الدورة 21 لشورى “العدل والإحسان”.. قراءة في السياق والوظائف والمواقف

Cover Image for الدورة 21 لشورى “العدل والإحسان”.. قراءة في السياق والوظائف والمواقف
نشر بتاريخ

عقد مجلس شورى جماعة العدل والإحسان دورته العادية الواحدة والعشرين يومي السبت والأحد 11 و12 فبراير 2023م الموافقين ليومي 20 و21 رجب الفرد، في سياق إنساني وإسلامي ووطني بالغ الدقة، وختمت الدورة ببيان حبل بمواقف مهمة ومتنوعة ما يجعل المراقب يسائل هذه المؤسسة ووظيفتها داخل هيكل ومشروع العدل والإحسان؟

1- قراءة في سياق الدورة 21: صخب الدنيا وسكينة المؤمن

أ‌- شقاء الإنسان بأخيه الإنسان

لخص بيان الدورة 21 لمجلس شورى العدل والإحسان السياق العالمي الذي تمر منه الإنسانية ووصفه ”بالوضع المعقد” الذي يظهر مدى ”شقاء الإنسان”؛ تجلى هذا الشقاء في أزمات اقتصادية وسياسية وحروب تستعر في مناطق متعددة من الكرة الأرضية، وأرجع بيان مجلس الشورى هذا الشقاء إلى  ”جهل المستكبرين في الأرض وتجار الحروب والمآسي بالله تعالى وسننه في خلقه، وجراء فجورهم واستهتارهم بأرواح الناس وحقوقهم وحرياتهم”.  والنتيجة ”تحولات وتقلبات خطيرة لها تأثيرات آنية بارزة وعواقب مُتوَقَّعة تتراءى لكل العقلاء، وتنعكس بشكل سيئ على وضع الإنسان وحياته واستقراره”. وبين يدي هذا الشقاء الإنساني بما كسبت أيدي بعض الناس، تتوالى الامتحانات الإلهية ورسائل القدرة الإلهية في آفاق الكون والطبيعة.

وقد وقف المجلس أيضا عند السياق العسير الذي تمر منه الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها بأيدي خصومها وأعدائها وبفعل حكامها ومسؤوليها. إذ تصاعدت جرأة المتطرفين الصليبيين على مقدسات الأمة كان آخرها مشاهد إحراق المصحف الشريف في بعض البلدان وبترخيص حكومي أحيانا أو تواطأ في كثير من الأحيان من حكامهم وحكامنا عبر صمت هؤلاء المريب. أما إخوانهم الصهاينة فقد وجدوا في اتفاقيات التطبيع صك  غفران لكل الجرائم التي ارتكبوها ويرتكبونها في حق الأقصى ومقدسات الأمة والفلسطينيين العزل وذوي المقاومين والشهداء.

أما السياق المحلي في وطننا الحبيب فالمغاربة يعيشون ظروفا بالغة السوء على مستوى حقوقهم وحرياتهم ومعاشهم، بل تزداد تدهورا في كل وقت وحين. والسبب المرجعي الجامع لكل الأسباب هو تغول السلطوية التي استهدفت الحقوق العامة للمغاربة من خلال التعرض لكل صوت حر مُعارض بالاعتقال والتشويه والتضييق على الأرزاق وغيرها من الانتهاكات التي طالت العديد من أبناء وبنات هذا البلد.  مقابل الإصرار على نهج نفس السياسات المنتجة لنفس الوضع، بل أضيف لها الإسراع المحموم نحو تقديم البلد ومقدراته ومستقبله قربانا للصهاينة.

ب‌- سكينة المؤمن وقصده في سيره

في مقابل هذا الصخب الذي تشهده دنيا الناس، جسدت الأجواء التي انعقد فيها مجلس شورى العدل والإحسان سكينة المؤمن الذي يرى نور الله المتبدي من وسط ظلمة التعاسة البشرية، بل يرى في تسلسل الأحداث الصاخبة رحمة الله القادمة يستمطرها. ولا يستخفه استعلاء المستكبرين العالميين ووكلاؤهم المحليين، ويستدعي نصر الله الذي يراه الناس بعيدا ويراه هو قريبا.

وهكذا انعقد المجلس تحت أنوار قول الله سبحانه وتعالى: ﴿والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون﴾، وفي سياق أجواء تربوية ونفحات إيمانية، واستحضارا لروح التعاون على البر والتشاور فيما ينفع الجماعة والأمة والناس جميعا، وامتثالا لقوله تعالى: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾.

2- مجلس الشورى: ماهية المؤسسة ووظائفها

أ‌- موقع مجلس الشورى في هيكل الجماعة

شبّه السيد الأمين العام لجماعة العدل والإحسان في كلمته التوجيهية التي تخللت الدورة 21 لمجلس الشورى جسم الجماعة ‘‘بالهرم‘‘، ويشكل مجلس الشورى ‘‘أعلى قمة في هذا الهرم‘‘. وبهذا المعنى يكون هذا المجلس أعلى هيئة تقريرية عامة داخل الجماعة، وتضم منتدبين عن المؤسسات الكبرى في الجماعة، ويرسم توجهاتها الاستراتيجية ويقيّم أداءها العام.

