أرضية ندوة: “الاعتقال السياسي بالمغرب: سؤال الذاكرة والكلفة والمآل”

Cover Image for أرضية ندوة: “الاعتقال السياسي بالمغرب: سؤال الذاكرة والكلفة والمآل”
نشر بتاريخ

بسم الله الرحمن الرحيم 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله صحبه

أرضية ندوة: “الاعتقال السياسي بالمغرب: سؤال الذاكرة والكلفة والمآل”

تأتي هذه الندوة، ضمن فعاليات احتفال جماعة العدل والإحسان بالذكرى الأربعين لتأسيسها، وتتمحور حول موضوع الاعتقال السياسي في المغرب، الذي يكتسي راهنية وخطورة في نفس الوقت على الحقوق والحريات

ومن المعلوم أن جماعة العدل والإحسان نالت  نصيبا وافرا من ذلك وما تزال ، ولعل آخر حلقة من حلقاته،  ما تم في الأيام الأولى لإعلان الجماعة الشروع في إطلاق هذه الفعاليات، من اعتقال الدكتور محمد أعراب باعسو بمدينة مكناس ومتابعته ظلما وزورا بتهم واهية ومكشوفة لكن هذه المرة مغلفة بقانون الاتجار بالبشر.

لقد عاشت جماعة العدل والإحسان على امتداد أربعة عقود منذ تأسيسها الرسمي عام 1981 مراحل متعددة من الانخراط الإيجابي وسط الناس وملامسة حركية المجتمع وحقوقه ومطالبه، كما كانت لها إلى جانب مناضلين وفضلاء آخرين مشاركات فاعلة في خط مواجهة الاستبداد والفساد وتحصين مكتسبات وحقوق الشعب المغربي. فكان لذلك ثمن باهض تمثل في تقديمها آلاف المعتقلين والمعتقلات من جميع الفئات والحيثيات الاجتماعية، وأحكام قضائية انتقامية بعشرات السنين من العقوبات السجنية وملايين الدراهم من الغرامات المالية، تبعتها مساطر الإكراه البدني والحجز على الممتلكات، ناهيك عن باقي أساليب التضييق والحصار وصنوف انتهاك حقوق الإنسان من الإقامة الجبرية، ومصادرة الصحف والمجلات والمؤلفات، ومنع العمل الجمعوي والمدني والتطوعي والنقابي، ومنع الخطباء والوعاظ والاعتكاف بالمساجد، والمنع من السفر، وتشميع البيوت، وإعفاء الأطر الإدارية والتربوية، والإقصاء من الوظائف والمباريات، وقمع الطلبة وفصلهم من الدراسة، ومنع التظاهرات والملتقيات الثقافية والرياضية والفنية، وصولا إلى حد القتل المباشر …الخ.  

ولم تزد هذه الابتلاءات والمحن الجماعة إلا قوة وثباتا وتوسعا وانتشارا وتمسكا بالدعوة الرحيمة العلنية دون تطرف أو غلو أو عنف، لكن ذلك لا يعني بالنسبة لها  مهادنة أو استسلاما أو سكوتا عن المظالم التي تعرضت لها .

إن تاريخ المحاكمات السياسية يشهد على فظاعة وبشاعة الدولة البوليسية القمعية، كما تشهد على مختلف أنواع القمع التي تعرض لها المعتقلون السياسيون بمختلف مشاربهم السياسية والإيديولوجية، في إطار مخطط القضاء على المعارضين وإسكاتهم بالاعتقالات والانتهاكات.

 فالاعتقال السياسي هو أسلوب من أساليب الضبط، تستعمله الأنظمة السلطوية لإجهاض كل عمل فكري وسياسي معارض لها،  خوفا من انتشاره والتمكين له في المجتمع، وبغية الحفاظ على سطوتها السياسية. وتصاحب الاعتقال السياسي أعمال خطيرة ومشينة، كالاختطاف والتعذيب والاعتقال التعسفي والمحاكمات الصورية الجاهزة، ثم الزج بالمعتقلين في السجون للحد من نشاطهم وفصلهم عن المجتمع وكسر إرادتهم وثنيهم عن نضالهم وتخويف الناس منهم.

 وللسلطة المغربية تاريخ عريق ومخجل مع الاعتقال السياسي الذي مارسه الاستعمار ضد المقاومين، والزعماء السياسيين، والعلماء، ثم تواصل ما بعد الاستعمار بأشكال فظيعة، وداخل معتقلات سرية سيئة الذكر تنعدم فيها شروط حماية الكرامة الآدمية والسلامة البدنية والنفسية للمعتقلين والمختطفين، حيث ظلت الدولة تنفي في تصريحات رسمية موثقة وجود هذه المعتقلات، إلى أن انفضح أمرها ومنها: معتقل تازمامارت، وأكدز، وقلعة مكونة، والكربيس ودرب مولاي الشريف وغيرها.

 ورغم التطورات الحقوقية التي حصلت في العالم في العقود الأخيرة، فإن وتيرة القمع التي يقوم بها المخزن لم تتغير، بل ظلت هي نفسها مع تغيير في الوسائل والمكانيزمات المستعملة في إطار قمع ناعم، وهذا  يدل على أن الآلة المخزنية ظلت وفية لنهجها القمعي التسلطي المستبد عبر فبركة ملفات مطبوخة ومزورة، لتصفية حسابات سياسية على منصة القضاء. حيث  يتم اللجوء إلى طبخ الملفات والمحاضر  لإخفاء صبغتها السياسية وحشرها ضمن جرائم الحق العام من جهة، ولتشويه سمعة الفاعل السياسي من جهة ثانية، ولتجريده من صفة المعتقل السياسي من جهة ثالثة، ثم لحرمانه من مساندة ودعم منظمات حقوق الإنسان الوطنية والإقليمية والدولية من جهة أخرى.

نأمل أن تشكل هذه الندوة مساهمة في الرصد والتوثيق ضد النسيان، وفي تعزيز المجهود الجماعي الرامي إلى توفير ضمانات عدم التكرار، وكذا حشد الدعم والتشبيك الحقوقي، وتسليط الضوء على خطورة مسلسل الاعتقال التعسفي الذي زادت وتيرته وتنوعت أسبابه واشتدت خطورته.

لأجل هذا، نضع بين أيديكم -على سبيل الاقتراح لا الحصر- المحاور الأساسية التي يمكن أن تساعد في مقاربة الموضوع:

المحور الأول: تاريخ الاعتقال السياسي بالمغرب.

المحور الثاني: لمحة عن ملفات الاعتقال السياسي في صفوف جماعة العدل والإحسان.

المحور الثالث: كلفة الاعتقال السياسي على الوطن والمواطنين.

المحور الرابع: آليات وتجارب مناهضة الاعتقال السياسي.

والحمد لله رب العالمين.