الرجال لا تموت.. عرائسهم لا تموت

Cover Image for الرجال لا تموت.. عرائسهم لا تموت
نشر بتاريخ

تتبعت كما الآلاف من المشاهدين الفيلم الوثائقي التوثيقي “كلمة الحق لا تموت” وهو  يناقش رسالتين بعثهما الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله لملكين من ملوك المغرب المعاصرين ؛ “رسالة الإسلام أو الطوفان” إلى الحسن الثاني و”مذكرة إلى من يهمه الأمر” إلى الملك محمد السادس بعد مدة من تنصيبه على عرش المغرب.

وكان الوثائقي وما تلاه من نقاش رفيع مع ضيف الحلقة  الأستاذ  عبد الله الشيباني من خلال إطلالة، قصيرة تمنيت لو طالت قليلا، أطرت الرسالتين تاريخيا وإنسانيا، أو من خلال مناقشة الأستاذين عبد القادر الدحمني وعبد الرحمن خيزران، غنيا بالرسائل على كافة المستويات تربويا ودعويا وسياسيا وإعلاميا وإنسانيا، منه ما فصل فيه النقاش ومنه ما ألمح إليه من طرف خفي لضيق الزمان والإمكان.

فهذه الكلمات، إلى جانب كونها دعوة لمشاهدة الشريط والاستمداد من أنفاس وأطياف الحاضرين الغائبين فيه، بإطلالتهم البهية من دار الآخرة، يشهدون علينا ويذكرون بالأمانة والإمامة، ويشحذون الهمم ويأسون الألم بعدما عاشوا رجالا ومضوا رجالا ذكرانا وإناثا، كلمات الإمام رحمه الله الصلبة المتلطفة اللينة المكتوبة المسموعة المحسوسة، شهادات ساداتنا الرجال المؤسسين سيدي العلوي وسيدي الملاخ وسيدي علي سقراط، ومشاهدات الصدق  والتضحية والبذل للآلة خديجة ولالة نادية، وإضاءات أبناء المؤسسين الوارثين للوعد والعهد الأستاذين نور الدين وأحمد، ممن غرست بذرتهم في تربة الطوفان، فاشتد الزرع  بحمد الله على سوقه ليتفيؤوا ظلاله إسلاما، نشأت تحت ظله أجيال من شباب هذه الأمة المتعطشة للحرية والعدل والكرامة، سقتها قلوب نضاحة بنور اليقين، مستمدة من مشكاة السابقين، ورعتها أيدي الأمناء الأقوياء المتوضئين، كالأستاذين فتح الله أرسلان وعبد الكريم العلمي فأغاض الله بزرعها الطغاة الظالمين، الذين رغم المذكرة والتذكير، أصروا على الطوفان والله غالب على أمره في كل وقت وحين.

تحليل رصين ونسج متين و تذكير بقناة لا تلين، هي قناة إمام رحمه الله تعالى رفع شعار جده الحسين هيهات منا الذلة، وتعرض لبشارة أمير الأنبياء سيد الشهداء حمزة وحسين ورجل قام إلى سلطان جائر فنصحه فقتله، فانسلك في قوافل الشهداء الناصحين القائمين.

يطول الحديث فيقصر عن الإحاطة لوهن طوله وضعف حوله، فاللهم لا حول ولا قوة لنا إلا بك، وحسبي هذه الإشارات والإضاءات التي جعلتها عطفا على دعوة مشاهدة سلفت، والتي أراها كانت رسالة إلى الأجيال:

1- الوفاء لشخص الإمام رحمه الله تعالى، وللخط والاختيار والرسالة، والمشروع أي للعدل والإحسان في جملة واحدة.

2- سلاسة في تلاقح الأجيال وتكاملها، فالشريط جمع بين أجيال من الجماعة وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون.

3- تجدد في إطار الاستمرارية نفس الرسالة والمشروع يعبر عنه بألسن ومستويات من الخطاب والتناول والتحليل التأويل في ظل الوفاء للثوابت.

4- ترسيخ الثوابت وتوريثها للأجيال أمانة ومشعلا يحمله جيل لجيل لا محيد عنها خصالا عشرا وشعب إيمان، ومطاولة للباطل وأهله جهاد نقض و بناء.

5- التشبيب الناضج، شباب ورث مشروع الإمام رحمه واستوعبه في كلياته وتفاصيله، فعبر عنه صوتا وصورة وبناء دراميا، ورؤية عميقة وخطابا حكيما رحيما، فكان الشريط دروسا في الإعلام والفن والسياسة والمحبة والإعجاب والأبوة من جيل ترى السعادة الغامرة في عينيه ودونك نظرات الدكتور عمر أمكاسو وهو يطالع وجوه غرس زرع بذوره ورعاها بارك الله فيه.

6- شهادة لله وللتاريخ، شهادة لله واعتراف من أجيال بفضل رجل وجيل من المؤسسين رحمهم الله وجزاهم الله عنا خيرا، بالإعلان الصريح والواضح بالبقاء وقوفا وقياما وفاء لهم ولخطهم دون تغيير ولا تبديل، في زمن فقد أغلب الناس أعمدتهم الفقرية، فصاروا كائنات زاحفة على بطونها. وبث هذه الشهادة في عالم من الشباب يبحث عن قدوات من الرجولة والبطولة في زمن التبضيع والتمييع والتطبيع، ويبحث عن بداية الطريق الذي تكون أوله كلمة الحق وفعل الحق وموقف الحق، فالكلمات عرائس الرجال، وصدق الإمام الشهيد السعيد سيد قطب إذ يقول: “إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح، وكتبت لها الحياة”.