الانتخابات المغربية وسؤال الشرعية

Cover Image for الانتخابات المغربية وسؤال الشرعية
نشر بتاريخ

يُعتبر المغرب من أكثر البلدان تنظيما للانتخابات بنوعيها التشريعية والجماعية، غير أن تاريخ المغرب الطويل مع الاستحقاقات لم يرسخها بعد تقليدا ديمقراطيا لتداول السلطة والتنافس بين مكونات المشهد السياسي على أساس البرامج والاحتكام إلى إرادة الشعب واختياره، فالانتخابات في المغرب ومنذ 1963، تاريخ إجراء أول انتخابات تشريعية، ما زالت تبحث عن شرعية الوجود والاعتراف الشعبي والميداني بها، فأغلب المغاربة اليوم وبعد أكثر من خمسة عقود لا يرون الاستحقاقات ذات جدوى وفائدة، بحكم أن الهيئات المنتخبة لا تحكم فعليا، بل تتوارى أمام منطق التوجيهات والمبادرات الملكية، وبالتالي فالانتخابات وكلفة البرلمان وتعويضات أعضائه لا تعدو أن تكون هدرا وتبذيرا للأموال، ليس إلا.

إن واقع التجربة المغربية في الانتخابات أحالها غاية في حد ذاتها، يجري الإعداد لها قبل أكثر من سنة على موعدها، تهييئا للقوانين المنظمة وما يرتبط بها من تقطيع يعاد فيه النظر كل موسم انتخابي لأغراض في نفس المخزن وتحيينا للوائح وما تتطلبه من حملات تحسيس وترغيب، والحال أن آلية اعتماد بطاقة التعريف الوطنية أسهل وأنجع وأضبط لو صحت النيات، تفاديا للتلاعب بعدد المسجلين ودفعا لتهم التشكيك فيما يعلن من نسب المشاركة.

تُرى، لماذا يشكك الشعب فئاتُه الواسعة ـ والعهدة على المعطيات الإحصائية لآخر استحقاق خريف 2011 ـ في نجاعة الانتخابات؟ ما العوامل الموضوعية لهذا النفور من عملية يمارس من خلالها الشعب حقه في الاختيار والعقاب لمن يترشح لتدبير شأنه العام؟ وبالمقابل، لماذا هذا الإصرار من النظام السياسي على المشاركة الواسعة في أي استحقاق؟

إن الشعب من خلال ما راكم من تجارب بلغ إلى درجة من الاقتناع بزيف ما يرفع من شعارات التغيير، وإذا كان العاقل لا يلدغ من جحر واحد مرتين، فكيف يطلب له تعطيل ذكائه وتصديق الوهم والسراب، أسطوانة مشروخة ووعود عرقوبية، أنك أيها المواطن بمشاركتك في هذه المحطة الانتخابية الفارقة ـ وكل المواعد الانتخابية فارقة يُنتقى لها عنوانها الذي يميزها، فهذه انتخابات ستفرز حكومة تناوب وتداول على السلطة، وهذه تُجرى بضمانة ملكية لنزاهتها، وهذه أول انتخابات في “العهد الجديد”، وهذا استفتاء مصيري لدمقرطة الحياة السياسية وترسيخ جيل جديد من الحقوق، وهذه أول انتخابات بعد إقرار دستور 2011 ـ ستساهم في تكريس الدمقرطة وتختار من يدبر شؤونك ويرعى مصالحك، إلا تفعلْ تساهم في ترسيخ الفساد والمفسدين لنهب ثروات البلد وتفويت فرص النماء.

ولما كانت الانتخابات هدفا وغاية في حد ذاتها، إذ تعتبر استفتاء شعبيا لقياس مدى الرضا على النظام القائم تسويقا لنموذج الاستقرار السياسي لجلب الاستثمار وبعث رسائل الطمأنة لكبار العالم على مصالحهم الحيوية ودوام الانخراط في مخططاتهم الاستراتيجية، اكتست المشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات قيمة خاصة، فلا عجب أن يعلن الاستنفار وتسخر كل الإمكانيات: إعلام عمومي وخاص المسموع والمرئي والمقروء، خطاب تعبوي واحد أن سارعوا للتسجيل في اللوائح ولا تترددوا في التصويت، بل إن الخطاب الرسمي دخل على الخط معبئا على المشاركة باعتبارها حقا وواجبا. مقابل ذلك، لم يتسع بعد صدر الديمقراطية المخزنية لتستوعب خطاب الهيئات المعارضة من خارج النسق السياسي الرسمي ولم تمارس حقها في التواصل مع الشعب وبسط مبررات مقاطعتها للاستحقاقات عبر الإعلام والفضاء العموميين.

إن صعوبة إقناع الشعب بالمشاركة الواسعة في الاستحقاقات مؤشر على بوار وإفلاس النهج التدبيري للشأن العام، وأن ما يرفع من شعارات وما يعتمد من مبادرات إصلاحية لا تحقق التغيير المنتظر في واقع الشعب، مبادرة التنمية البشرية نموذجا، والتي بعد ردح من الزمن على إطلاقها يُعترف رسميا ـ خطاب العرش ـ باتساع رقعة الحرمان والهشاشة، ويعتزم القصر، مرة أخرى، إطلاق مبادرة جديدة لتوفير الحد الأدنى من الخدمات الاجتماعية الضرورية لآلاف الدواوير والتجمعات السكنية؛ مبادرة توحي وكأن المغرب حديث عهد بالاستقلال، حيث ما زال توفير الماء الشروب وربط القرى والمداشر بالكهرباء وشق الطرق وتقريب خِدْمات التمدرس والتطبيب مطلبا بعيد المنال.

وعليه، وأمام تنامي نسب المقاطعة في الانتخابات، لا سيما بعد الدعوة الرسمية للمشاركة المكثفة في نزال 04 شتنبر، هل نحن أمام عزوف انتخابي كما هو الشأن في الديمقراطيات العريقة، حيث يغدو الحسم في المنتخبين تفصيلا جزئيا ما دام المواطن غير قلق على مستقبله وغير مهدد في حقوقه وخدماته الاجتماعية، أم أن خيار المقاطعة قائم على قناعة بعد تجارب مريرة مع الفساد الذي استشرى وتمأسس وتماهى مع مؤسسات الدولة، فلا عجب أن جميع الهيئات الحزبية المنخرطة في اللعبة الانتخابية يرفع شعار محاربة الفساد، فمن المفسد إذن؟

وإذا أضحت المقاطعة الشعبية واعية بهذا الشكل، ألا تحمل رسائل إلى من يُهمهم الأمر، نظاما سياسيا ووسطاء/أحزاب ونقابات، أن الشعب طفح به الكيل وسئم لغة الخشب تشخيصا للأزمات واقتراحا للبدائل؟ بمعنى أوضح: ألا تشكل المقاطعة الشعبية بهذا الزخم للانتخابات “ثورة” ناعمة وبأسلوب حضاري راق تقتضي سرعة الالتقاط وبداهة التفاعل قبل فوات الأوان؟