إدارة الوقت: المنطلقات الإسلامية والضرورة الإنتاجية (4)

Cover Image for إدارة الوقت: المنطلقات الإسلامية والضرورة الإنتاجية (4)
نشر بتاريخ

الوقت ومفهوم الإنتاجية

برزت بشكل واضح في أوائل هذا القرن أهمية الوقت في نظريات الإدارة، وارتبط مفهوم إدارة الوقت، بشكل كبير، بالعمل الإداري من خلال وجود عملية مستمرة من التخطيط والتحليل والتقويم لجميع النشاطات التي يقوم بها الإداري خلال ساعات عمله اليومي، بهدف تحقيق فعالية مرتفعة في استثمار الوقت المتاح للوصول إلى الأهداف المنشودة. فالإدارة العصرية تعتبر الوقت واحدا من عناصر إنتاجها، وأحد خمسة موارد أساسية في مجال الأعمال وهي: الطاقات البشرية، الموارد المادية، المواد الخام، التجهيزات والبنية التحتية، إضافة إلى الوقت الذي يُعدّ أكثرها أهمية، وبالتالي فاستغلاله بشكل منظم ودقيق يفيد من جهة التوفير في تكاليف أي مشروع، ومن جهة أخرى يرفع من قيمة الأرباح، كما أن سوء استثماره يترتب عليه ارتفاع التكلفة المباشرة.

فما من حركة تؤدى إلا ضمن وقت محدد، وما من عمل يؤدى إلا كان الوقت إلى جانبه، فالإدارة حركة وزمن أو عمل ووقت) 1 . وهكذا أصبحت التنمية في المقام الأول قضية وقت وقضية إنتاج. واندمج المفهومان معا ليفرزا مفهوم الإنتاجية التي تعني العلاقة بين ما هو منتج والوسائل المستخدمة في عملية الإنتاج، هناك إذن عاملين مؤثران في الإنتاجية:

العامل الأول: الاستخدام الفعَّال للوسائل المتاحة أو الاستفادة من المعايير الإنتاجية. فالوسائل يمكن أن يساء استخدامها بطرق مختلفة؛ ذلك أن بدء العمل متأخراً أو الانتهاء منه مبكراً أو التوقف عنه لأي سبب من الأسباب سيقلل الاستفادة من الوقت، وبالمثل فإن تبديد مادة بفقدانها أو سرقتها أو تعطيلها أو سوء استعمالها سيقلل من حجم الاستفادة منها.

العامل الثاني: الكفاءة والمهارة. وهي تعني السرعة والدقة في الإنتاج.

وهناك بالطبع عدداً آخر من العوامل التي يمكن أن تؤثر في الاستفادة والكفاءة في العمل؛ مثل ضعف الإشراف وسوء ظروف العمل وعدم وجود حافز للعمل وضعف خطط العمل.

ويتمدد هذا المفهوم ليتجاوز بعده الاقتصادي، حيث ظهر مفهوم الإنتاجية الذاتية المرتبطة بدورها بسلعتين ناذرتين هما الوقت والجهد، وهما نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث، فالإنتاجية الذاتية هي علاقة بين ما نحصل عليه من إنتاج ومقدار ما نملكه من إمكاناتنا الشخصية، ولن نكون قادرين على قياس إنتاجيتنا بدقة إلا إذا حددنا بجلاء الإنتاج والمعطيات الموجودة لمعايير محددة وغير معقدة.

ومن الوسائل المستخدمة لتحقيق الإنتاجية الشخصية يمكن أن نحدد:

الوسيلة الأولى: الوقت، هناك أربع وعشرون ساعة في اليوم لا أكثر ولا أقل، ولذلك فإننا نعاني جميعاً من قيود الوقت نفسه. ومع ذلك فإن الطريقة التي نخصص بها الوقت المتوافر للأشياء التي ينبغي أن نعملها من أجل تحقيق أهدافنا هي طريقة شخصية. إذ أنّ الفرد عندما يدير وقته بشكل فعّال، هو في الحقيقة يدير حياته ونفسه وعمله إدارة فعّالة.

الوسيلة الثانية: خاصيتنا الشخصية المميزة، والمتمثلة في معلوماتنا ومهاراتنا المكتسبة وخبراتنا وصحتنا ومظهرنا وحافزنا.

الوسيلة الثالثة: موجوداتنا، ونعني بها الممتلكات المادية التي بحوزتنا.

الوسيلة الرابعة: علاقاتنا، ونعني بها العلاقات العائلية وعلاقاتنا مع الأصدقاء والأقارب الذين سيساعدوننا ويدعموننا ويوفرون لنا الراحة التي نحتاج لها لتحقيق أهدافنا.

