إضاءات في الحياة الزوجية

Cover Image for إضاءات في الحياة الزوجية
نشر بتاريخ

قال تعالى: ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون 1 ، كم هي رائعة السنة الشرعية التي سنها الله في مخلوقاته حتى لكأن الكون كله يعزف نغما مزدوجا. والزواج على الجانب الإنساني رباط وثيق يجمع بين الرجل والمرأة، وتتحقق به السعادة، وتقر به الأعين، إذا روعيت فيه الأحكام الشرعية والآداب الإسلامية. وهو السبيل الشرعي لتكوين الأسرة الصالحة التي هي نواة الأمة الكبيرة، فالزواج في الشريعة الإسلامية بين الزوج والزوجة ميثاق غليظ بشهادة الله عز وجل، يفيد إباحة العشرة بينهما، وتعاونهما في مودة ورحمة، ويبين ما لكليهما من حقوق وما عليهما من واجبات. تلك هي المبادئ والشريعة والقرآن. فما السبيل اذن لنسمو بالزواج من الواقع المستهين بالقيم والدين إلى مسؤولية جادة يعتمد عليها؟

الحياة الطيبة

إن قيمة الإنسان الحقيقية تظهر عندما يجعل ربه تعالى محور حياته، فيجعل كل ذرة من ذرات جسده وكل حركة من حركاته وكل نفس من أنفاسه، يجعل ذلك كله لله الواحد الأحد: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 2 . إنها العبودية الكاملة هي التي تجمع الصلاة والاعتكاف والمحيا والممات وتخلصها لله وحده رب العالمين. فالمسلم والمسلمة يتعبدان الله بالصلاة والصوم والحج، والأكل والشرب، والنوم واليقظة والزواج والانجاب وغير ذلك كثير…

فرسولنا الكريم اعتبر الزواج عبادة يستكمل بها المرء نصف دينه ويلقى بها ربه على أحسن حال ، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي “ 3 .

كما ان لكل من الزوج والزوجة دورا هاما في إصلاح الاخر وحثه على طاعة الله عز وجل؛ لأن العلاقة بينهما في الأصل علاقة إيمانية تتشابك فيها الأيدي سعيا لطاعة الله فإذا كلت يد ساعدتها الأخرى، عن ابي هريرة رضي الله عنه قَال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصّلت، وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء” 4 .

العلاقة الزوجية بين العدل والاحسان

إن لكل من الزوجين على الآخـر حقوقا تعادل ما عليه من الواجبات، وإلى ذلك تشير الآية الكريمة: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، واداء كلا منهما لواجبه يمكنه من الاسهام في الحياة الزوجية بطاقة هائلة من المودة والسكينة والرحمة تجعل العيش بينهما هانئا سعيدا.

المرأة في حضن الإسلام تكرم، تعامل بالإحسان: إحسان الرجل الروحي يفيض عليها رفقا ومحبة. وهي تتكرم فتصبر وتكافئ الإحسان بإحسان. الإحسان الذي لا يكون العدل المطلوب معه سيفا يذبح، ولا سوء خلق يفضح، بل سماحة وتغاض عن العثرات، وكريم خلق يمدح.

ويلاحظ أن الحياة الزوجية تكون فيها بعض المشاكل، وهذا أمر طبيعي؛ فإن كلا من الزوج والزوجة يختلفان في الطباع والنفسيات. و هي مرحلة تفاهم وانصهار لتحصل التركيبة الجديدة؛ التي هي خلاصة بيئتين مختلفتين، وكل ما يلزم هو التحلي بالصبر الاحسان من الطرفين، ومحاولة فهم الآخر، وقبوله من خلال أحسن ما عنده، والتنبيه الرفيق لترك ما عنده من أغلاط، وعدم الوقوف على مالا ضرر منه؛ مع التغاض عن الهفوات والعثرات؛ وفي الحديث الصحيح :“لا يفرك مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خلقا رضي آخر” 5 .

الحياة الدنيا دار بلاء، يخفف وطأة البلاء تعاون المرأة والرجل المؤمنين على الصمود أمام الشدائد وعلى اقتحام العقبة بالعدل في الغُنْم والغُرم، وبالإحسان والبر والتسامح والإسعاف الحنون والمودة والرحمة. تشد المرأة عضُدَ الرجل وإن اقتضى الأمر تنازلها عن بعض حقوقها تكرما منها، ويعترف الرجل بفضلها فيسابقها إلى الإحسان) 6 .

ليسكن اليها

التزويج سنة، لا قرار للمرأة ولا للرجل ولا سكن إلا بائتلاف بعضهما ببعض. ذلك من آيات الله أن لا يسكن الرجل ولا تسكن المرأة إلا مع نفس تقاسمها الخصوصية الحياتية. قال الله تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة.

