ليلة الإسراء والمعراج هي رحلة ومعجزة ربانية تتجاوز حدود الزمن والمكان، غاصت في أعماق المعاني الوجودية، وربطت الأرض بالسماء في لحظة إشراق كونية فريدة. ومن قلب هذه الرحلة النورانية يمكن أن نستقي معاني كبرى تعيد تشكيل وعينا بواقعنا وتوقظ عزائمنا في وجه أزمات الأمة، خصوصاً ونحن نعيش أحداثاً كبرى كالطوفان المتعلق بالأقصى، قبلة الإسلام الأولى، رمز العزة والكرامة.
في فكر الأستاذ عبد السلام ياسين، تحمل رحلة الإسراء والمعراج أبعاداً متعددة، تتجاوز السرد التاريخي إلى معاني بناء الأمة. الإسراء، هذا الانتقال الرباني لرسول الله ﷺ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، يمثل دعوة إلى الأمة للارتباط بأرض المقدسات، ليس فقط كرمز ديني، بل كمحور حضاري وروحي لا تستقيم الهوية الإسلامية بدونه. أما المعراج، فهو صعود إلى مقام القرب الإلهي، دعوة إلى التحليق في سماء العبودية الكاملة، وتحقيق الطاعة المطلقة لله، لا انفصال بين الأرض والسماء، ولا بين الفعل الدنيوي والرجاء الأخروي.
طوفان الأقصى: امتحان الأمة ونداء السماء.
في زمننا الحالي، يواجه المسجد الأقصى سلسلة من التحديات التي تجعل منه رمزاً للصراع بين قيم العدل والظلم، بين الإيمان والقهر. الطوفان الذي يحيط بالأقصى اليوم ليس مجرد حدث سياسي، بل هو اختبار للأمة. وهنا تلتقي رؤية الأستاذ عبد السلام ياسين مع معاني الإسراء والمعراج، حيث يعتبر أن تحرير الأقصى يبدأ من تحرير النفوس، من بناء إنسان حامل لرسالة الحق، قادر على مواجهة الطغيان بإرادة لا تلين.
الربط بين السماء والأرض: الأقصى محور الأمة
في الإسراء والمعراج، تم ربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى برباط أبدي، وكأن الله أراد أن يجعل من الأقصى قضية رمزية في تاريخ الأمة إلى قيام الساعة. هذا الربط يعيد تشكيل وعي الأمة، إذ إن أي تقصير في حق الأقصى هو تقصير في حق أنفسنا وفي علاقتنا بالله. الطوفان الذي يعيشه الأقصى اليوم هو بمثابة صفعة توقظ الأمة من سباتها، دعوة للعودة إلى الذات وإلى محورية الرسالة المحمدية.
ليلة المعراج: العروج من المحنة إلى المنحة
كما عرج النبي ﷺ من المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى في أعظم رحلة عرفتها البشرية، فإن الأمة مدعوة لأن تعرج بروحها من محنة الطوفان إلى منحة النصر والتمكين. ولكن هذا العروج يتطلب شروطاً: تتمثل أولاها في شروط التربية؛ صحبة وجماعة وذكر وصدق. والصدق في الذكر والصدق في الصحبة. ثم تجديد التوبة والنية لله عز وجل في كل آن…
في فكر الأستاذ عبد السلام ياسين، ترتبط قضية الأقصى بمشروع الأمة الحضاري. الأقصى ليس مجرد أرض أو حجارة، بل هو أمانة ومسؤولية، تحريره يتطلب إرادة جماعية نابعة من الإيمان العميق والعمل المنظم. الأستاذ ياسين يرى أن الطريق إلى الأقصى يبدأ ببناء الإنسان القرآني، وهذا ما شهدناه عند أبطال غزة وطوفان الأقصى؛ رغم الحرب والدمار، ظلوا محافظين على القرآن الكريم حفظا وتعلما تلاوة من “الفاتحة” إلى “الناس”، جعلوا من قلوبهم حرماً آمناً، ومن حياتهم جسراً بين الأرض والسماء.
ليلة الإسراء والمعراج ليست مجرد ذكرى، بل هي محطة للتأمل واستلهام الدروس. في ظل طوفان الأقصى، تحتاج الأمة إلى أن تستعيد روح الإسراء والمعراج، حيث لا انفصال بين السماء والأرض، بين الروح والجسد، بين العبادة والعمل، فتحرير مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُحرَّر بالسلاح فقط، بل بتحرير الأمة من قيود الغفلة والخضوع.