الإعجاز في القرآن والسنة.. أنواعه وقضاياه (1)

Cover Image for الإعجاز في القرآن والسنة.. أنواعه وقضاياه (1)
نشر بتاريخ

مقدمة

إن البحث في قضية الإعجاز في القرآن الكريم وفي السنة النبوية له أثر بين المسلمين في تقوية الإيمان وزيادته كأثر المعجزات التي شاهدها الصحابة، فالمعجزات الأولى للصحابة كانت سبباً لإسلامهم والتي تليها كانت لتقوية الإيمان وزيادته. ودراستنا للإعجاز اليوم هولزيادة الإيمان وتقويته وتثبيته، ومع كثرة الشبهات من العلمانيين والكفار تصبح دراسة الإعجاز بكافة وجوهه وأنواعه رداً واضحاً ومعجزة بينه في زمننا لتثبيت المؤمنين على إيمانهم ولزيادة الإيمان قال تعالى: فَأَمّا الّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة: 124].

فإذا كان الله عز وجل قد أيد النبي صلى الله عليه وسلم بالعشرات من المعجزات في أحوال مختلفة والتي وصلتنا من طرق صحيحة فإن القرآن الكريم هو أعظمُها وأدومُها، إنه معجزة الله التي لا تبليها السُنونُ ولا القرون، وبه تحداهم أن يأتوا بمثله فلم يستطيعوا واعترفوا بشدة تأثيره عليهم مسلمهم وكافرهم.

وعندما انتشرت الأحزاب القومية والأفكار الغربية والنظريات الهدامة في بلداننا كان السبيل لتثبيت إيمان المؤمنين وتقويته هو الإعجاز في القرآن والسنة في هذا العصر.

وفي هذا العرض تناولت قضايا الإعجاز في كتاب الله وفي سنة نبيه عليه الصلاة والسلام حيث تطرقت إلى مفهوم الإعجاز في اللغة والاصطلاح، وكذا معاني الإعجاز من خلال آيات التحدي الواردة في كتاب الله تعالى.

وقد بينت أنواع الإعجاز في القرآن الكريم ووجوهه واقتصرت على الوجوه البارزة كالإعجاز البلاغي والإعجاز في الآفاق والأنفس والإعجاز التشريعي، وضربت أمثلة لكل تلك الأنواع مبينا دلالات الإعجاز فيها.

ثم بينت قضية الإعجاز في السنة النبوية، وبينت ضوابط التعامل مع الإعجاز في السنة، كما ضربت مثالا بارزا للإعجاز في السنة النبوية ويتعلق بحديث الذباب إذا سقط في الإناء.

ثم ختمت العرض بخلاصات واستنتاجات من خلال بحثي في الموضوع.

الفصل الأول: مفهوم الإعجاز ودلالاته

المبحث الأول: الإعجاز لغة واصطلاحا

الإعجاز في اللغة

قال الفراهيدي (ت 170 ه) في كتاب العين: عجز: أعجزني فلان إذا عجزت عن طلبه وإدراكه، والعجز نقيض الحزم. وعجز يعجز عجزا فهو عاجز: ضعيف) 1 .

وقال: وعاجز فلان، حين ذهب ولم يقدر عليه) 2 .

وقال ابن فارس (ت 393 ه): عجز: العين والجيم والزاي أصلان صحيحان، يدل أحدهما على الضعف، والآخر على مؤخر الشيء، فالأول: عجز عن الشيء يعجز عجزا فهوعاجز: أي ضعيف… وفلان عاجز فلانا، إذا ذهب فلم يوصل إليه) 3 .

وقال الفيروز أبادي (ت 817 ه): ومعجزة النبي صلى الله عليه وسلم: ما أعجز به الخصم عند التحدي) 4 .

وعلى هذا نخلص مما سبق أن العجز في اللغة: اثبات العجز، والعجز ضد القوة وهو القصور عن فعل شيء.

الإعجاز في الاصطلاح

يقول الكفوي (ت 1094 ه): الإعجاز في الكلام أن يؤدي المعنى بطريق أبلغ من كل ما عداه من الطرق) 5 . قال التهانوي (ت 1158 ه): العجز في اصطلاح البلغاء هو الاتيان بمعنى تركيبي لا يستطاع إكماله، ولا يحاط بكل ما يرمي إليه) 6 .

وقد عرَّفه مصطفى صادق الرافعي بقوله: وإنما الإعجاز شيئان:

)– ضعف القدرة الإنسانية في محاولة المعجزة، ومزاولته على شدة الإنسان واتصال عنايته.) – ثم استمرار هذا الضعف على تراخي الزمن وتقدمه. فكأنَّ العالم كله في العجز إنسان واحد، ليس له غير مدته المحدودة بالغة ما بلغت) 7 .

نستنتج من التعريفين السابقين أن الإعجاز: ما يتعذر على البشر فصحاء وعلماء وعامة الإتيان بمثله في الأسلوب والبيان والنظم وأمور أخرى وقصورهم عن ذلك قصورا أبديا.

وعلى هذا المعنى يكون الإعجاز في الاصطلاح: هو إثبات عدم القدرة، أو القصور عن فعل الشيء. وهو أمر خارق للعادة ، مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة، غير ما اعتاد عليه الناس من سنن الكون والظواهر الطبيعية. فلا يمكن لأحد أن يعارض هذا الأمر ولا يستطيع أن يأتي بمثله.

المبحث الثاني: الإعجاز في القرآن الكريم

سأورد هنا الآيات التي وقع بها التحدي والمواجهة والمعارضة لكل من يشك أو يشكك في صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أو يشك في أن القرآن الكريم منزل من الله عز وجل. وهي كالآتي:

1/ قال الله تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ البقرة 23 و24.

2/ وقال تعالى: وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَىٰ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ يونس 37 و38.

3/ وقال تعالى: فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَو جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَهود 12 و13.

4/ وقال تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوكَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا الإسراء 88 و89.

5/ وقال تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ الطور 34.

إن تحدي الله سبحانه وتعالى للمشركين على أن يأتوا بمثل القرآن الكريم، أو مجرد جزء منه ولو كان يسيرا من حيث الكم – مع قدراتهم اللغوية الفائقة وفصاحتهم المذهلة – وعجزهم عن ذلك لهو أكبر دليل على ربانية القرآن الكريم وعلى عجز البشر جميعا من باب أولى امام كتاب الله تعالى.

وذلك أن القرآن قد سما في علوه إلى شأو بعيد بحيث تعجز القدرة البشرية عن الإتيان بمثله، سواء كان هذا العلو في بلاغته، أو تشريعه، أو مغيباته.


[1] كتاب العين باب العين والجيم والزاي معهما ج 1 ص 215.\
[2] المصدر نفسه ج 1 ص 215.\
[3] كتاب مقاييس اللغة مادة عجز ج 4 ص 232.\
[4] القاموس المحيط فصل العين مادة عجز ص 516.\
[5] الكليات ص 149.\
[6] كشاف اصطلاحات الفنون ج 2 ص 1165.\
[7] إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ص 98.\