السعادة

Cover Image for الصلاة طريق السعادة
نشر بتاريخ

بقلم: محمد غلام

يعاني الإنسان اليوم من أثر ما يعيشه من ضغوطات الحياة اليومية، وتسارع وتيرتها، وازدياد متطلباتها، وقساوة ظروفها، فنتج عن ذلك تراكم للمشاكل والهموم، وشعور مستمر بالضيق، فغلبت على أحواله الكآبة والحزن، وصار فاقدا لطعم الراحة والطمأنينة، وكحل لذلك ينصح الكثيرون بممارسة الرياضة، والترويح عن النفس، والاهتمام بالنوم والتغذية السليمة… وقد يكون ذلك كافيا لو كان الإنسان دابة من الدواب وكفى، ولكنه خلقه الله سبحانه وتعالى جسدا وروحا، قلبا وقالبا، وهيهات أن يسعد بمجرد تلبيته لحاجات الجسد فقط.

ومما أرشد إليه ديننا الحنيف، وجعله وسيلة لمواجهة منغصات الحياة وأداة لتفريج الهموم، إقامة الصلاة، قال الله سبحانه وتعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة 1 وفي الحديث عن حذيفة رضي الله عنه قال: «أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر صلى» 2 والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أحزنه أمر، أو أصابه هم، لجأ إلى الصلاة.

وقد يقول قائل: فما بال كثير من المسلمين اليوم يعانون التعاسة والشقاء، وربما أكثر من غيرهم، رغم كونهم يصلون!

إننا بحاجة إلى إعادة النظر في كيفية أداء كثير من العبادات، ومنها على الخصوص فريضة الصلاة. ذلك أن كثيرا من المسلمين اليوم صارت الصلاة عندهم مجرد عادة، حتى وإن أداها في وقتها المناسب، وقام بضبط أحكامها الفقهية من شروط وأركان وسنن، فإنها لا تعدو أن تكون مجرد مجموعة من الحركات الجسدية من قيام وركوع وسجود وغيرها لتنتهي بالتسليم، بل منهم من قد يتقن وضعية الركوع ويطيل في السجود، ويأتي بالجلوس للتشهد كما في الحديث الشريف، لكنها تظل حركات فارغة من المعنى، وهكذا في نظره قد أتم فريضة الصلاة، وارتفع عنه واجب التكليف، ولا خبر عنده بوظيفة القلب وسمو الروح بالصلاة، وتمضي الأعوام تلو الأعوام، وقد يستغرق الأمر كل العمر وما ذاق للصلاة حلاوة، وما اكتشف لها لذة. فكان بديهيا ألا يستفيد من أثرها، وألا يدرك أهميتها في كشف الهموم وتجاوز الضغوط والأحزان.

لابد للمصلي من أدائها بالقلب والبدن، فلكل حركة ولفظة معنى يستشعره بالقلب، وينقله من عالم الدنيا ومشاغلها لمناجاة ربه من دون حجب ولا موانع، ويخاطب خالقه السميع البصير ليس بينهما ترجمان، يستحضر جلاله وجماله في خشوع تام، ويعبر عن عبوديته بين يدي الرحمان، فيخاطبه بكل شوق، مبديا ضعفه وفقره، فارا من نفسه ودنياه، ومن كل شيء إلى مولاه اللطيف الخبير، شاكيا همومه، وسائلا حاجته، وطالبا عفوه وراجيا رحمته، موقنا بأن الله وحده القادر على إزالة همه وكشف حزنه وقضاء حاجته.

حينئذ يكتشف أن للصلاة دورا ومعنى، ويجد أن لها لذة روحية لا تعوض، وأثرا عميقا على النفس، إنها فلاح للمؤمن الخاشع، قال الله تعالى: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون 3 فالذين خشعوا في صلاتهم هم السعداء. وكانت قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم: «جعلت قرة عيني في الصلاة» 4. قال ابن حجر في فتح الباري: “ومن كانت قرة عينه في شيء فإنه يود أن لا يفارقه، ولا يخرج منه، لأن فيه نعيمه، وبه تطيب حياته، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لمؤذنه بلال رضي الله عنه: «يا بلال، أقم الصلاة، أرحنا بها»سنن أبي داود.” والمعنى: أقم الصلاة لنرتاح ونطمئن ونسعد.


[1] سورة البقرة، الآية 45.
[2] سنن أبي داود.
[3] سورة المؤمنون، الآيتان 1 و2.
[4] مسند الإمام أحمد 128/3.