يصعب إخماد ما أثاره ملف تقنين الإجهاض من زوبعة بإصدار فتاوى فقهية أو فصول قانونية دون دراسة وتفحص للمشكلة من جذورها ومنشئها. خاصة وأنها في عمق مرماها دخيلة على ثقافة مجتمعاتنا الإسلامية التي تحرص شرائعها على كرامة الإنسان في جميع مراحله العمرية ذكرا وأنثى. هذا الإنسان الذي بطبعه ظلوم جهول، مجبول على ظلم نفسه وظلم أخيه الإنسان، ولا شك أن هذا الغبار المثار الآن على الساحة العالمية هو جزء من ظلم الإنسان للبشرية، في شخص المرأة بدعوتها إلى التحرر من قيود الموروثات الدينية إلى الإنصاف والمساواة المطلقة.
هو مشروع تغريبي ممنهج تزامن مع الغزو الاستعماري الذي تاهت معه الأمة الإسلامية بين التمزق والانبهار الذي يحصل للمغلوب أمام غالبه حسب تعبير “ابن خلدون”، وهو المنزلق الذي هوى بالمرأة إلى مستنقع ملغوم بشعارات براقة ظنت فيه الملجأ والملاذ من موروث تحمله المسؤولية في تخلفها وانحطاطها. وهو مشروع يعتبر المرجعية التي تبناها الفكر الحداثي المغرب، الذي ناضل ولا زال يناضل من أجل الاحتكام إليها وإخضاع القوانين الوطنية لها وتكييفها مع مقتضياتها.
مشروع بدأ مع ما شهده العالم في السنوات الأخيرة من اهتمام متزايد بقضية حقوق المرأة التي أصبحت من أولويات المنظمات والجمعيات التي رفعت شعار الحرية والمساواة، وسعت إلى عولمة الحضارة الغربية عبر مختلف وسائل الإعلام ومؤسسات الهيمنة الدولية، وفي مقدمتها “هيئة الأمم المتحدة” ومنظماتها التابعة لها، والتي بدورها كثفت جهودها من أجل تعميم تصوراتها وأفكارها حول العالم، بإقامة مؤتمرات دعمت حقوق الإنسان عبر ميثاقها في المادة (1) الذي يعزز الحريات الأساسية للناس جميعا ويؤكد على مبدأ المساواة بين الجنسين 1 .
هي بداية ذكية وانطلاقة صائبة في العزف على الوتر الحساس، المساواة وما أدراك ما المساواة، ففي العام الأول للأمم المتحدة، أنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي:” لجنة وضع المرأة ” بصفتها الهيئة العالمية الرئيسية لصنع السياسات المتعلقة حصرا بتحقيق المساواة بين الجنسين والنهوض بالمرأة، وكان من بين أوائل إنجازاتها هو ضمان لغة محايدة بين الجنسين في مشروع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان « ويؤكد الإعلان التاريخي الذي اعتمدته الجمعية العامة في 10 نونبر 1948 م من جديد على أنه “يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق» 2 .
هذا وعندما بدأت الحركة النسائية الدولية تكتسي زخما خلال السبعينيات، أعلنت الجمعية العامة في عام” 1975″م السنة الدولية للمرأة التي عرفت أول مؤتمر خاص بها والذي عقد في المكسيك، أعقبه إعلان المرحلة الممتدة ما بين 1976م و1985م. بعقد الأمم المتحدة للمرأة بدعوة من المؤتمر وأنشأت إثر ذلك صندوق التبرعات للعقد.
تلتها بعد ذلك مسيرة من المؤتمرات التي تنطلق في مجملها من رؤية مستمدة من فكر الحركة الأنثوية (féminisme) وهي من أقوى الحركات الفكرية التي تمارس هيمنتها عبر منظمات الأمم المتحدة، ومؤسسات المجتمع المدني، وتسعى لأن تكون المواثيق الدولية هي المرجعية في التشريع بالنسبة للعالم.
مؤتمرات بمسميات تمويهية (السكان، التعليم، التنمية، البيئة…)، إلا أنها ترمي إلى تدمير الأسرة انطلاقا من المرأة وهدم القيم الإسلامية، أخطرها الذي عقد في عام 1979 وهو ما اصطلح عليه باتفاقية السيداو التي نصت بنوده على محاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة وهي أخطر اتفاقية متعلقة بقضايا المرأة، وأكثرها مخالفة للإسلام حيث تعتبر الدين من أبرز أشكال التمييز ضد المرأة، ويمنع التحفظ على أي بند من بنودها. وهي اتفاقية تبطل بنودها كل القوانين والأنظمة والأعراف والتشريعات باعتبارها تشكل تمييزا ضد المرأة.
واصلت بعد ذلك الجمعية مؤتمراتها المغرية للمرأة المغربة، لتنظم المؤتمر العالمي الرابع في بكين سنة 1995 وهو لا يقل خطورة عن سابقه، والذي بدوره أثار ضجة واسعة لمخالفته الفطرة والشريعة حيث طالبت الوثيقة بحق المرأة والفتاة في التمتع بحرية جنسية آمنة مع من تشاء وفي أي سن تشاء، وليس بالضرورة في إطار الزواج الشرعي، وإلزام جميع الدول بالموافقة على ذلك، مع حق تقديم المشورة والنصيحة لتكون هذه العلاقات –الآثمة- مأمونة العواقب سواء من ناحية الإنجاب أو من الناحية الصحية، وإباحة الإجهاض وتقنينه باعتباره حقا من حقوق المرأة في حالة إذا حصل الأمر بالإكراه، أما غير ذلك فهو حق مشروع، كل ذلك تحت غلاف المساواة وحرية تملك الجسد.
ثقافة بعيدة عن الفطرة السليمة، هي نتاج بيئة وواقع عاش تحت وطأة الكنيسة التي عاثت فسادا وظلما لرعاياها.
مهما تحدثنا عن آلام المرأة المسلمة إلا أنه شتان بين الواقعين، إذ هذه الأخيرة مهما لحقها من حيف وظلم فإنها لم تمس في إنسانيتها، وعاشت كريمة في مملكتها الصغيرة بنتا وزوجة وأما، غير أن المرأة الغربية إلى عهد قريب كان يثار جدال كبير حول إنسانيتها، هل هي إنسان؟ هل لديها روح أم لا؟
واقع حق له أن يولد ثورة على كل ماله علاقة بالدين. لكن مهلا ليس كل دين فديننا وعد رب العزة تعالى أن يحفظه من كل تحريف قد يوصله إلى ما وصل إليه أمثال هؤلاء، ديننا لا يقبل هذه الترهات المخالفة للقيم والأخلاق العالية، فهو ينهى عن قتل النفس وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ 3 ، ويدعو للوقاية قبل العلاج ولا يحرق المراحل ليقفز إلى النتائج بحثا عن الحلول.