8 ماي المجيدة.. يوم انبعاث جماعة

Cover Image for 8 ماي المجيدة.. يوم انبعاث جماعة
نشر بتاريخ

يوم الثامن من شهر ماي 1990 ميلادية حجت للرباط شرائح مختلفة من أبناء الشعب المغربي المهضوم الحقوق، وفدوا من القرى والمدن والمداشر، الوجهة واحدة؛ محكمة الاستئناف بالرباط حيث يحاكم أعضاء جمعية الجماعة الخيرية التي رفعت العدل والإحسان شعارا واسما وبرنامجا.

بعدما تفنن الاستبداد المخزني في تلفيق التهم والزج بقيادة الجماعة في سجونه، في محاولة لفصل رأس الجماعة عن الجسد، بدأ بضرب حصار جائر على الإمام المجدد الأستاذ عبد السلام ياسين ببيته بسلا، ثم ثنّى فعله الشنيع باعتقال تحكمي والشروع في محاكمة للقيادة التاريخية المؤسسة لمشروع العدل والإحسان السادة أعضاء مجلس الإرشاد، فمع بزوغ فجر ذلك اليوم الأغر توافد أعضاء الجماعة الذين يمثلون جسدها الحي الذي يتداعى لحماية كل عضو فيه بكل ما يملك من قوة ويقين في مشروع يسير بخطى قاصدة للغايات والأهداف المرجوة، بخطى ثابتة وقلب مطمئن نزلت الجماعة عن بكرة أبيها إلى العاصمة الرباط؛ لترسم في شوارعها والأزقة المؤدية للمحكمة لوحة ملأها بياض تلك الوجوه المتوضئة، وفي تلك الساحات المجاورة مشهدا يقاوم الاستبداد، وهو يمسك في يده مصحفا وفي يده الأخرى باقة ورد، مشهد سيكون له الأثر البالغ في التحريك السلمي للشارع بالمغرب، حيث سيترسخ مبدأ السلمية في التدافع مع السلطة المستبدة بالمغرب مع الأيام، وهي ممارسة واعية زكتها اللاءات الثلاث التي جعلها الإمام خطوطا حمراء لا ينبغي الخروج عنها: لا للعنف، لا للسرية، ولا للتعامل مع الخارج.

خط واضح ومنهاج لاحب جعل السلطة المستقوية باستبدادها الأرعن، وأجهزة القمع المروضة على التنكيل بالخصوم السياسيين منذ حصول المغرب على “الاستقلال”، حيث كانت تتصيد أخطاء المعارضين لها لتبرر ما سماه مهندسو المصالحة بالعهد الجديد سنوات الرصاص.

شكلت جماعة العدل والاحسان نموذجا لافتا في التعامل مع مكر السلطة ففوتت على من سفكوا الدماء الزكية بغير حق، بأن كان هذا اليوم المشهود الصخرة التي تحطمت عليها كل المكائد، فكان ما أراده المخزن من فصل بين القيادة وعامة الأعضاء، هو ما رآه بأم عينه من وصل، أعلن ميلاده يوم 8 ماي 1990 من القرن الفائت، تجسد ذلك في المقاومة السلمية للمنع المخزني للحق في حضور للمحاكمة العلنية بمنطوق القانون الذي تحتكم إليه السلطة، فلم تنفع الحواجز الأمنية التي وضعت عند مداخل العاصمة الرباط، ولا الاعتقالات الجماعية بالمحطات الطرقية والتشطيب الأمني لكل الشوارع والأزقة من وصول مئات المتضامنين من أبناء جماعة العدل والإحسان للساحة الأمامية للمحكة وباحتها، مما سبب حرجا لسلطة كان أملها أن تبطش بقيادة الجماعة وسط صمت مطبق، كسرته إرادة أهل العدل والاحسان بمشاهد خالدة لأسلوب سياسي في الاحتجاج، ورفع للمظلومية بسلمية كتب إبداعها صناعة خالصة للعدل والإحسان.

احتشد المتضامنون في باحة المحكمة يرفعون إشارة النصر والشهادة في رسالة لمهندسي سنوات الرصاص أن الجماعة عصية عن التفكيك والتنكيل بأهلها بدون موجب حق، وأن حقها في الوجود لا يتطلب إذنا من أحد، إلا ما كان من إجراءات قانونية متبعة تثبت الميلاد والوجود، قد سلكتها الجماعة فور تأسيسها وجاء التأييد على ذلك بأحكام قضائية بلغت حد التواتر.

لم تغرب شمس يوم 8 ماي 1990 إلا بميلاد آخر للعدل والإحسان؛ كسرت فيه كل القيود الوهمية بصلابة ورباطة جأش، سيكتبه التاريخ يوم يغيب الوجه الكالح للاستبداد.