أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وامتحان الاختيار

Cover Image for أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وامتحان الاختيار
نشر بتاريخ

بقلم: سعاد عدني

وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (سورة الأحزاب، الآية 29).

“إلى نموذج الصحابيات ترجع نساء الإسلام لاستيحاء المثال، لا إلى أحكام مجردة معممة تناولها الفقهاء كل في زمانه ومكانه، وظروفه السياسية، وتقلبات الزمن به، وأولوياته، وضرورياته التي أباحت المحظورات، ومصالحه التي قورنت بالمفاسد، وضرره الأصغر الذي دَرَأ به الضررَ الأكبر (..) لا مكان للتأويل ولا للتخصيص والتقييد عندما نقرأ الحياة العملية للصحابيات رضي الله عنهن. أولئك كن السابقاتِ الأُولَياتِ من المهاجرات والأنصاريات اللواتي رضي الله عنهن ورضوا عنه، وأعد لهن جنات تجري من تحتها الأنهار” 1 نقرأ من بيت النبوة، كيف كن يرضخن لأوامر كتاب الله وأحكامه وأوامره.

نقرأ عن عائشة رضي الله عنها عن ملابسات ذلك التنزيل الحي عسى أن يتجدد لنا بالمحاذاة والاتباع إيمان، وتتحقق لنا توبة، وتسمو لنا همة، وتُقْلِع لنا إرادة من حضيض حب الدنيا والشهوات إلى أوج اختيار الله والرسول والدار الآخرة.

أنزل الله تعالى في سورة الأحزاب: يا أيّها النبيّ قُلْ لأزواجكَ إنْ كنتنّ تُردنَ الحياةَ الدنيا وزينتَها فتعالينَ أمتّعْكنّ وأسرّحْكنّ سراحًا جميلاً. وإنْ كنتنّ تُردْنَ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرةَ فإنّ اللهَ أعدّ للمُحسناتِ منكنّ أجرًا عظيمًا (سورة الأحزاب، الآيتان، 28، 29).

لمَّا نَزَلَتْ آيَة التَّخْيِير بَدَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ بأم المومنين فَقَالَ: “يَا عَائِشَة إِنِّي عَارِض عَلَيْك أَمْرًا فَلَا تَفْتَاتِي فِيهِ بِشَيْءٍ حَتَّى تَعْرِضِيهِ عَلَى أَبَويْك أَبِي بَكْر وأُمّ رُومَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا” فَقُلْت: يَا رَسُول اللَّه، ومَا هُو؟ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ: “قَالَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْواجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا وزِينَتهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعكُنَّ وأَسْرَحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّه ورَسُوله والدَّار الْآخِرَة فَإِنَّ اللَّه أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا“، قَالَتْ: فَإِنِّي أُرِيد اللَّه ورَسُوله والدَّار الْآخِرَة، ولَا أُؤَامِر فِي ذَلِكَ أَبَويَّ أَبَا بَكْر وأُمّ رُومَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا. فَضَحِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ اِسْتَقْرَأَ الْحُجَر فَقَالَ: “إِنَّ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ كَذَا وكَذَا” فَقُلْنَ: ونَحْنُ نَقُول مِثْل مَا قَالَتْ عَائِشَة، رَضِيَ اللَّه عَنْهُنَّ كُلّهنَّ” (رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ أَبِي سَعِيد الْأَشَجّ عَنْ أَبِي أُسَامَة).

عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة وانتصر على أعدائه وأعزه الله، وأصبحت الجزيرة العربية تحت سلطانه وأمره ونهيه، رأت زوجات النبي أنه صلى الله عليه وسلم أصبح في شؤون الدنيا ذا رتبة عالية، فطلبن منه رضي الله عنهن زيادة النفقة، وغاب عنهن أنه صلى الله عليه وسلم عبد نبي آثر الفقر والمسكنة والحاجة عن رضاً منه وطواعية، وقد عُرض عليه أن تكون جبال مكة ذهباً وفضة، وعُرض عليه أن يعيش نبياً ملكاً فآثر أن يعيش نبياً عبداً، يجوع يوماً فيصبر ويشبع يوماً فيشكر، فهجرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً، وترك الدخول عليهن، واعتزل في علية من الدار، وشاع الأمر وذاع بين أصحابه، وخاصة عند أصهاره أبي بكر والد عائشة، وعمر والد حفصة. فكان هذا الامتحان مِحكا لإرادتهن وتمحيصا وتوجيها وتحويلا.

هو خيار مطروح على… تتمة المقال على موقع مومنات نت.


[1] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ط 2018/4 – دار لبنان للطباعة والنشر – بيروت، ج 1، ص 149.