يحرص الاسلام علي بث روح المودة بين الزوجين وغرس جذور الصفاء بينهما، وخلع كل ما يكدر صفاء العشرة الزوجية ونقاءها، فلا يعيب الزوج زوجته، ولا ينتقص من جمالها حتي لا يجرح مشاعرها، بل يصفها بالحسن والجمال حتي يستميل قلبها ويكسب ودها. ولا تصف الزوجة زوجها بالنقص او دمامة الخلقة حتي لا تكدر صفوه. فالعيوب والنواقص في الحياة الزوجية لابد ان توصف بالكمال والجمال. وتكرار الكلمات الطيبة في الحياة يقوى روابط المودة ويوسع مدارج العاطفة.

يقول الامام المجدد رحمه الله: بالمودة والرحمة الحميمين يتميز الزواج المطابِق بالقصد والفعل والتوفيق الإلهي للفطرة. وبهما لا بمجرد العَقْد القانوني يحصل الاستقرار في البيت، وبالاستقرار في البيت يشيع الاستقرار في المجتمع. الاستقرار أصْلُه ومثواه الزوج المؤمنة الصالحة الناظرة إلى مثال الكمال في خطاب الله عز وجل لنساء نبيه: )يا نساء النبيء لستن كأحد من النساء إن اتقيتن7 .

زوجان في جنة

أخي الزوج

خير ما رزقت به في هذه الدنيا المرأة الصالحة، فهي تذكرك بالله، وتساعدك على الخير، وتحفظ ولدك وبيتك ومالك… فهي كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: “ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء ؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته” 8 .

بيتك سفينة السعادة ، وزوجتك ربانها ، وأنت مساعدها، فبعبير الحب تمتلك قلبها، و بلين الكلام تؤسر نفسها، فسارع بالخير تسعد، واعلم أن خير دواء للمرأة الكلمة الطيبة . أشعرها بحاجتك إليها في كل لحظة ، وأشعرها أنها جوهرة ثمينة لا يمكن الاستغناء عنها، شاركها في مهام البيت ، فكان صلى الله عليه وسلم يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويرقع دلوه، ولا تجرح شعورها بكلمة، ولا تهدم ما بنيته وتعهدته سنوات بدقائق. وعامل زوجتك بأحسن واجمل معاملة ، فهي نفسك وهي مودتك ، وهي رحمتك وهي لباسك وزينتك، واحرص على الهدية فهي رسول المحبة بينكما. قال سيدنا علي رضي الله عنه: لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها).

أختي الزوجة

جنتك بين يديك، وقرة عينيك زوجك الحبيب، فالله الله في رضاه، واحتسبي ما في ذلك من الأجور، ولا تغفلي عن تعظيم النية، واسرعي بالخطى نحو الجنان، واشكري نعمة ربك لعلك تفوزي برضاه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “أيما امرأة ماتت و زوجها عنها راض دخلت الجنة” 9 .

اعلمي أن دواء الرجل كلمة طيبة، فتأسرين بها قلبه، فيصبح لك الزوج المحب، وتجنبي جداله في غضبه، ولا تناقشيه أمرا في تعبه، كوني دوما الصدر الحنون والقلب والواسع، واحذري أن تبدي له ما لا يرضيه، فبالحب ترق لك النفس، وبالحكمة تصلين إلى مبتغاك. واحرصي دوما أن يكون داخل وقتك مساحة خاصة به وتفقّدي مواطن راحته، واسعي إليها بروح جميلة متفاعلة. واعلمي أن للأم منزلة، وللأب مكانا، وللعائلة دورا، فلا تفرط بزوجك ولا تجعليه يفرط بأهله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بنســائكم من أهــل الجنــة ؟ الودود، الـولود، العــؤود، التي إذا ظلمت قالت: هـذه يـدي في يـد ك، لا أذوق غمضــا حتى ترضــى” 10 .

أخي الزوج، أختي الزوجة..

السعادة الزوجية من أكبر النعم التي يمن الله بها على عباده. فالرحمة والمودة بين الزوجين غاية مطلوبة ، وخير البيوت بيت تلألأ بتلك النعمة، ففيأت عليه المودة والرحمة بظلالها، وتحقق لأفراده المعنى الكامل للسكن، فاستقو من مورد لا ينفد، وذاقوا شهدا لا تنقطع حلاوته. أن السعادة هدف يسعى له الإنسان في الدنيا والآخرة، وليس بعاقل من غفل عن آخرته ونسي دنياه، فزواج المؤمنات والمؤمنين يُسبِغ عليه جلال الميثاق الغليظ قدسية، وتجلله الأمانة الإلهية، وتعظم من شأن تبعاته الكلمة. إن حفظت المرأة وقام الرجل بأعباء الميثاق الغليظ اكتست كل أعمالهما، وما يتبادلان من معروف، وما يتباذلان من عطاء، صبغة العبادة والتقرب إلى الله عز وجل) 11 .


[1] الذاريات: 49.
[2] سورة الأنعام : الآية 162.
[3] رواه الطبراني في الأوسط والحاكم.
[4] سنن أبي داود.
[5] رواه مسلم.
[6] تنوير المؤمنات ص216.
[7] العدل/ص297.
[8] رواه أبو داود.
[9] رواه الترمذي.
[10] رواه الطبراني.
[11] تنوير المؤمنات، ص156.