وانطلاقا من ذلك الموقع المحوري الذي يحتله مجلس الشورى في هيكل ومشروع الجماعة، فهو يضم صفوة الإخوة والأخوات داخل الجماعة كما وصفهم السيد الأمين العام في كلمته، مؤكدا ‘‘أهمية وأولوية أن يتشبع أعضاء هذا المجلس بمعاني الإحسان وأن تترسخ في قلب كل عضو لا أن تكون أحوالا تحضر وتغيب‘‘، بالنظر للمهام الجسام المنوطة بهم مؤسسة وأفرادا.

ب‌- وظائف مجلس الشورى

عرفت أشغال الدورة 21 لمجلس الشورى عددا من الأعمال والأوراش الهامة التنظيمية والقانونية والتصورية والتدبيرية، وأصدرت في نهايتها بيانا، عرض موقف الجماعة من جملة من القضايا المحلية والدولية الجارية.

ما يعني أن وظيفة المجلس مهمة وأساسية في مشروع الجماعة باعتبارها تجسيد للأمر الإلهي بجعل أمر الأمة شوريا، وتأسيا بالمنهاج النبوي الذي جعل من الشورى أس الحكم الإسلامي، وجسد ذلك عمليا وبشريا الزمن الراشد الأول لسلف الأمة، ويجسده الزمن الراشد الثاني الموعود الذي تستشرفه الجماعة دعوة وتأسيسا.

كما يشكل المجلس ووظيفته تنزيلا عمليا لمشروع الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله خاصة في قضية النواظم الثلاثة التي جعلها صوى لجسم الجماعة وهي: الحب في الله، والنصيحة والشورى، والطاعة.

وقد شهدت هذه الدورة انتخاب رئيس المجلس ونائبه؛ إذ أسفرت العملية الانتخابية عن تجديد الثقة في الأستاذ والمربي عبد الكريم العلمي رئيسا، وانتخب الدكتور علي تيزنت نائبا له.

3- مواقف مجلس الشورى

إن مؤسسة بهذه الوظائف وتلك المحورية وذاك السياق يجعل مواقفها محورية في التعبير عن نظرة الجماعة للقضايا الكبرى الجارية. وقد حبل بيان الدورة 21 لمجلس شورى العدل والإحسان بمواقف متعددة كان في مقدمتها التعبير عن الواجب الإنساني والأخوي تجاه ضحايا الهزات الأرضية التي وقعت مؤخرا في كل من تركيا وسوريا، مع  دعوة جميع المنظمات الأهلية والخيرية في الأمة والمجتمع الدولي، إلى المبادرة بالمواساة وإغاثة اللهفان ومساعدة المتضررين في هذا المصاب الجلل.

كما تفاعل البيان مع قضايا الأمة ومقدساتها في دينها وقرآنها وأقصاها، محملا حكام المسلمين مسؤولية كبيرة في هذا الهجوم بسكوتهم بل بتواطؤهم، داعيا علماء الأمة ودعاتها والمخلصين لحرماتها ومقدساتها لرص الصفوف وتكاثف الجهود وتكثيفها قصد التصدي لما يكاد للمسلمين وما يستهدف دينهم وأخلاقهم.

وقد نالت قضايا الشعب المغربي حيزا هاما من بيان المجلس، إذ عبر  عن تضامنه الكامل مع كل ضحايا القمع المخزني الذي نال كل أحرار البلد، ومنهم الجماعة عبر ملفات كثيرة كان آخرها، زمنا وليس نهاية، متابعة الدكتور محمد أعراب باعسو الذي لفقت له تهم ظالمة وباطلة، نكاية في الجماعة.

كما عبر بيان مجلس الشورى عن تضامنه مع مختلف فئات الشعب المغربي التي أنهكتها سياسة التفقير المنهجي وتعميم ثقافة التسول والعيش على الفُتات، وإشاعة أجواء عدم الطمأنينة وتأزيم الأوضاع من خلال غض الطرف عن الغلاء الفاحش الذي لم يترك بيتا إلا أصابه في استقراره المعاشي وراحة أهله اليومية. يضاف إليه تجميد الأجور لسنوات طوال، بل استهدافها بالاقتطاعات المتتالية بدعوى الإصلاحات الوهمية.

وبالمقابل أدان البيان التدبير الرسمي لأوضاع البلد والذي لا يفرز إلا الكوارث، ولا يراكم إلا الفشل على كل الأصعدة، رغم الضجيج الصاخب للآلة الدعائية المخزنية التي ينفق عليها بسخاء من أموال الشعب المقهور لتسويق الأوهام وترويج الأباطيل.

ولم يفت مجلس الشورى أن يخاطب الذات في بيانه؛ هذا إذ عبر  عن اعتزازه بالأنشطة التخليدية للذكرى الأربعين لتأسيس الجماعة وانطلاق عملها ودعوتها، وأشاد بالانخراط الطوعي لأعضائنا وعضواتنا ومساهمتهم الجادة في برنامج الذكرى، مجدّدا الترحّم على الإمام المؤسس والمربي العالم الأستاذ عبد السلام ياسين ورجال التأسيس الذين سبقونا بإحسان، والذين دشنوا هذا المسار وأسسوا دعوة “العدل والإحسان”.