8 ماي 1990 واعتصامات المحاكم

Cover Image for 8 ماي 1990 واعتصامات المحاكم
نشر بتاريخ

في صبيحة يوم الثلاثاء 8 ماي 1990 كانت العاصمة الرباط على موعد مع حدث مهم واستثنائي لم يسبق أن عرف المغرب الحديث مثيلا له، ذلك أن محكمة الاستئناف بالرباط ستعرف تقديم خمسة من بين سبعة أعضاء هم كامل أعضاء مجلس الإرشاد لجماعة العدل والإحسان المغربية المشهود لها بالسلمية ونبذ العنف والعمل السري أو الارتباط بالخارج، فيما استثني من الاعتقال المرشد العام الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله الذي تم فرض الإقامة الجبرية عليه منذ 30 دجنبر 1989 والمهندس أبوبكر بن الصديق الذي لم يكن حاضرا لحظة اختطاف أعضاء مجلس الإرشاد الخمسة يرافقهم الأستاذ عبد الله الشيباني القيادي بالجماعة .

خصوصية وأهمية الحدث لم تأت فقط من طبيعة ومكانة المعتقلين الستة، والذين يبدو أن النظام المخزني أقدم على اعتقالهم وحبس المرشد تحت الإقامة الجبرية في خطوة فجة كان الهدف من ورائها فصل قيادة الجماعة عن باقي أعضائها، لعله يحدث تشويشا أو ارتباكا في سيرها، ولم لا تشتيت صفوفها في بدايات ظهورها، وقد خاب سعيه بفضل الله ومنته. وإنما تكمن كذلك أهمية هذا الحدث في الاعتصام السلمي الكبير الذي صاحب أطوار المحاكمة من قبل أن تنطلق عند الساعة العاشرة صباحا وحتى انتهائها في ساعات متأخرة من ليل ذلك اليوم المشهود .

اعتصام أعضاء وعضوات جماعة العدل والإحسان بالموازاة مع جلسات محاكمة أفراد الجماعة قيادة أو أعضاء لم يكن وليد محاكمة 8 ماي 1990، وإنما سبقه اعتصامات عديدة بمناسبة محاكمات 1983 و1984، وتلته كذلك اعتصامات كثيرة جاءت بعد 1990، وهمت محاكمات مازال مسلسلها مستمرا حتى أيامنا هذه في أزمور والمحمدية والدار البيضاء، وكلها محاكمات هزلية وغير مبنية على أساس قانوني في حق أعضاء جماعة العدل والإحسان.

فيما يخص اعتصام محكمة الاستئناف بالرباط يوم 8 ماي 1990، ولأن طرفي المعادلة والمشهد – المخزن وجماعة العدل والإحسان- خبرا بعضهما البعض، فإن أعضاء الجماعة وتحسبا لتدخل أمني عنيف ومؤكد قد يفشل نجاح الاعتصام؛ إما بتقليل عدد المعتصمين وذلك باعتقالهم عند الحواجز الأمنية الكثيرة المنصوبة عند مداخل مدينة الرباط ووسطها وخاصة في الشوارع القريبة والمؤدية إلى المحكمة، أو بالحيلولة دون وصول المعتصمين إلى داخل المحكمة، فقد ارتأى المعتصمون تنظيم اعتصام محدود العدد على الساعة العاشرة صباحا للتمويه على قوات الأمن المتأهبة على أطراف محكمة الاستئناف، وهو ما تم بالفعل، حتى إذا بلغت الساعة الثانية عشرة زوالا خرجت الحشود الغفيرة من أبناء العدل والإحسان من كل حدب وصوب وجهتها البهو الداخلي للمحكمة وقاعة المحاكمة التي ضاقت بجموع الحاضرين الذين وفدوا من كل مناطق ومدن المغرب. فصار الاعتصام في حد ذاته حدثا مستقلا سرعان ما تناقلت خبره بعض وسائل الإعلام الدولية كان من أبرزها إذاعة BBC في لندن.

شهد هذا الاعتصام، شأنه شأن كل لقاءات وتجمعات جماعة العدل والإحسان، أجواء ربانية مفعمة بالمحبة والإيمان والرفق بالعاملين داخل المحكمة؛ مدنيين وعسكريين، تخللتها الصلوات المفروضة التي تمت تأديتها جماعة رغم ضيق المكان، وٱيات من كتاب الله العزيز تعاقب على تلاوتها بعض الشباب من الحاضرين ممن وهبهم الكريم المنان أصواتا عذبة شجية.

ولم يتم فض الاعتصام إلا في حدود منتصف الليل، بعدما حررت لكل الحاضرين محاضر بوليسية فردية قصد التخويف والترهيب.

من عجائب المغرب المضحكة ومهازل المخزن المبكية أنه في نفس الوقت الذي كان فيه أبناء جماعة العدل و الإحسان معتصمين داخل أسوار محكمة الاستئناف بالرباط، كانت التلفزة المغربية تنقل وبدون سابق إعلام خبر الإعلان عن إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة رسمية تعنى برعاية واحترام حقوق الإنسان بالمغرب، في خطوة ضمن أخرى لاحقة ستفتح ملف حقوق الإنسان بالمغرب وتشرع الباب أمام تصالح المغرب الرسمي مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والاعتراف بعدد منها ثم العمل على جبر الضرر لضحايا تلك الانتهاكات أشخاصا طبيعيين كانوا أم معنويين.

إن الاعتصامات الجماعية المرافقة لمحاكمات أعضاء جماعة العدل والإحسان، والتي صارت من ثوابت عمل وتربية الجماعة لأعضائها ذكورا وإناثا، قد أضحت إحدى العلامات الفارقة في الأداء السياسي والتدافع الميداني للعدل والإحسان، والتي لا تعكس فقط جانبا مهما من جوانب قوتها التنظيمية والسياسية، ولكن تشكل وسيلة تعبير وإيضاح لنواظمها الضابطة؛ وخاصة ناظمة الحب في الله الذي يجمع كل عضو ضمن سلك العدل والإحسان.