قوانين في إدارة الوقت:نظرا للأهمية التي أصبح يحضا بها الوقت في العصر الحالي، ظهرت في الفكر الإداري عدة نظريات وقوانين تساعد على ترويض الوقت وترشيد استغلاله. هذه أهمها:

– قانون باريتو PARITO: الأعمال المهمة تأخذ دائما القليل من الوقت بينما صغائر الأعمال تستهلك معظمه). إنه تطبيق القانون الشهير 80/20 للاقتصادي الاجتماعي الإيطالي باريتو الذي عاش في القرن 19. إن رجال المقاولات يلاحظون أن %20 من المنتوج هي التي تدر %80 من الأرباح وأن %80 من باقي المنتجات تدر فقط %20 من الربح. إن هذا القانون يتيح لنا استخلاص النواة الأصلية الإستراتيجية لكل نشاط اقتصادي، لذا فإنه في إطار القيام بأنشطة ما لابد من ترتيبها حسب الأهمية وتوزيع الوقت بين الأنشطة الأساسية المهمة وبين الأنشطة الأقل أهمية.ادخر وقتك في كبائر الأعمال واقتصده في الصغائر.

– قانون كارلسون ِCARLSON: كل عمل يتعرض للانقطاع يصبح أقل فعالية، وأطول استغراقا للوقت). في بداية الخمسينات في السويد، قام الأستاذ كارلسون ومعاونوه بقياس المدة التي تستغرقها الأعمال عند عينة من المديرين، فلاحظ أنه لا تمضي 20 دقيقة دون أن ينقطع العمل بأمر ما. وقد أكدت أبحاث فرنسية حديثة هذه الحقيقة، حيث لوحض أن عملا منسجما لا يدوم أكثر من 15 دقيقة دون أن يتعرض للانقطاع. إن الانقطاعات والإزعاجات يولدان إضاعة الوقت، بل ويسبب تأخير إتمام العمل في أجله المحدد له، لذلك وجب وقاية وخفض أعمالنا من هذه الآفة.حاول الحد من الانقطاعات ما أمكن.

– قانون باركنسون PARKINSON: الوقت المخصص لأداء عمل ما قد يتمدد ليشغل كل الوقت المتاح له). الفكاهي الإنجليزي لاحظ أن الإمكانيات تطور نفسها بنفسها دون أن ينعكس ذلك على الإنتاج. ومن تم فإن الزيادة في إنفاق الموارد ومن أهمها الوقت لا يضمن بالضرورة مردودية أفضل لأن كل عمل يمكن أداءه في ساعة قد يستغرق ساعتين أو أكثر كلما وجد ذلك متاحا.حاول أن تحدد أجلا لكل عمل تقوم به.

– قانون ايليش ILLICH: عند تجاوز حد معين، تصبح مردودية الوقت المستثمر تناقصية ثم سلبية). إن ايفان ايليش الملاحظ المتمرس أطلق نظرية تفيد أنه عند تجاوز حجم معين تصبح مؤسساتنا لا إنتاجية، يعني أنه عند تجاوز حد معين من الموارد المسخرة تصبح المردودية والإنتاجية سلبية. ولا يفيد عند ذلك سوى التوقف عن إهدار الوقت فيما لا يفيد.إذا أصبح وقتك بدون مردودية فحاول التوقف. والقيام بعمل آخر.

– قانون التناوب L’ALTERNANCE: لكل وقت عمله ولكل عمل وقته). هذا القانون يدعو للاختيار الجيد للوقت المناسب لكل عمل، والعمل المناسب لكل وقت، كما أنه دعوة للتنويع والتناوب في الأعمال، بغية الاستفادة القصوى من أوقاتنا، وتجنب الوقوع في فخ الملل والروتين.حاول القيام بأعمال متنوعة ومتناقضة في فترات مختلفة.

– قانون سوبودا SWOBODA: كل إنسان يمر بأحوال نفسية وإيقاعات بيولوجية. حيث أن لكل منا أيامه الجيدة وأيامه السيئة). وساعته الجيدة وساعاته السيئة، هذه الفكرة كانت المنطلق لسوبود الطبيب النمساوي من خلال أبحاثه في تحليل الإيقاعات الإحيائية للإنسان، التي تجعل الإنسان يمر بمرحلة جيدة نفسيا ومعنويا وأخرى متدهورة. وهي مقارنة تحث على اكتشاف ومعرفة هذه الأحوال قصد التعامل معها بإيجابية.اكتشف إيقاعاتك الشخصية الداخلية حتى تستثمر وقتك فيها جيدا.

– قانون فريس FRAISSE: الوقت له بعد ذاتي وآخر موضوعي أو نفسي يأثر في الحكم على النشاط الذي تزاوله). فريس نفساني فرنسي متخصص في نفسية الوقت، وضع القوانين التالية:

– كلما كان العمل مرهقا كلما أحسسنا بطول الوقت.

– كلما كان النشاط مهما كلما أحسسنا بقصر وقته.

– وقت الانتظار دائما طويل.

وهو بهذا يدعونا إلى تقييم موضوعي للوقت بعيدا عن المؤثرات النفسية.حاول أن تبعد ميولاتك القلبية عن حكمك على وقتك.


[1] وتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة.\