إن إقدام الهيئات النقابية للدعوة إلى الإضراب العام ليوم الأربعاء 24 فبراير 2016، طرح نفسه كخبر وحدث مشحون بالدلالات، ومثير للاهتمام والنقاش، خاصة أنه جاء حسب البعض بعد طول ترقب وانتظار، وعلى كل حال فالحدث فرض نفسه، وهو مناسبة للاحتجاج انتظرها المناضلون وعموم الشعب، وأرى أنه كذلك من الضروري أن يكون مناسبة للنقاش العميق في الوضع النقابي، وفي مهمات أساسية للفعل النقابي أهمها:
– مدى قدرته على تحصين المكتسبات، وتحقيق المطالب بروح المسؤولية والنضالية المستميتة.
– مدى قدرته على تجذير التنسيق الحالي والدفع به إلى أبعد مدى لأن في الوحدة قضاء على التشرذم النقابي، فالملاحظ الآن أن أصوات “التجزيئية النقابية” خرست أمام الوحدة النقابية التي بدأت تتقوى.
– مدى قدرته على إرسال الرسائل الواضحة للجهات التي يهمها الأمر، بمسؤولية وطنية كبيرة، عوض الدخول في حوار طرشان مع حكومة محكومة.
فما مر من زمن سياسي ضائع مع هذه الحكومة أثبت أننا أمام حكومة لا تملك ما تخسره، فالأمر في نهاية المطاف يتعلق بأشخاص مستعدين للقيام بأي شيء مقابل نيل رضى المخزن، ولذلك ليس مستغربا موقف رئيس الحكومة والكثير من وزرائه، الذي ينظر للحركات الاحتجاجية بنوع من الاستخفاف، وهذا الموقف ينطلق من “اعتقاد جاهل” و”إحساس متعاظم بالغلبة” من طرف الذين هيأت لهم عناصر السلطة الممسكة حقيقة بخيوط اللعبة السياسية من وراء الستار، الطريق للظهور في واجهة المشهد، في انتظار هدوء العاصفة التي هبت على شعوب المنطقة سنة 2011 خلال ربيع الشعوب، ولذلك فهؤلاء بعد أن ذاقوا من فتات مائدة المخزن، وأراهم المخزن أيضا “عينه الحمراء” تهديدا لهم إذا هم لم يوفوا بالقيود التي كبلوا بها أنفسهم مقابل الظهور على خشبة المسرح المخزني، والتي منها بطبيعة الحال تمرير كل القرارات الجائرة، وضرب مكتسبات الطبقة المتوسطة التي كانت عصب حركات الاحتجاج خلال احتجاجات 20 فبراير، ولذلك نرى الحكومة المحكومة تجتهد في ضرب مكتسبات هذه الطبقة خاصة، وضرب القدرة الشرائية، ومكتسبات عموم أبناء الشعب. والصراخ الذي تصدره هذه الحكومة بصدد صناديق التقاعد مرده إلى رغبة الحكم في استرجاع ما تنازل عنه خلال الحراك المجتمعي خاصة فيما سمي باتفاق 26 أبريل الذي كان الهدف منه تحييد الكثير من فئات الشعب عن الانضمام لصفوف المحتجيين.
نرجع الآن لسلوك النقابات الأكثر تمثيلية لوضعه تحت مجهر النقد والتحليل، ولنرى هل هذا الصبر والتريث من باب التدرج الذي هو مبدأ في المعارك النقابية أم من باب العجز وفقدان الحيلة. صحيح أن الحرص على الاستقرار والأمن الذي يعيشه المغرب هو مبدأ لدى كل القوى الحية في المغرب نقابات، أحزاب، جماعات دعوية، وحركات اجتماعية… وهذا المبدأ لا يخرقه إلا المخزن من حين لآخر، وما القمع الذي يستهدف الاحتجاجات السلمية إلا عنوان دال على ذلك. إلا أن هناك فرقا بين الحرص المطلوب على السلم الاجتماعي، وبين النضال القوي والمستميت والحضاري من أجل الحقوق والمطالب، وهناك خيط رفيع بين المستويين وجب على الوعي النقابي استبطانه، ولعل هذا الحرص على السلم الاجتماعي هو ما يستغله مجانين الحكم للنيل من سمعة العمل والنضال النقابيين، ولذلك فإن الجسم النقابي بالمغرب أمام تحد كبير، أن يثبت أنه في مستوى التفاعل مع آلام ومطالب الشعب المغربي، وتحصين مكتسباته، أو الدخول في الدوامة التي أرادتها الحكومة، وهي تسديد ضربات للنقابات ومناضليها ومنخرطيها دون رد فعل مؤلم من هذه الأخيرة، فالناس تستجيب لدعوات النقابات للإضراب والحكومة تقتطع من أجورهم، وتعتبر إضرابهم غيابا غير مشروع عن العمل، فتمتد يد الحكومة لقرصنة وسرقة أجور المضربين، وتستمر في تنفيذ الإملاءات الصادرة عن المؤسسات الدولية، وحكومة الظل.
لذلك فإن النقابات أمام امتحان المصداقية والاضطلاع بدورها الدستوري، وعليها حشر الحكومة في الزاوية عبر:
– الرفع من التعبئة الشعبية من أجل احتجاج متصاعد ضد قراراتها المجحفة، والنضال لفرض المطالب الاجتماعية التي وردت في المذكرة المطلبية للهيئات النقابية وتحويلها لمطالب شعبية، ومعاملة الحكومة بمنطقها منطق التحدي، والذي أظهرت فشلها فيه معارك تعتبر مطالبها فئوية بالمقارنة مع مطالب النقابات.
– تجاوزها ومخاطبة من بيدهم السلطة الحقيقية في الدولة، لأنه لا فائدة من مخاطبة من لا سلطة له، فهو مجرد أداة تنفيذية لا تملك أن تقدم ولا أن تؤخر، وإن مخاطبة أصحاب السلطة الحقيقيين كفيل بحل الإشكال، وما نتائج الاحتجاجات الشعبية خلال 2011 التي ساندتها بعض النقابات منا ببعيد.