الزائر العظيم

Cover Image for الزائر العظيم
نشر بتاريخ

الزائر العظيم

تنفست الصعداء وأنا أضع آخر المقتنيات على باب شقتي، فإذا بيد حانية تربت على كتفي بلطف، استدرت إليه بكليتي، وأخذت أنظر إليه بكثير من التقدير والإجلال، أتملى في طلعته المهيبة بلباسه المنير. وابتسامته المشرقة. ولسان حالي يقول في صمت خجول: عذرا أيها الزائر العظيم، جئتنا على موعد توافقنا عليه منذ عام، فوجدتنا لم نتهيأ بعد لاستقبالك، وقفنا على الباب مندهشين، ونحن نعرف دقة مواعيدك وخفة زيارتك. نعتذر عن هذه الفوضى التي ألفيتنا عليها، أتخيل أنك تتساءل في نفسك بسماحتك المعهودة: ما بالهم ينظرون إلي باستغراب؟ ربما أخطأت الموعد. لكني لازلت محتفظا بنفس التاريخ الذي حددناه معا، ثم إني أرسلت لهم وزيري قبيل قدومي، ليعلماهم ويذكراهم إن غفلوا عن موعدي.

ثم يزيد استغرابك وأنت تتذكر كيف فارقناك منذ عام بصعوبة، وقلوبنا تتمزق من الألم لبعدك، ونحن نردفك للباب ونتشبت بأعتابك ألا ترحل بعيدا، ونتوسل إليك أن تترك لنا ذكرى نلزمها لحين رجوعك، فابتسمت، وأنت الكريم، وتركت لنا فيضا من عطرك وجميل نسائمك، ثم بقيت على طول الفراق توافينا بأخبارك وترسل إلينا مراسيلك في كل مرة كيلا ننسى الوعد ونبقى على العهد.

ثم انتصف العام، فانطفأ الشوق وتبدد العطر في نسيم الربيع، ثم تبخر مع حرارة الصيف، فهرعنا إلى الشواطئ نرتشف من فسحة العطلة، نبرد، مع حرارة الشمس دفء الحنين. وهكذا دارت علينا عجلة العام ونحن في سعي لا نتوقف للتأمل والتذكر، حتى رن علينا هاتفك، فجمعنا أغراضنا على عجل لنأتي لاستقبالك. فحملنا السلة كما عهدتنا، ودفعنا العربة نملؤها بما لذ وطاب أو لم يطب من المؤونة ندخرها لزيارتك القصيرة، وأنت كما أنت دائما، في غفلة عن كل هذه المظاهر، لا يهمك إلا حفاوتنا بك ومكانتك في قلوبنا وسعة صدورنا بزيارتك.

عذرا أيها العظيم على خذلانك مرة أخرى، لم ننس موعدك، لكن أخدتنا نفوسنا، وسرقتنا الأوقات والأحوال، رتبنا فوضى بيوتنا ومطابخنا، وبقيت في نفوسنا فوضى أنت تعلمها جيدا، لا تؤاخذنا بهذه الدهشة في عيوننا، فقد صادفت زيارتك هذا العام ضيفا ﺁخر جرنا بحرارة عن موعدك حتى كدنا ننساه، لكننا اليوم نستقبلك بنفس الحدب والتعظيم الذي عهدته في ﺁبائنا من قبل، صدقنا، أنت ضيفنا الذي يكرمنا بنفحاته، ولا تأخذه الغيرة ﺈن زاحمته الوفود، بل يغدق على الجميع من جميل نفحاته ووفير عطاياه.

أيها العظيم، نعرف أنك لا تأبه بما أعددنا من مأكولات و ملبوسات، لكننا نرجوك أن تنظر في شتات نفوسنا تلملمه بيد رحمتك وكرمك، وكن أعزك الله على علم بأن قلوبنا ستظل دائما تجلك شتاء وصيفا، وسنصوم أيامك مع حرارة الشمس وطول الساعات وفتن الشواطئ، ونقوم لياليك مع قصرها وحاجة الراحة وكدنا بالنهار لنثبت لنفوسنا وللجميع بأننا أمة قادرة على مهمة الجهاد والبناء مهما بدت الصعوبات، ونعدك أيها العظيم في هذه الزيارة أن نكون أبر بك مما قبلها، وسنبقى على ما تركتنا عليه ﺈلى الموعد اﻵتي.